أدان وزير الري الأسبق رئيس المجلس العربي للمياه الدكتور محمود أبو زيد ، ما تضمنته المذكرة التي مررها إلى الكونجرس القس جيسي جاكسون الناشط الحقوقي بشأن قضية سد النهضة والتي شكك من خلالها في المفاوضات التي تمت. وأعرب الدكتور أبو زيد، في تصريحات مطولة نشرها موقع السفارة ال مصر ية في واشنطن، عن انزعاجه بشكل خاص من الوصف الذي ساقه جاكسون: "وجدت صعوبة في استبعاد العرق كعامل في اللعب الدولي"، وذلك في الخطاب الذي وجهه لأعضاء مجموعة النواب الأمريكيين من أصول إفريقية ودعاهم فيه لدعم الموقف الإثيوبي بخصوص سد النهضة ، وتضمن حججًا مغلوطة واتهامات غير صحيحة للحكومة ال مصر ية، في تحيز واضح ل إثيوبيا . وقال الدكتور محمود أبو زيد في خطابه للقس جاكسون: "نحن في إفريقيا لا نفصل بين هوياتنا.. نحن أفارقة ولا ننغمس في الانقسامات الزائفة التي تميز بين الأفارقة على أساس العرق أو الدين أو الخلفية العرقية أو الانتماء القبلي أو الأصل القومي أو الإقليمي"، وتابع قائلا: "فنحن نؤمن بالحكمة الخالدة للدكتور مارتن لوثر كينج القائلة إنه يجب ألا نحكم على الناس من خلال لون بشرتهم ولكن من خلال محتوى شخصياتهم". وأضاف وزير الري الأسبق قائلا: "إن التلميح إلى أن لون البشرة مرتبط بطريقة أو بأخرى بالعلاقات بين دول وشعوب شمال وجنوب الصحراء الإفريقية، هو أمر مسيء للغاية وغير منضبط تاريخيًا. فال مصر يون أنفسهم خليط من كل الألوان.. ودول شمال إفريقيا، وخاصة مصر ، لها تاريخ طويل في الترويج للقضايا التي تهم عموم إفريقيا، بما في ذلك النضال ضد الاستعمار ومكافحة الفصل العنصري. وإن تجاهل هذه الحقائق ونشر معلومات مغلوطة عنصرية أمر مخيب للآمال ويثبط عزيمتنا نحن الأفارقة". ويقود النائب بالكونجرس القس جيسي جاكسون منذ فترة تحالفًا باسم « Rainbow Push » للدفاع عن إثيوبيا في المحافل الدولية، ومحاولة إشعال التوتر بين الخرطوموأديس أبابا على الحدود، والترويج لتصريحات المسئولين في أديس أبابا، وآخرها ما قاله وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي بزعمه أن بلاده لن تعترف بالحقوق التاريخية ل مصر في مياه نهر النيل ، وإعلان إثيوبيا عن بدء استعداداتها لتطهير الأرض وراء « سد النهضة »، تمهيدًا لبدء ملء خزانِه بالمياه فى يوليو المقبل. وشدد أبو زيد في تصريحاته، على أن " مصر لم تسع لإلزام إثيوبيا باتفاقيات ليست طرفًا فيها". مضيفًا أن "الإشارات المتكررة إلى ما يسمى بالاتفاقيات الاستعمارية غير صحيحة وغير متسقة مع القانون الدولي، ولا تؤدي إلا إلى التعبير عن المشاعر السلبية غير الضرورية"، متابعًا: "لقد دعت مصر إثيوبيا باستمرار إلى التمسك بمبادئ القانون الدولي العرفي الملزمة لجميع الدول المشاطئة واحترام المعاهدات التي وقعتها بحرية مع شركائها". وتابع أن إثيوبيا على وجه الخصوص، ملزمة بالعديد من الاتفاقات التي أبرمتها، كدولة مستقلة وذات سيادة مع شركائها، والتي تشمل معاهدة 1902 التي وقعها الإمبراطور مينليك الثاني والتي تلزم إثيوبيا "بعدم بناء أو السماح ببناء أي أعمال عبر النيل الأزرق من شأنها أن توقف تدفق مياههم إلى النيل". وأضاف وزير الري الدكتور محمود أبو زيد قائلا: "بالمثل، فإنه في إطار الاتفاق الموقع عام 1993 للتعاون العام بين مصر و إثيوبيا والذي وقعه رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي يلزم إثيوبيا (بالامتناع عن الانخراط في أي نشاط يتعلق بمياه النيل بما قد يسبب ضررًا كبيرًا ل مصر )، موضحًا: "علاوة على ذلك، فإن اتفاقية إعلان المبادئ (DOP) التي وقعت 2015، تلزم إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق مع مصر و السودان بشأن القواعد التي تحكم ملء وتشغيل السد بطريقة عادلة وتجنب إلحاق أي أضرار لدول المصب". وأوضح الدكتور محمود أبو زيد قائلا: "لسوء الحظ، انتهكت إثيوبيا نص وروح هذه الاتفاقيات، التي أبرمتها كدولة مستقلة ذات سيادة كاملة، وقررت البدء من جانب واحد في بناء سد النهضة وفشلت في إجراء الدراسات اللازمة حول التأثيرات البيئية والآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا السد، مضيفًا: "لقد أبدت عزمها على البدء في ملء خزان سد النهضة دون اتفاق مع شركائها في النهر، وكلها انتهاكات خطيرة لالتزاماتها القانونية بموجب المعاهدات التي وقعتها بكامل حريتها وإرادتها، ومما يؤسف له أن سلوك إثيوبيا لا يتفق مع روح التضامن الإفريقي وحسن الجوار". وقال أبو زيد: "بالنسبة ل مصر ، فإن نجاح هذه المفاوضات والتوصل لاتفاق مع إثيوبيا و السودان بشأن سد النهضة ليس أمر من شأنه فقد تنظيم استخدام مجرى مائي مشترك أو التقليل من الآثار السلبية المحتملة لهذا السد الضخم، بل هو ضرورة للبقاء". وتابع: "على عكس إثيوبيا التي تتمتع بموارد مائية وفيرة داخل وخارج حوض النيل، فإن مصر دولة قاحلة وفقيرة في المياه تضم أكثر من 100 مليون مواطن يعتمدون بالكامل على نهر النيل لكسب عيشهم ووجودهم، وهذا يجعل مصر عرضة بشكل خاص لنقص المياه وعرضة بشكل خاص للتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية المدمرة للمشاريع التنموية المختلفة". ودحض خبير المياه الدولي الدكتور محمود أبو زيد ادعاءات جيسي جاكسون، والتي أوردها في خطابه إلى الكونجرس قائلا: "إن مصر لم تمارس أبدًا ما وصفته ب (القوة المهيمنة على نهر النيل )، كما لم تطعن مصر في حق رفاقها في الاستفادة من موارد نهر النيل ، والتاريخ شاهد علي ذلك وعلى مدى عقود، تعاونت مصر مع دول نهر النيل في إقامة محطات المياه، وإنشاء مشاريع الحفاظ على المياه مثل السدود التي تسهم في التنمية، وحفر آبار المياه العذبة، وتنفيذ حملات تطهير النيل من مختلف أشكال النباتات والأعشاب الضارة التي تقيد بشدة المجرى المائي". وأشار قائلا: "تعكس هذه المشاريع، التي كلفت مصر وهي دولة نامية، مليارات الجنيهات ال مصر ية، سياسة طويلة الأمد مستوحاة من إدراكنا بأن مصر تشارك دول نهر النيل في مصير مشترك وهو الدافع لالتزامنا بتوسيع التعاون مع دولنا الإفريقية الشقيقة". ولفت الدكتور أبو زيد إلى أن أفضل تعبير عن هذا الشعور، كان من قبل الرئيس عبد الفتاح السيسي عندما دعا في خطاب أمام جلسة مشتركة للبرلمان الإثيوبي في 24 مارس 2015، إلى إرساء "الأسس لمستقبل أفضل لأطفالنا وأحفادنا، وهو المستقبل الذي يضمن توافر الكهرباء في جميع فصول المدارس في إثيوبيا ، ويضمن للأطفال في مصر توافر مياه الشرب من من النيل .. حيث إن إثيوبيا لها الحق في التنمية واستخدام مواردها لرفع مستوى معيشة شعبها، كما أن ال مصر يين أيضًا لهم الحق ليس في التنمية فحسب، بل في الحياة نفسها". وتابع الوزير الأسبق قائلا: "وبهذه الروح، انخرطت مصر خلال ما يقرب من عقد من المفاوضات حول سد النهضة ، على الرغم من حقيقة أن إثيوبيا بدأت بناء هذا السد الضخم، الذي يُتوقع أن يكون أكبر سد للطاقة الكهرومائية في إفريقيا، دون استشارة أو إبلاغ أهم اثنين من شركائها وهما دولتا المصب"، مضيفًا: "فقد تفاوضت مصر بحسن نية للوصول إلى معرض اتفاق بشأن السد، ورغم ذلك كان هدفنا ولا يزال التوصل إلى اتفاق يمكّن إثيوبيا من تحقيق أهدافها التنموية، مع حماية حقوقنا كدول ومجتمعات المصب". وأردف قائلا: "ولكن لسوء الحظ، لم تؤد جهودنا للتوصل إلى اتفاق بأي ثمار، فإن الحقيقة هي أن إثيوبيا قد تبنت سياسة متسقة من العرقلة أعاقت محاولات إبرام أي اتفاق"، متابعًا: "على سبيل المثال، بدأت إثيوبيا في انتهاك لالتزاماتها القانونية الدولية، البناء دون إجراء أي دراسات حول الأثر البيئي لسد بهذا الحجم، كما أنها لم تنظر في الآثار الاجتماعية والاقتصادية لهذا السد على المجتمعات في البلدان الإفريقية المصب". وتابع: "بعد سنوات من المفاوضات الثلاثية بين مصر و إثيوبيا و السودان أثبتت عدم جدواها، ووفقًا لآليات حل النزاعات المنصوص عليها في اتفاق إعلان المبادئ التي وقعتها إثيوبيا ، وجهت مصر الدعوة إلى الولاياتالمتحدة والبنك الدولي للانضمام إلى المفاوضات باعتبارهما أطراف محايدة لمساعدة الدول الثلاث في التوصل لاتفاق"، مضيفًا: "وكتعبير عن حسن النية، الذي لم ترد إثيوبيا عليه بالمثل، أعلنت مصر في بداية هذه المفاوضات أنها مستعدة لقبول أي صيغة حل وسط تقترحها هذه الأطراف المحايدة".
واستطرد الدكتور محمود أبو زيد في رده قائلا: "بعد أربعة أشهر من المفاوضات المكثفة، أعدت الولاياتالمتحدة والبنك الدولي اتفاقية بشأن ملء وتشغيل سد النهضة الذي قبلته مصر ، ولكن للأسف رفضته إثيوبيا ، وأوضح قائلا: "هذه الاتفاقية ليست نصًا أمريكيًا سعت الولاياتالمتحدة إلى فرضه على الطرفين، وهي مبنية بالكامل على مواقف الدول الثلاثة، إنها صيغة عادلة ومتوازنة تحافظ على مصالحهم الأساسية، وتابع: "ويتضمن الجدول الزمني المخطط ل إثيوبيا لملء خزان السد الذي يمكّنها من توليد الطاقة الكهرومائية بسرعة، مع تطبيق القواعد التشغيلية التي تضمن استمرار السد في إنتاج الطاقة بشكل مستدام، وفي الوقت نفسه تحمي أكثر من 150 مليون إفريقي في السودان و مصر من ويلات الجفاف أو فترات الجفاف الطويلة التي قد تحدث أثناء ملء سد النهضة أو تشغيله". وأكمل: "تتضمن هذه الاتفاقية أيضًا آلية تنسيق تقني لتسهيل وتعميق التعاون بين الدول الثلاث، ولديها أحكام تسوية المنازعات التي تتطابق تقريبًا مع تلك التي قبلتها إثيوبيا في المعاهدات الأخرى التي وقعتها مع العديد من الدول، بما في ذلك مصر و السودان والولاياتالمتحدة". وقال أبو زيد إن "هذه الاتفاقية صفقة عادلة، ومع ذلك تواصل إثيوبيا رفض هذا الاتفاق ونشرت أكاذيب براءات الاختراع حول محتواه وطبيعته"، وتابع قائلا: "من وجهة نظري، فإن هذا الموقف الإثيوبي يعبر عن رغبة في تكريس حق غير منظم وغير مقيد في استغلال موارد نهر النيل دون مراعاة حقوق دول المصب، ومن ناحية أخرى تسعى مصر بصفتها دولة مسئولة حريصة على تعزيز التعاون الإفريقي، إلى اتفاق مفيد للطرفين يقوم على القانون الدولي". واختتم أبو زيد رده وقال: "القس جاكسون.. هذه هي الحقائق والتي تأتي خلافا لتأكيداتك التي يبدو أنها للأسف تردد المعلومات الإثيوبية المغلوطة، فلم تكن الولاياتالمتحدة تقدم عطاءات ل مصر ولم تكن تسعى لفرض "معاهدة استعمارية جديدة" على إثيوبيا ، ولن تسعى مصر على الإطلاق إلى الإضرار بحق إثيوبيا في التنمية". وأضاف أن "الحل الذي يربح فيه الجميع من المأزق الحالي بشأن سد النهضة متاح من خلال الاتفاقية المقترحة التي تراعي مصالح البلدان الثلاثة بشكل منصف وعادل، لكن العنصر الوحيد الغائب هو عدم امتلاك إثيوبيا إرادة سياسية لتوقيع اتفاقية تمكنها من توليد الطاقة الكهرومائية مع حماية دول المصب من الآثار الضارة"، مشيرًا إلى أن التوصل لاتفاق بشأن السد سيكون نقطة تحول في تاريخ حوض النيل، وسيعزز أواصر القرابة التي لا تنكسر بين الإخوة الأفارقة في جميع أنحاء المنطقة وسيفتح فرصًا لا حدود لها للتعاون بين شعوبنا". لقراءة الخطاب باللغة الإنجليزية اضغط هنا.