تحدث القرآن الكريم عن الأشهر الحرم، حيث يقول الحق سبحانه : «إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِى كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ» (التوبة: 36)، والأشهر الحرم أربعة أشهر منها ثلاثة متتابعة، وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ومنها شهر منفرد هو رجب. وفى هذه الأشهر الحرم وتحديدًا فى شهر ذى الحجة تطالعنا الليالى العشر المباركات التى وصفها القرآن الكريم بالأيام المعلومات، فقال سبحانه: «لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِى أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ» (الحج : 28). وذكر سيدنا عبد الله بن عباس (رضي الله عنه) أنها الليالى العشر التى أقسم بها رب العزة (عز وجل) فى كتابه العزيز فقال: «وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ» (الفجر: 1، 2). وإذا كانت إرادة الله (عز وجل) قد اقتضت عدم التمكن من الحج لغير المقيمين بالمملكة العربية السعودية، فإننا نؤكد أمورا: منها أنه من كان قد نوي الحج فحبسه العذر فله كامل الأجر إن شاء الله، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا» (صحيح البخاري). كما أن على المسلم أن يغتنم ما أتيح له من أبواب الخير فى هذه العشر من الإكثار من الصيام وقيام الليل، والذكر، وتلاوة القرآن، وإطعام الطعام، والحرص على شعيرة الأضحية، وصلة الأرحام، والإكثار من الصدقات، وقد سئل نبينا (صلى الله عليه وسلم) من أين لنا صدقة نتصدق بها كل يوم؟ فقال: «إن أبواب الخير لكثيرة: التسبيح والتحميد والتكبير والتهليل، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وتميط الأذى عن الطريق، وتسمع الأصم، وتهدى الأعمى، وتدل المستدل على حاجته، وتسعى بشدة ساقيك مع اللهفان المستغيث، وتحمل بشدة ذراعيك مع الضعيف؛ فهذا كله صدقة منك على نفسك». على أن التوسع فى الصدقات أولى فى أوقات النوائب والأزمات، يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ»، ويقول (صلى الله عليه وسلم): «مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبِحُ العِبادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلانِ، فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، وَيَقُولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا» (متفقٌ عَلَيْهِ). وفي عشر ذي الحجة يأتى يوم عظيم، خير يوم طلعت فيه الشمس، وهو يوم عرفة، من صامه إيمانًا واحتسابًا فإنه يكفر السنة الماضية والسنة الباقية، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِى قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِى بَعْدَهُ» (رواه مسلم). وفيه يوم النحر يوم الأضحية التى هى سنة نبينا (صلى الله عليه وسلم) وأبينا إبراهيم (عليه السلام)، وفيها يقول : «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ (عز وجل) مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (سنن الترمذي). * نقلا عن صحيفة الأهرام