انتهت الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة، برئاسة المستشار بخيت إسماعيل، النائب الأول لرئيس مجلس، إلى أحقية محافظة قنا فى مطالبة الشركة المصرية للاتصالات بمقابل انتفاع عن مساحة الأرض المشار إليها اعتبارًا من 27/3/1998 وهو تاريخ تحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية. كانت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع قد تلقت طلبا بشأن الرأي القانوني في مدى أحقية محافظة قنا فى مطالبة الشركة المصرية للاتصالات بأداء قيمة مساحة الأرض التى سبق تخصيصها للهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجان، فضلًا عن مقابل الانتفاع بهذه الأرض اعتبارًا من تاريخ تخصيصها حتى تاريخ أداء قيمتها. قالت الفتوى إنه يتبين من الأوراق أن محافظة قنا أصدرت قرارها رقم (244) لسنة 1993 بتخصيص قطعة أرض مساحتها (1375) م2 بالمجان للهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية بغرض إقامة سنترال بمدينة قنا، وبتاريخ 26/3/1998 صدر القانون رقم (19) لسنة 1998 بتحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية تسمى "الشركة المصرية للاتصالات" اعتبارًا من تاريخ العمل بهذا القانون، وعلى أثر ذلك طالبت محافظة قنا "الشركة المصرية للاتصالات" بأداء قيمة مساحة الأرض التى سبق تخصيصها للهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية بالمجان فضلًا عن مقابل الانتفاع بهذه الأرض اعتبارًا من تاريخ تخصيصها حتى تاريخ أداء قيمتها. وفى ضوء إفتاء الجمعية العمومية فى الملف رقم (7/1/125) بجلسة 24/11/2004 الذى انتهى إلى أن تخصيص أموال الدولة لا يكون إلا لأشخاص القانون العام، وعلى ذلك لا يجوز للشركة المصرية للاتصالات أن تضع يدها على الأملاك الخاصة للدولة إلا وفقًا لأحكام القانون رقم (29) لسنة 1958 بشأن قواعد التصرف فى العقارات المملوكة للدولة إذا ما توافرت شروطه، وما انتهى إليه إفتاء الجمعية بعد ذلك فى الملف رقم (47/1/263) بجلسة 1/1/2014 من أنه ولئن كان الأصل العام أن تتولى الدولة إدارة المرفق العام بطريق مباشر فإنها أحيانا تعهد بذلك إلى فرد أو شركة أو هيئة عامة دون أن يغير ذلك من طبيعة المرفق وطبيعة أمواله، ولما كان مرفق الاتصالات يرتبط بالحاجات الأساسية للمواطن ويصدق عليه وصف المرفق العام، لذا أثير التساؤل المطروح، وإزاء ذلك طلبتم عرض الموضوع على الجمعية العمومية. وأضافت أن الموضوع عُرض على الجمعية العمومية لقسمى الفتوى والتشريع بجلستها المعقودة في 23 يناير من العام الجاري، فتبين لها أن المادة (87) من القانون المدنى تنص على أن: "1- تعتبر أموالًا عامة، العقارات والمنقولات التى للدولة أو للأشخاص الاعتبارية العامة، والتى تكون مخصصة لمنفعة عامة بالفعل أو بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص، 2- وهذه الأموال لا يجوز التصرف فيها أو الحجز عليها أو تملكها بالتقادم"، وأن المادة (88) منه تنص على أن: "تفقد الأموال العامة صفتها العامة بانتهاء تخصيصها للمنفعة العامة. وينتهى التخصيص بمقتضى قانون أو مرسوم أو قرار من الوزير المختص أو بالفعل، أو بانتهاء الغرض الذى من أجله خصصت تلك الأموال للمنفعة العامة". كما تبين لها أن المادة (2) من قانون نظام الإدارة المحلية الصادر بالقانون رقم (43) لسنة 1979 تنص على أن: "تتولى وحدات الإدارة المحلية فى حدود السياسة العامة والخطة العامة للدولة إنشاء وإدارة جميع المرافق العامة الواقعة فى دائرتها. كما تتولى هذه الوحدات كل فى نطاق اختصاصها جميع الاختصاصات التى تتولاها الوزارات بمقتضى القوانين واللوائح المعمول بها، وذلك فيما عدا المرافق القومية أو ذات الطبيعة الخاصة التى يصدر بها قرار من رئيس الجمهورية، وتحدد اللائحة التنفيذية المرافق التى تتولى المحافظات إنشاءها وإدارتها والمرافق التى تتولى إنشاءها وإدارتها الوحدات الأخرى للإدارة المحلية. كما تبين اللائحة ما تباشره كل من المحافظات وباقى الوحدات من الاختصاصات المنصوص عليها فى هذه المادة. وتباشر المحافظات جميع الاختصاصات المتعلقة بالمرافق العامة التى لا تختص بها الوحدات المحلية الأخرى". وأن المادة (7) من اللائحة التنفيذية لقانون نظام الإدارة المحلية الصادرة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم (707) لسنة 1979 تنص على أن: "...وتباشر الوحدات المحلية كل في دائرة اختصاصها الأمور الآتية:... – المحافظة وفقًا لأحكام القانون على أملاك الدولة العامة والخاصة وإدارتها وتنظيم استغلالها والتصرف فيها ومنع التعديات عليها...". وأن المادة (1) من قانون تحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية تسمى الشركة المصرية للاتصالات، الصادر بالقانون رقم (19) لسنة 1998، تنص على أن: "تحول الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية تسمى "الشركة المصرية للاتصالات"، وذلك اعتبارا من تاريخ العمل بهذا القانون، وتؤول إلى الشركة الجديدة جميع الحقوق العينية والشخصية للهيئة السابقة، كما تتحمل بجميع التزاماتها". وتنص المادة (2) منه على أن: "تكون للشركة الشخصية الاعتبارية، وتعتبر من أشخاص القانون الخاص..."، كما تنص المادة (5) منه على أن: "يحدد رأسمال الشركة بصافى قيمة أصول الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية فى اليوم السابق على تاريخ العمل بهذا القانون، وذلك بعد التحقق من صحة تقدير صافى القيمة طبقًا للأحكام المنصوص عليها فى المادة (25) من قانون شركات المساهمة وشركات التوصية بالأسهم والشركات ذات المسئولية المحدودة"، وتنص المادة (15) منه على أن: "ينشر هذا القانون فى الجريدة الرسمية، ويعمل به من اليوم التالى لتاريخ نشره". وقد صدر هذا القانون فى 26/3/1998م. وأضافت أن المادة (3) من قانون تنظيم الاتصالات الصادر بالقانون رقم (10) لسنة 2003 تنص على أن: "تنشأ هيئة قومية لإدارة مرفق الاتصالات تسمى "الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات"، ويكون للجهاز الشخصية الاعتبارية العامة ويتبع الوزير المختص ويكون مقره الرئيسى محافظة القاهرة أو الجيزة، وله إنشاء فروع أخرى بجميع أنحاء جمهورية مصر العربية". واستظهرت الجمعية العمومية مما تقدم - وحسبما جرى به إفتاؤها - أن القانون المدنى تعرض فى المادتين (87) و(88) لأحوال تخصيص المال للنفع العام وانتهاء هذا التخصيص وفقده صفته كمالٍ عام، وقضى بأن يكون التخصيص، أو الإنهاء، بقانون، أو مرسوم، أو قرار من الوزير المختص، أو بالفعل، وحظر التصرف فى المال العام، فلا يجوز بيعه، ولا رهنه، ولا تقرير حق ذاتى خاص عليه، ولا امتلاكه بوضع اليد المدة الطويلة، أو تقرير حق عينى عليه، وحظر البيع معناه عدم جواز التصرف فى مفردات الأملاك العامة إلا إذا تقرر تحويلها إلى ملك خاص ورفع الصفة العامة عنها، أى اعتبرها خارجة عن نطاق التعامل والتملك، ولما كان المال العام خارجًا عن إطار التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام، فإن ملكية الدولة له لا تكون بذات السلطات التى تملكها الدولة أو الأفراد بالنسبة إلى ما يملكونه ملكية خاصة. وعلى ذلك فيد الدولة عليه أقرب إلى يد الأمانة والرعاية منها إلى يد التصرف والاستغلال، فالحق عليه يقترب من الإشراف والرقابة والحراسة له، ويبتعد عن حق الملكية المدنية المشتملة على الانتفاع والاستثمار والاستغلال والتصرف، وهذه المزايا الثلاث التى يتمتع بها المالك فى ملكه لا تتمتع بها الحكومة بالنسبة إلى الأموال العامة، لأن الانتفاع بتلك الأموال من حق الجمهور ومعظم الأملاك العامة لا تعطى ثمرًا، وقد غل القانون أيدى الحكومة فى التصرف فى الأملاك العامة بالبيع أو نحوه. كما استظهرت الجمعية العمومية – وحسبما جرى به إفتاؤها - أن الأصل في ملكية الدولة أنها ملكية عامة تبتغيى منها إدارة المرافق العامة التي تضطلع بأعبائها، وأن الانتفاع بالمال العام يكون بدون مقابل؛ لأنه لا يخرج عن كونه استعمالًا للمال العام فيما أعد له، ويكون نقل الانتفاع به بين أشخاص القانون العام بنقل الإشراف الإداري على هذه الأموال بدون مقابل، ولا يعد ذلك من قبيل النزول عن أموال الدولة أو التصرف فيها، واستثناء من هذا الأصل يكون للجهة العامة أن تقرر أن يكون الانتفاع بالمال العام في الغرض الذي أعد له بمقابل، شريطة أن يكون أداء هذا المقابل رهينًا بموافقة الجهة المستفيدة، ولا يعد هذا الاتفاق تأجيرًا بل عقد انتفاع بمال عام تطبق عليه القواعد العامة في العقود من ضرورة الالتزام بها، وتنفيذها بما يقتضيه حسن النية، وعدم جواز تعديلها إلا بإرادة الطرفين، وأنه ولئن كان الأصل أن تتولى الدولة إدارة المرافق العامة بطريق مباشر، فإنها أحيانًا تعهد بإدارتها واستغلالها إلى فرد، أو شركة أو هيئة، تنيبه عنها، دون أن يغير ذلك من طبيعة المرافق القائمة على المنفعة العامة، ولا من طبيعة أموالها وكونها أموالًا عامة، فلا يعدو إسناد الإدارة إلى غير الدولة فى هذه الحال سوى طريق من طرق الإدارة دون المساس بأصل وجوهر المرفق العام وطبيعة أمواله، فمن يدِرْ المرفق العام ينُبْ عن الدولة فى ذلك بهدف تحقيق النفع العام، وهو الهدف ذاته الذى تسعى إليه الدولة عندما تدير المرافق العامة بذاتها، فمفهوم المرفق العام يتحدد أصلًا بالنظر إلى طبيعة الأعمال التي يتولاها، سواء أكان الانتفاع بها حقًّا للمواطنين في مجموعهم أم كان مقصورًا على بعضهم، وسواء أتمت إدارته مباشرة من قبل الدولة أم بوساطة غيرها. وإذ ناط المشرع بوحدات الإدارة المحلية كل في دائرة اختصاصها المحافظة على أملاك الدولة الخاصة والعامة، وإدارتها، وتنظيم استغلالها، وحمايتها من التعديات، فمن ثم يكون من حق هذه الوحدات بل من واجبها تقرير مقابل عادل نظير استغلال أشخاص القانون الخاص المرافق العامة التى عهدت إليها الدولة بإدارتها، بحسبان أن الانتفاع بالمال العام لا يكون بدون مقابل إلا بين أشخاص القانون العام. ولاحظت الجمعية العمومية مما تقدم، أن مفردات المال العام قد تكون مخصصة لمصلحة عمومية لا ينتفع بها الجمهور بطريقة مباشرة، وقد تكون مخصصة لاستعمال الجمهور مباشرة، فللأفراد أن يستعملوها فى أى وقت، ولكن بجانب هذا الاستعمال العام، للإدارة أن تسمح لبعض أشخاص القانون الخاص باستغلال أجزاء معينة من الدومين العام، ويشترط لهذا الاستعمال الخاص الحصول على رخصة مقدمًا، كما يشترط للترخيص به ألا يكون معطلًا لانتفاع المجموع بالأموال العامة فيما أعدت له أصلًا، وألا يكون فى ذلك خطر أو ضرر على المال العام وحفظه. وهؤلاء المصرح لهم من جهة الإدارة باستعمال المال العام ليس لهم حق عينى على المال العام؛ إذ إن استعمالهم فى الواقع مؤقت، وهو مبنى على فكرة التسامح من الإدارة، ومنح الترخيص أو رفضه أساسه المصلحة العامة، بعد تحصيل مقابل انتفاع من المرخص له. بل إن هذا الاستخدام الخاص للمال العام لا يكفى لتحقق شرعيته وللترخيص به ألا يتعارض مع وجوه النفع العام، وألا يعطل الاستخدام العام لهذا المال، بل إنه يلزم لشرعية إجازته والترخيص به أن يتحقق به وجه انتفاع عام، بأن يؤدى الترخيص إلى تعزيز وجوه النفع العام المخصص المال العام من أجلها أصلًا، وإتاحة وجوه من الخدمات المكملة والمحسنة للمنفعة العامة. وهداية بما تقدم، ولما كان الثابت من الأوراق أن محافظ قنا أصدر قراره رقم (244) لسنة 1993 بتخصيص مساحة (1375)م2 الواقعة بشارع مصطفى كامل بمدينة قنا، ملك الوحدة المحلية للمدينة، بالمجان، لإنشاء مبنى السنترال الإلكتروني الجديد لمدينة قنا عليها، وبتاريخ 26/3/1998 صدر القانون رقم (19) لسنة 1998 بتحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية، وبناء على ذلك أضحت الشركة المصرية للاتصالات تتولى إدارة مرفق الاتصالات، ولما كان البين من طبيعة هذا المرفق أنه يندرج بين المرافق العامة، حيث إنه يرتبط بالحاجات الأساسية للمواطنين التى يجب على الدولة توفيرها بانتظام واطراد تحت إشرافها من خلال نظام قانونى معين بهدف أداء الخدمة العامة، لذا منح المشرع الشركة المصرية الشخصية الاعتبارية، ولما كان مرفق الاتصالات، والحال هكذا، من المرافق العامة المملوكة للدولة، والشركة المصرية للاتصالات مشغل هذا المرفق فقط ولا تملكه، فمن ثم فإن أموال هذا المرفق من أراضٍ وعقارات تكون من الأموال العامة المخصصة للمنفعة العامة، حتى لو كانت الشركة التى تديره أموالها من الأموال الخاصة بحكم القانون، ولما كان المال العام خارجًا عن إطار التعامل بموجب تخصيصه للنفع العام، حيث غلّ المشرع أيدى الحكومة عن التصرف فى الأملاك العامة بالبيع، أو نحوه، فمن ثم لا يحق لمحافظة قنا التصرف فى المساحة المشار إليها التى سبق تخصيصها للهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية لإنشاء مبنى السنترال الإلكترونى الجديد لمدينة قنا عليها، ومطالبة الشركة المصرية للاتصالات بأداء ثمن هذه الأرض؛ لكون هذه المساحة مازالت مرصودة للمنفعة العامة، وتدخل ضمن أملاك الدولة العامة التى حظر المشرع التصرف فيها، ويقتصر حق المحافظة، بحسبانها المنوط بها استغلال المال العام الواقع فى حدود دائرتها، على استئداء مقابل عن الانتفاع بهذه المساحة اعتبارًا من تاريخ تحويل الهيئة القومية للاتصالات السلكية واللاسلكية إلى شركة مساهمة مصرية، بحسبان أنه ولئن كان الأصل هو أن يكون الانتفاع بالمال العام فيما أُعد له بدون مقابل، فإن ذلك يقتصر على أن يكون بين أشخاص القانون العام فقط، لكون معظم الأملاك العامة لا تعطى ثمرًا، ولوحدة الذمة المالية للدولة، إلا أنه متى أسندت الدولة ورخصت لشخص من أشخاص القانون الخاص إدارة أحد المرافق العامة، فإن الانتفاع بالمال العام بدون مقابل لا يجد سندًا يبرره لا سيما أن إدارة المرفقلا تكون لحساب الدولة، وإنما تكون لحساب هذا الشخص، سعيًا إلى تحقيق الربح، وأن الأرباح تئول إلى مجموع المساهمين كل حسب حصته، ولا تئول إلى الخزانة العامة سوى حصتها فى الأرباح بقدر حصتها فى المساهمة بأموالها الخاصة فى رأس مال هذا الشخص الذى يدير هذا المرفق، والتى لا يدخل فيها ما عسى أن يكون قد تم تخصيصه من أموال الدولة العامة لخدمة هذا المرفق، بحسبان عدم انتقال الأموال الأخيرة إلى رأس مال هذا الشخص.