لم يعد حديث الأزمة خافتا أو مترددا، كما لم يعد مقتصرا على صعود شخص للحكم هنا أو هناك. أصبحت أزمة الديمقراطية التمثيلية واضحة فى معاقلها قبل منافسيها من النماذج. فمع الصعود الطاغى للتيارات اليمينية والشعبوية، وتنامى عدم الثقة فى النخب والمؤسسات التمثيلية، والجنوح إلى حركات الاحتجاج المباشر، و"سياسات الشارع"، وموجة الارتداد والتشكك فى الديمقراطية فى الدول النامية، لم يعد بوسع الجميع تجاهل الظاهرة. فمن داخل النموذج الغربى الذى اعتبرته بعض الدوائر الأكاديمية نهاية التاريخ، تعددت مظاهر الأزمة وأسبابها، كما بدت ملامح جنينية لمخاض جديد، أو محاولات للتصحيح. ويتناول هذا العدد من مجلة الديمقراطية الصادرة عن مؤسسة الأهرام، أزمة الديمقراطية التمثيلية، من خلال مجموعة من المقالات التى تؤطر للظاهرة من زواياها النظرية، وتجلياتها العملية، وترصد بعض محاولات "المقاومة"، أو التصحيح الذاتى من داخل النماذج الديمقراطية الغربية. إذ تتناول المقالات بالتحليل مصادر الأزمة، التى تراكمت عبر السنوات الماضية، وتعمقت مع الأزمة المالية العالمية. وقد بدت ملامح الأزمة فى شيوع حالة من اغتراب الجماهير عن نخبها، وميلها إلى التعبير المباشر عن مشكلاتها، وهو ما تجلى فى شعارات حركة احتلوا "نحن ال 99 %"، وشعار "أنتم لا تمثلوننا"، والذى انطلق فى العديد من المدن الأوروبية عام 2011، وصولا لشعارات حركة السترات الصفراء فى فرنسا، والتى لا تزال أصداؤها تتفاعل. وتشمل مظاهر الأزمة، إلى جانب حركات الاحتجاج، التى لا تثق فى القنوات التمثيلية الاعتيادية للتعبير عن مطالبها ومصالحها، صعود نماذج شعبوية من اليمين المتطرف، تتبنى خطابا وأيديولوجيا تناقض المثال الديمقراطى، من خلال عدائها للمهاجرين والأجانب، وللآخر بوجه عام. ولم يقتصر الأمر فى هذا الصدد على بعض دول شرق ووسط أوروبا، التى تحولت بعد فترة من الاعتناق الجماعى لليبرالية السياسية والاقتصادية، فى ظل الاندماج المعولم، إلى مرحلة من التشكك فى الديمقراطية الليبرالية، وإنما امتدت مظاهر صعود التيارات اليمينية والشعبوية إلى العديد من البلدان التى تعد معاقل تقليدية للديمقراطية، ونموذجا لها. ومثلما يرصد الملف ملامح الأزمة وأسبابها، فإنه يرصد كذلك أفكار، وتجارب، وسبل الخروج منها، سواء تلك المطروحة على موائد البحث فى مراكز الفكر العالمية، أو التى قيد الممارسة والتجريب فى بعض النماذج والدول، والتى لم تتحول بعد إلى تيار رئيس فى الممارسة الديمقراطية، أو تلك قيد المطالبة من قبل حركات الاحتجاج، والتى تنادى بتوسيع هامش الممارسة الديمقراطية المباشرة، والاحتكام للشعب فى القرارات المصيرية، من خلال آليات مثل الاستفتاء ، أو توقيع مطالب بقرارات أو قوانين من قبل عدد "معتبر" من المواطنين. وتسعى هذه المحاولات/ الأفكار جميعا إلى تجذير الديمقراطية، ومأسسة درجة أكبر من المشاركة الشعبية، بحيث تعود السيادة الشعبية إلى صلب الممارسة الديمقراطية، خروجا من الأزمة الراهنة للديمقراطية التمثيلية. على صعيد آخر، يتضمن قسم قضايا مصرية ملفا حول التطورات الاجتماعية فى مصر، من خلال مجموعة من المقالات التى تسعى لبحث ظواهر اجتماعية / سياسية فى الحياة العامة للمصريين، ارتباطا بالتطورات الاقتصادية. فتقدم المقالات رؤى متنوعة حول الخريطة المجتمعية المصرية، وما طرأ عليها من مستجدات، وانعكاس ذلك فى ظواهر عمرانية، مثل انتشار المجتمعات المسيجة، أو التمدين العشوائى للريف، وظواهر فنية، مثل صعود موسيقى المهرجانات، وترفيهية، مثل الانتقال من ثقافة المقهى إلى الكوفى شوب، وظواهر رياضية ترتبط بالعلاقة بين مجالس إدارة الأندية وجماهيرها. كما يتضمن العدد أيضا دراسة بالغة الجدة والجدية حول الجغرافيا النسوية، وهى دراسة استطلاعية تعيد قراءة مجال الجغرافيا بالمعنى الأشمل، بما تعنيه من دراسة للأماكن ومعانيها، وما تعبر عنه من علاقات للقوة، والعادات والتقاليد المشكِّلة للمكان وطابعه، بناء على علاقات النوع فيه، وما يواجهه هذا النوع من الدراسات الجندرية، فى مجال لا يزال يشق طريقه، من تحديات. .