تتعاظم المسئوليات التى تقع على عاتق الإعلام المصرى كونه يلتزم بالثوابت الوطنية والتصدى لكل ما يستهدف دور مصر وتاريخها، تلك المهام والمسئوليات تضعه أمام التحديات الجسام التي تمر بها مصر وهى تخوض غمار مرحلة تثبيت دعائم الدولة المستقرة، والتصدى لكل المؤامرات الخارجية التى تستهدف تأثيرها القوي في محيطيها العربي والإفريقي، وحضورها التاريخي في الإطار الدولي كعضو مؤسس لعصبة الأمم عام 1937 ثم كدولة من الدول الخمسين التى أسست منظمة الأممالمتحدة فى عام 1945. وكان من حسن الطالع أن يترأس الدكتور بطرس غالي، وهو أول عربى وأول إفريقى يتقلد منصب الأمين العام للأمم المتحدة تقديرا من التاريخ لمصر وانصافا لحضورها الذي تقف خلفه شواهد التاريخ الإعجازى للحضارات المختلفة التى خرجت من أرضها. كل هذا وغيره يضع طموحات كبيرة على عاتق الإعلام الذى يواجه هو نفسه تحديات غير مسبوقة بعد ثورة الإعلام الرقمى ودخول العالم فى سباق لا نهاية له فى مجالات الابتكارات الرقمية والتأثير غير النهائي على المتلقي مهما كانت مكانته او موقعه. فى هذا العالم المتجدد تختلط المفاهيم وتتشابك الأولويات، فمثلا هناك من يتوقع من الصحف تحقيق الانتشار الواسع وجنى المكاسب دون أن يضبط ساعة الزمن على عوامل التاريخ والجغرافيا التي تتأرجح بين عزوف القارئ وبين حدة المنافسة الرقمية وبين فقدان الشهية المهنية فى ظل غياب المعايير التى تضبط المنظومة وتلزم العاملين ببذل أقصى جهد وتسخير جل امكانياتهم للمكان ومنحه الولاء والانتماء، وهذا غائب. رسالة الإعلام التعبير بالمستوى الجدير عن الحضارة المصرية والمكانة العريقة التى تتمتع بها مصر عبر تاريخها القديم متمثلا فى عبقرية الحضارة الفرعونية مستلهما زخم التراث القبطى وتجلياته الروحانية و طريق العائلة المقدس الذى تمر عليه أكثر من ألفى عام رحلة السيدة مريم العذراء ومعها السيد المسيح هربا من بطش ملك الرومان فى القدس. وتكتمل القيمة لمصر ب الفتوحات الإسلامية ، سماحة ووسطية الإسلام وذكرها أكثر من 28 مرة فى القرآن الكريم مما يمنح هذا البلد العمق الذى يضعه في مرتبة العطاء للإنسانية والخلود فى التاريخ ومنارة الديانات ومنبر التسامح. قد يكون كل هذا كاشفا عن حجم المسئولية التي يجب أن يضطلع به الإعلام فى مصر وأن يرقى الى الدور والرسالة ويستمد الشموخ والأصالة من الموروث الفذ للحضارة الفرعونية والإعجاز العلمى للحضارة الإسلامية والصفاء الروحي للكنيسة القبطية. الصورة التى تسود الإعلام وخصوصا المرئى مزعجة فى ظل نمطية الأداء والانسياق الكامل وراء الأخبار ذات المغزى الذي يتضمن إثارة وفضولا وحدة فى التراشق واستخدام الألفاظ التى لم يعهدها الإعلام من قبل وكانت بمثابة خطيئة لا تمر حتى فى حال أن تفوه بها الضيف كانت تحجب بهدف عدم خدش حياء المشاهد أو المستمع. تكرار مثل هذه المشاهد قد يجعلها أمرا معتادا لا يستوجب الاعتراض فى حين أنها تؤثر سلبا على قيمة رسالة الإعلام المصرى وريادته ومستوى ومكانة المتحدث. العقل المستنير مع حرية الإعلام والإبداع لكنه فى الوقت نفسه يتوقع أن يكون الإعلام فى مستوى الرسالة، وقيمة الدور يحفظ للثوابت خصوصيتها، يبث روح الثقة فى المناخ الثقافى يمنح الفن الراقى قدرا من المتابعة، يضع مقدرات الأمن القومى فوق كل اعتبار، يحث على زرع القيم لدى الاجيال الواعدة، لا ينحدر بها الى مستنقع الفتنة والتعصب. يبتعد تماما عن كل ما يقترب من لغة التطرف او التشدد وكلها قيم جميلة نتمناها. من حسن الطالع أن الذاكرة الآن موثقة ولا مجال للتحايل وهذا قطعا يسهل من مهمة المساءلة لمن يبتعد عن الميثاق الإعلامى الذى يعرف قواعده أبناء المهنة، هناك عدد غير قليل وصل الى منصات الإعلام دون أن يكون مهيأ بالدرجة المقبولة للمهمة، لكنه حقق قدرا من الانتشار وهذا طبيعى، لكن القياس عليه أو على غيره لا يعنى أن المسار هو النجاح. نقلا عن صحيفة الأهرام