قانون الإجراءات الجنائية الجديد.. تعديلات لحماية حقوق الإنسان وتقليل اللجوء إلى الحبس الاحتياطي    محافظ القاهرة: نقف على مسافة واحدة من جميع المرشحين لمجلس النواب    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    محافظ الجيزة يوجه برفع كفاءة النظافة بمحيط المدارس بعد انتهاء انتخابات مجلس النواب    محافظ الإسكندرية: تنفيذ 1143 مشروعا و2946 فرصة عمل ضمن مبادرة مشروعك للشباب    مجموعة ستاندرد بنك تفتتح رسميا مكتبها التمثيلي في مصر    الغرفة التجارية بمطروح: الموافقة على إنشاء مكتب توثيق وزارة الخارجية داخل مقر الغرفة    وزير الخارجية السوري يتوجه إلى بريطانيا لإجراء مباحثات    برلمانيات العراق.. المشاركة 56.11% ونتائج أولية مساء الأربعاء    إصابة تُبعد لوكا زيدان عن قائمة منتخب الجزائر    أوباميكانو: أعتقد أنني واحد من أفضل المدافعين في العالم    نجم مانشستر يونايتد يقترب من الرحيل    العناية الإلهية أنقذت سكانه.. النيابة تطلب تحريات انهيار عقار من 8 طوابق بحي جمرك الإسكندرية    إخلاء سيدة بكفالة 10 آلاف جنيه لاتهامها بنشر الشائعات وتضليل الرأي العام في الشرقية    نقيب التشكيليين يهنئ الفنان عصام درويش لفوزه بجائزة السلطان قابوس    ذكرى رحيل الساحر الفنان محمود عبد العزيز فى كاريكاتير اليوم السابع    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    غنية ولذيذة.. أسهل طريقة لعمل المكرونة بينك صوص بالجبنة    عاجل- محمود عباس: زيارتي لفرنسا ترسخ الاعتراف بدولة فلسطين وتفتح آفاقًا جديدة لسلام عادل    وزير التعليم: الإعداد لإنشاء قرابة 60 مدرسة جديدة مع مؤسسات تعليمية إيطالية    يعاني منه 80 مليون شخص، الصحة العالمية تكشف علاقة مصر بمرض خطير يصيب بالعمى    ترامب يطلب العفو عن نتنياهو رسميًا.. وهرتسوغ يرد: "اتبعوا الإجراءات"    انهيار عقار بمنطقة الجمرك في الإسكندرية دون إصابات    الرقابة المالية تتيح لشركات التأمين الاستثمار في الذهب لأول مرة في مصر    محافظ المنوفية يناقش تسليم مشروعات الصرف الصحى المنفذة بقرى أشمون والشهداء    نقيب العاملين بالسياحة: لمس الآثار إتلاف يعاقب عليه القانون بالحبس والغرامة    عُطل فني.. مسرح الطليعة يوجه رسالة اعتذار ل جمهور عرض «كارمن»    وكيل الأزهر في احتفالية تخرج الطلاب الوافدين: الأزهر سيظل بيتا جامعا لأبناء الأمة من شتى بقاع الأرض    «التعليم» توجه المديريات بحصر التلاميذ الضعاف في 3 مواد بالمدارس 2025-2026    بعد انخفاض الكيلو.. أسعار الفراخ اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025 في بورصة الدواجن    عاجل- رئيس الوزراء يشهد توقيع مذكرة تفاهم بين مصر ولاتفيا لتعزيز التعاون فى مجالات الرعاية الصحية    اليابان تتعاون مع بريطانيا وكندا في مجالي الأمن والاقتصاد    وزير دفاع إسرائيل يغلق محطة راديو عسكرية عمرها 75 عاما.. ومجلس الصحافة يهاجمه    «عندهم حسن نية دايما».. ما الأبراج الطيبة «نقية القلب»؟    منتخب مصر يخوض تدريباته في السادسة مساء باستاد العين استعدادا لودية أوزبكستان    حملات تموينية موسعة بالقليوبية تكشف مخالفات جسيمة وسلعًا غير صالحة للاستهلاك    أزمة جديدة تهدد الدوري المصري.. شوبير يكشف التفاصيل    المشدد 15 و10 سنوات للمهتمين بقتل طفلة بالشرقية    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    فيلم «السلم والثعبان: لعب عيال» يكتسح شباك تذاكر السينما في 24 ساعة فقط    خالد سليم ينضم لأبطال مسلسل ست الحسن أمام هند صبرى فى رمضان 2026    الحبيب الجفرى: مسائل التوسل والتبرك والأضرحة ليست من الأولويات التى تشغل المسلمين    دار الإفتاء توضح حكم القتل الرحيم    ما الحكم الشرعى فى لمس عورة المريض من قِبَل زوجة أبيه.. دار الإفتاء تجيب    الأهلي يضع تجديد عقد ديانج في صدارة أولوياته.. والشحات يطلب تمديدًا لعامين    إطلاق قافلة زاد العزة ال71 بحمولة 8 آلاف طن مساعدات غذائية إلى غزة    «العمل»: التفتيش على 257 منشأة في القاهرة والجيزة خلال يوم    قصر العينى يحتفل بيوم السكر العالمى بخدمات طبية وتوعوية مجانية للمرضى    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    اليوم.. عزاء المطرب الشعبي إسماعيل الليثي    وزير الخارجية يعلن انعقاد المنتدى الاقتصادي المصري – التركي خلال 2026    تعرف على أكبر نتائج مباريات كأس العالم للناشئين بعد ختام دور المجموعات    «وزير التنعليم»: بناء نحو 150 ألف فصل خلال السنوات ال10 الماضية    المصرية جمانا نجم الدين تحصد لقب أفضل قنصل لعام 2025 في المملكة المتحدة    نتائج أولية في انتخابات النواب بالمنيا.. الإعادة بين 6 مرشحين في مركز ملوي    مباحث الجيزة تكتشف جريمة بشعة داخل شقة مهجورة فى بولاق الدكرور    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    مارسيليا ولوهافر وبايرن ميونيخ يتابعون مهاجم الأهلي حمزه عبد الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أجاثا كريستى... الجريمة تعرى النفوس
نشر في بوابة الأهرام يوم 29 - 07 - 2020


د. نوال السعداوي
كان من المفروض أن أقضى الليلة الماضية, مع ابنتى مني، نتناقش حول فلسفة نيتشه، عن القوة والإنسان الأعلي. منذ فترة، ونحن نخصص وقتا مساء كل أسبوع، لمناقشة أفكار أحد الفلاسفة ، الذين أثروا الفكر الإنساني، وهل حياتنا الواقعية، أنا، ومني، قد تأثرت بهذه الأفكار، إلى أى مدى ابتعدت أو اقتربت، اتفقت أو اختلفت، ولماذا. وأعترف بأن هذا كان اقتراح ابنتي، التى تعشق الفلسفة ، وتستمد منها قوتها، وحكمتها، وفقا لما يناسبها، ويؤكد ذاتها المختلفة، ويساعدها فى تحقيق أحلامها، وفى تخطى أوقات المحن، وإعطاء مذاق متفرد لمعنى الحزن والفرح والموت والحياة.
لكن الليلة الماضية، اعتذرت مني، عن عدم استضافة نيتشه، وتركتنى لمشاهدة أحد الأفلام البوليسية، المقتبسة عن قصة من تأليف أجاثا كريستي. وعادت بى الذكريات، حينما كنت مدعوة لافتتاح مهرجان العيد المئوي، لمولد أجاثا كريستي، فى توركايا ديفون، جنوب بريطانيا ، حيث نشأت. تخصصت فى كتابة الجريمة وألغازها، وشخصيات أبطالها من مفتشى البوليس على غرار شارلوك هولمز. كانت كاتبة عميقة الفكر، عاشقة لحضارة مصر والعراق وسوريا، تنقب فى تاريخ أهل بابل، والكلدانيين، والآشوريين والآراميين. وكتبت كتابا رائعا عن اخناتون.
وتذكرت عبارة لا تنسي، ردت بها على هذا السؤال: من هو أفضل زوج للمرأة فى نظرك؟ وكان زوجها ماكس مالوان الأنثروبولوجى المعروف، من أبرز علماء الآثار القديمة، تكبره بعشرين عاما تقريبا. ردت أجاثا كريستى قائلة: أفضل زوج للمرأة هو عالم الآثار القديمة فاهتمامه بزوجته يزداد بازدياد تقدمها فى العمر. كانت تسخر من الثقافة السائدة التى تعتبر تقدم المرأة فى العمر عيبا لا ميزة، وتجعل الرجال العجائز يلهثون وراء الصغيرات التافهات، ويكرهون النساء ذوات العقل المفكر، فالسخرية من عقل المرأة جزء من التراث الذكوري، أذكر ما قاله برنارد شو لامرأة جميلة اقترحت أن يتزوجها، بأمل إنجاب طفل يرث وجهها وعقله، فأجابها: أخشى أن يرث وجهى وعقلك. ان القدرة على السخرية تقتضى جرأة لنقد المسلمات، وثقافة متصلة الحلقات، ومعرفة متراكمة بالتاريخ، ودراسة نشوء الحضارات والأديان. لا يجتمع الخوف والضحك فى قلب واحد، لهذا عجزت عقول النساء عن السخرية وكان الضحك ممنوعا على المرأة بالمعابد والكنائس حتى العصور الوسطى، لم أشهد فى طفولتى امرأة تضحك، دون أن تغطى فمها وتهمس «اللهم اجعله خير يا رب»، إلا أمى، كان لأمى زينب هانم ضحكة مميزة، لها رنين الماء الرقراق فى النهر العذب، تسرى فى أذنى ضحكتها رغم موتها منذ ستين عاما، وكنت، فى مراهقتى، أخشى الضحك بصوت عال، أو القهقهة، كما يفعل الرجال، وأتردد فى كتابة الفكاهات الساخرة عن رجال العائلة الكريمة، على رأسهم جدى المهيب، فلا شيء يهدد أركان الظلم، والقهر، مثل سخرية النساء والعبيد.
تنبع السخرية، من عقل لم يفسده التخويف أو التعليم الرديء، عقل فيه مرونة طبيعية، وتلقائية الأطفال، لا تنبع السخرية من عقل متجمد، عاجز عن التجديد، حبيس التقاليد. لقد نالت أجاثا كريستي، شهرتها العالمية، لأنها تخصصت فى الجرائم، التى تراها أكثر الأفعال الإنسانية التى تعرى النفس البشرية، من تناقضاتها الموروثة بالتعليم، والإعلام، ومفاهيم التربية الخاطئة، والتشبث بقيم زائفة لا تحقق السعادة والتناغم للإنسان. اللغز فى مؤلفات أجاثا كريستي , يحل بمعرفة القاتل الحقيقي، رجلا أم امرأة، ووراء القاتل الحقيقى المرئي، قتلة آخرون مخفيون، هم المحفز الرئيسى لإفساد النفوس، وهم من ضغطوا لإطلاق الرصاص، أو الطعن بالسكين. المتعة فى أعمالها، تأتى من تشابك الخيوط، وتداخل العواطف، ووجود أكثر من شخص لديه الدافع للجريمة، وفى أغلب الأحيان، نفاجأ بأن من كنا نستبعده، هو حقا مفتاح اللغز.
كانت أجاثا كريستي، تعتقد وهذا صحيح، أن الجريمة تأتى من الإنسان الضعيف، العاجز عن التغيير بشكل ايجابي، وتصبح الجريمة هى الوسيلة للشعور بالقوة والسلطة، وللتخلص من العجز الذى يجد جذوره فى الطفولة، وفى الطريقة التى يعامله بها المجتمع. فالضعفاء هم المجرمون وليس الأقوياء.
ابتدعت أجاثا كريستي، شخصية الآنسة ماربل، التى تحقق فى الجريمة، وتنجح فى حل أصعب الألغاز البوليسية. وهذا جدير بالتقدير، حيث ماربل، تعيش وحدها وقد تخطت السبعين من العمر، وتتمتع بعقل ثاقب، وفطنة، وقدرة على ربط التفاصيل الصغيرة, وإيجاد رابط بين أشياء تبدو لا رابط بينها، وتتأمل الجريمة من كل زاوية، حتى تصل الى فك اللغز الغامض. أليس هذا احتراما كبيرا للمرأة المتقدمة فى العمر,على عكس ما يحدث فى مجتمعاتنا؟. لو كانت أجاثا كريستى تعيش بيننا اليوم, ترى أكانت تكتب عن ألغاز الجرائم الداعشية فى العراق وسوريا واليمن وليبيا ومصر؟. هل تنزع النقاب عن وجوه القتلة المتعددى الجنسيات، فى أوروبا وأمريكا وإسرائيل وتوابعها؟. هل كانت ستعطى النظام السياسي، بعدا أكبر، وهل كانت سيستهويها عالم الجريمة الالكترونية المستحدثة، أم ستظل على عهدها التقليدى؟.
نقلا عن صحيفة الأهرام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.