تنطلق خلال ساعات قليلة، فعاليات معرض الصين الدولي للاستيراد، المقرر أن يعقد خلال الفترة من 5 حتى 10 نوفمبر الجاري بمدينة شانغهاي، بمشاركة 150 دولة ومنطقة ومنظمة دولية، وأكثر من 3000 شركة تتقدمها الشركات المصرية، بما في ذلك أكثر من 250 شركة مدرجة على قائمة أفضل 500 شركة في العالم، على مساحة عرض تبلغ 360 ألف متر مربع، مع توقعات باستقبال قرابة مليون من المشترين الصينيين والأجانب القادمين لاستكشاف صفقات الأعمال. وكانت مصر ضيف الشرف في الدورة الأولى للمعرض التي عقدت العام الماضي، وشهدت حضور رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي على رأس وفد حكومي كبير تضمن رجال أعمال، وهي الدورة التي حققت في مجملها إنجازات بارزة، حيث شهدت مشاركة كبيرة من الشركات الأجنبية وحضور أكثر من 800 ألف زائر، وحققت صفقات تراكمية قدرت ب 57.83 مليار دولار أمريكي، ما جعل المعرض لأول مرة، يتحول إلى واحد من أكبر عشرة معارض تجارية في العالم وابتكار مهم في صناعة المعارض الدولية. مقومات شانغهاي وبحسب خبراء، فإن بلدية شانغهاي الواقعة شرقي الصين، تمتلك جميع مقومات استضافة ومواصلة زخم هذا الحدث الكبير، وبشكل خاص بعد نجاح نسخته الأولى العام الماضي، وتبرز من ضمن هذه المقومات ثلاثة أسباب رئيسية تجعل من شانغهاي "الأمثل" لاستضافة أعمال المعرض، تتمثّل في البنية التحتية والخدمات اللوجستية، وموقعها كمركز مالي دولي، وطبيعتها العالمية. بنية تحتية وخدمات لوجستية وتتمتع شانغهاي أحد أكبر البلديات المركزية الأربع في الصين بواحدة من أفضل البنى التحتية في العالم، وهو ما مكّنها من لعب دور محوري في جذب الاستثمارات الأجنبية، خصوصا أن هذه البنية مربوطة بشبكة مواصلات عملاقة وخطوط لوجستية تجعلها قادرة على احتضان أنشطة اقتصادية أكثر عددا وأكبر حجما. وبفضل البنية التحتية القوية هذه استفادت شانغهاي على الوجه الأمثل من موقعها الجغرافي الفريد المطل على ساحل شرق الصين، لتصبح مرفأ تجاريا هاما وأحد أكبر أقطاب الصناعة في البلاد، حيث يمنحها موقعها على نهر اليانجتسي، أطول أنهار آسيا، ترابطا سلسا بمعظم مناطق الصين، كما أن تواجدها على الساحل الشرقي لآسيا، يعطيها الأفضلية كنقطة اتصال باليابان وكوريا الجنوبية ودول جنوب شرق آسيا والمحيط الهادئ، والساحل الغربي للولايات المتحدة ودول أمريكاالجنوبية واللاتينية. وكانت بلدية شانغهاي قد كثّفت العمل في مشروعات البنية الأساسية، بما في ذلك خطوط السكك الحديدية السريعة والنقل الجوي والبحري وشبكة الكهرباء والاتصالات والمعلومات، وإدخال تحسينات وخدمات جديدة عليها تتناسب مع القوة اللوجستية الآخذة في الازدياد بسبب تطوير منطقتها للتجارة الحرة، وتؤمن الحكومة أن تنوّع وانتشار مشاريع البنية التحتية يساعد المستثمرين على اكتشاف الفرص وتحفّزهم على توسيع أعمالهم ما يدعم النمو وينوّع موارد الاقتصاد. فعلى سبيل المثال، يعد مطار شانغهاي بودنج الدولي، محورا رئيسيا للنقل والشحن الجوييْن في العالم، بحجم شحن يقارب 4 ملايين طن متري في عام 2018، وما مجموعه 75.02 مليون راكب عبر المطار في العام نفسه ما يجعله بين المطارات الأكثر ازدحاما في العالم، وقد حسّنت خدماته بربطه بقطار "ماجليف – شانغهاي"، ما يوفّر النقل إلى وسط البلدية في 7 دقائق و20 ثانية. كما تمتلك شانغهاي بنية تحتية قوية تتضمّن نظام نقل متقدم يتضمن عدّة طرق سريعة وشبكة نقل عملاقة، من مترو أنفاق وسكك حديدية وعبّارات وحافلات عامة، إلى جانب موانٍ بحرية رئيسية ومطارين دوليين رئيسييْن، وقاعدة اتصالات حديثة تُمكّن الشركات الكبرى من الاعتماد عليها، وخدمات صحية متكاملة وعالية المستوى من مستشفيات ومختبرات طبية. ونظرًا أن النقل البحري لا يزال يكتسب أهمية تجارية كبيرة، كونه ما يزال يستحوذ على 80% من نقل البضائع حول العالم، رفعت شانغهاي قدرات الموانئ والأرصفة من خلال إدارة تضم مراكز بحثية ومعاهد تدريبية من أجل تحقيق نمو مطّرد، ليصبح ميناء شانغهاي الذي يربط بين 26 ميناء محليا أفضلَ الموانئ المتصلة في العالم بحسب قائمة منظمة الأممالمتحدة للتجارة والتنمية "أونكتاد" لعام 2019. وفي أغسطس الماضي افتتحت منطقة لينقانج الفرعية الجديدة التابعة لمنطقة شانغهاي التجريبية للتجارة الحرة، في توجّه لمواصلة انفتاح السوق الصينية وتسهيل حركة التجارة، حيث أطلقت منطقة لينقانج 11 سياسة جديدة تهدف إلى توفير بيئة أفضل للمواهب الأجنبية في صناعات التكنولوجيا الفائقة الابتكارية. مركز مالي دولي على عكس الدول الأخرى، تدير الصين العديد من المراكز المالية (بكين شانغهاي شنتشن هونج كونج)، فيما تعتبر شانغهاي أكبر مركز مالي في البر الرئيسي الصيني، ويعكس التواجد الواضح للمؤسسات المالية الأجنبية في شانغهاي حجمَ الأهمية المتزايدة للبلدية كمركز مالي دولي، حيث أظهرت بيانات حديثة لمكتب شانغهاي للخدمات المالية، أن هناك 1605 مؤسسات مالية مرخصة مسجلة في شانغهاي بنهاية العام الماضي، أي أكثر من ضعف العدد منذ عقد مضى، من بين هذه المؤسسات 501 من مقدمي الخدمات المالية من دول ومناطق أجنبية، وبنهاية مارس الماضي، كان هناك 21 بنكا شخصيا أجنبيا مسجلا في شانغهاي، أي أكثر من نصف الإجمالي في عموم البلاد. إضافة إلى تأسيس 227 مؤسسة مالية أجنبية مقرات عالمية وإقليمية في شانغهاي، بزيادة أكثر من أربعة أضعاف منذ عام 2001. ويعد إطلاق سوق الأسهم الجديدة في شانغهاي "ستار ماركت" التي تركّز على العلوم والتكنولوجيا ببورصة شانغهاي في يونيو الماضي، أحدث إنجازات البلدية لتعزيز دورها الريادي في الانفتاح الصيني وخطوة جديدة لدفع تحوّلها إلى مركز مالي دولي، حيث تمثّل تحوّل الصين التدريجي من نظام الاكتتاب العام القائم على "الموافقة" إلى "التسجيل"، وهو أحد القرارات الثلاثة التي أبرزها الرئيس شي جين بينج في خطابه الرئيسي في حفل افتتاح النسخة الأولى لمعرض الصين الدولي للاستيراد في شانغهاي نوفمبر العام الماضي. ووفقا لتقديرات بنك "جي بي مورجان" الرائد في مجال إدارة الأصول والأدوات المالية المشتقّة والأوراق المالية، فإنه من المرجح أن يزيد حجم سوق الأسهم الصيني بمقدار ثلاثة أضعاف حجم الناتج المحلي الإجمالي في الأعوام ال15 القادمة، إذا حافظت الصين على سرعة الانفتاح المتواصل، وبحلول ذلك الوقت، قد يصل حجم سوق رأس المال في شانغهاي إلى 100 تريليون دولار، وهو ما سيكون غير مسبوق في جميع أنحاء العالم. ويرى خبراء أجانب أن صناعة الخدمات المالية في بلدية شانغهاي، تطورت بسرعة ملحوظة على مدار السنوات الخمس الماضية، باحتضان أحدث التقنيات وتشييد البنية التحتية المطلوبة، الأمر الذي شجّع المزيد من المؤسسات المالية الأجنبية على التفكير في فتح فروع لها، مشيرين إلى أن "تدويل الرنمينبي" أمر ضروري عندما يتعلق الأمر بهدف شانغهاي المتمثّل في أن تصبح مركزا ماليا عالميا. الطبيعة الدولية وبحسب تصنيف وترتيب المدن العالمية من قبل الشبكة البحثية للعولمة والمدن العالمية (GaWC) ومقرها المملكة المتحدة لعام 2018، جاءت شانغهاي في تصنيف "ألفا +" مع كل من بلدية بكين ومنطقة هونج كونج الصينيتين، وفرنسا وسنغافورة وسيدني ودبي وطوكيو، ويتناول التصنيف أبعاد تطور تلك المدن ومدى ترابطها واندماجها في شبكة المدن العالمية، وهذا يشمل مدى انفتاحها واندماجها وكونها مركزا لمنظمات الأعمال الدولية والخدمات المالية والمصرفية والقانونية والدعائية والاستشارية، وتشابك هذه الخدمات في شبكة المدن العالمية. وتتميّز شانغهاي على المستوى الاقتصادي باحتضانها مقرات العديد من الشركات متعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية والمجموعات المصرفية ومكاتب المحاماة والشركات القابضة والبورصة التي لها تأثير على الاقتصاد العالمي، إضافة إلى قوة إجمالي الناتج المحلي. وفي الوقت الحالي، استقر في شانغهاي ما مجموعه 634 مقرا اقليميا للشركات المتعددة الجنسيات، كما نما الناتج المحلي الإجمالي لشانغهاي بنسبة 6.6% خلال 2018 ليصل إلى 3.27 تريليون يوان (480 مليار دولار)، مواكبا بذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي للصين البالغ أيضا 6.6%.. وبالنسبة للخصائص السياسية فتتمتع شانغهاي بمشاركة وتأثير كبيرين في المناسبات الدولية والشؤون العالمية، إضافة لتعداد السكان الكبير والتنوّع الديموجرافي من وسائل نقل ومستوى تحضّر ومعايير جودة معيشة وتواجد المغتربين والجاليات الأجنبية. وكانت السياسات الجديدة التي تبنتها الحكومة المحلية، قد وفّرت دعما أكبر لجذب المواهب الأجنبية رفيعة المستوى في مجال العلوم والتكنولوجيا والبحوث والابتكارات العلمية، لتصبح البلدية الواقعة على ساحل بحر الصين الشرقي في الصدارة على المستوى المحلي، من حيث عدد ونوعية الخبراء الأجانب، حيث وصل عدد الأجانب العاملين في شانغهاي في الوقت الحالي إلى 215 ألف شخص، ما يمثل 23.7% من إجمالي عدد الأجانب العاملين بالبلاد. وعلى المستوى الثقافي تتميّز البلدية بشهرة عالمية، وتنوّع المؤسسات الثقافية من متاحف وأوبرا وأوركسترا واستوديوهات الإنتاج السينمائي ومسارح، إلى جانب المرافق الرياضية الكبرى والقدرة على استضافة أحداث رياضية دولية، وكذلك المؤسسات التعليمية من جامعات ومراكز بحوث. ولا تركز استراتيجية التنمية الأحدث للبلدية التي تمتد حتى عام 2040، على النمو الاقتصادي فحسب، بل ستوجّه كذلك للابتكار والحفاظ على الارتقاء، حيث تعتزم شانغهاي الانضمام إلى نادي "المدن العالمية" بحلول هذا العام، بأن تصبح مركزا دوليا للابتكارالاقتصادي والمالي والتجاري والعلمي، فضلا عن كونها عاصمة ثقافية، من خلال تنفيذ أفضل الممارسات التي تغطي جميع جوانب الحياة الحضرية من السكان إلى البيئة والنقل والخدمات العامة، مع الاستفادة من الدروس المستخلصة من أفضل مدن العالم.