لو كنت أعلم خاتمتى، لكنت بدأت وكررت سفرى وبدون ندم، فإن رؤية الحقيقة والتواجد معها ومواجهتها غير السماع عنها، هذا ما حدث لى منذ شهرين فى الأقصر الحبيبة أعز البلاد «طيبة»، طيبة القلب والإحساس والسلوك، هذا السر الكامن فى «ماعت» أسطورة العدالة والالتزام «والواع واعو»، أى الواحد الأحد.. جوهر الديانة المصرية القديمة مع إبداع «بتاح» أسطورة الإبداع الذى أخذته ماما أمريكا على سبيل «اللطش» أو الاقتباس، ليصبح رمزا ل جائزة أوسكار !! فامتصت من مصر رائحة الإبداع، لتضىء حاضرها بلا تاريخ على حساب تاريخ المصريين. فى وسط هذا الخضم من الأحاسيس التى نزعتنى من سطحية الواقع، فجأة اصطدمت باثنين، نقول ثلاثة من «البودى جاردات»، الكبار فى الهيئة والطلة والمقاسات يمنعوننى من الخروج من الفندق الفخيم ومعى صديقاتى ومن ورائنا أمم من السياح، هكذا فجأة وبدون سابق إنذار أو تمهيد... ومن هنا بدأت حكايتى. لا أدرى لماذا تذكرت عبد المنعم مدبولى فى مسرحية «هاللو شلبى»، ومشهد منعه من الخروج بأمر المنتج، وإذا لم ينصع ينضرب علقة ويقع فى غيبوبة، وقد اخترت دور البنت المؤدبة وانصعت، حتى لا ألقى مصير عبدالمنعم مدبولى، وبما أن للسياحة والسواح حقا علينا، وبما أن الأقصر بلدنا بلد سواح فيها الأجانب تتفسح، فكان من حقهم على أن يجدوا تفسيرا لما يحدث، ولمنعهم من الخروج، سألت وبمنتهى الذوق والهدوء، قيل لى إن «وزيرة الصحة» هنا ومعها فرق للاطمئنان على صحة أهل الأقصر، نتيجة لما تردد عن السائح الألمانى الذى توفى بعد أن تسبب فى عدوى طاقم المركب دون أن يمرضوا، ما شاء الله!!! لا أدرى لماذا شعرت أننى ومن معى قد حبسنا ظلما ووجهت إلينا أصابع الاتهام، على جرم لم نرتكبه لمجرد أننا تواجدنا فى موقع الجريمة!! أخذت أبرطم مع نفسى ثم ازدادت البرطمة وقلت: ما كان من الأول؟ اكشفوا على السواح الأجانب أو العرب، قبل أن يدخلوا مصر إن شاء الله آمنين! ردوا علىّ واتهمونى إننى لا أفقه فى الطب شيئا! وإن هذا التحليل مكلف جداً!! جلست ساعات الحظر وأنا أشعر بالحسرة والغضب، وأدعو الله أن يفك أسرنا وينجى مصرنا ويجعل كلامنا خفيفا على التحاليل والكشف، وهباااه مثلما جاء الحظر بدون أمارات، اتفك الحظر بنفس الطريقة! وانطلقنا فى الشوارع بعد أن تأكدنا أن الأقصر خالية من الوباء بعد التحاليل العشوائية التى أجريت فى جميع فنادقها!! وعدت للقاهرة وفى قلبى غصة اكتشفت سببها، فبعد أيام أغلقت فى وجهك أبواب الحياة مثل لعبة الدومينو، أصبحت وأصبح العالم كله «ممنوعا»، ممنوعا من الطيران، ممنوعا من الحركة، وظهر شعار خليك فى البيت إلى أجل غير مسمى، ولأول مرة أشعر بإحساس المسجون والتهمة برىء. ما رأيته فى الأقصر وعند عودتى بالقطار بديلا عن الطائرة، التى ارتفع وغلى ثمنها، وعزيز قوم ذل، قلتها لنفسى ضاحكة، يؤكد لى أن المواطن المصرى فى الغيط والشارع والمصنع والمواصلات وأصحاب الحنطور وركاب العربات، كلهم فى واد و وباء الكورونا فى واد تان خالص. وأن كل شىء غير ملموس وغير مرئى بالنسبة له غير معترف به. وأن على المتضرر أن يرتدى الكمامة، وبما أننى من فئة المتضررين سنيا وصحيا، ستظل الكمامة على فمى وأنفى جوازا للمرور إلى الحياة والسفر. ما أن تعود حياة السفر.. هذا إن كان للعمر بقية.. إن شاء الله. نقلا عن صحيفة الأهرام