الذين يرددون أن زمن المعجزات ولي من غير رجعة، فلينظروا لأبناء العم عبده عيد أحمد (65 عامًا) المكفوفين، هؤلاء الذين قهروا المستحيل فتعاملوا مع الحياة كأنهم أصحاء من غير ذوي الإعاقة. الأشقاء يعملون في الزراعة يحملون حشائش الأرض يقومون بالتسميد، ويمسكون بالفأس، ويهبطون الآبار العميقة التي تحتاج لمهارات خاصة، ويبيتون في الخلاء لحراسة الأرض دون خوف من ذئاب أو كلاب مسعورة أو حتى أفاعي تلدغ علي حين غفلة. المسافة التي قطعتها "بوابة الأهرام" للوصول إلى الأشقاء المعجزة كانت تمتد بالساعات الطويلة منذ استقلال مواصلة في نهر النيل حتى الوصول إلى طريق صعب غير ممهد يمتد لنجع حاجر الجبل بمركز الوقف شمالي قنا، ذلك النجع البسيط البعيد الذي يتواجد به أبناء العم عبده الذين يواصلون العمل ليل نهار للعمل حتى لو نظر لهم البعض أنهم معاقون تلك النظرة التي تجعل الحديث عن مهاراتهم قاصرة. يقول عطيت الله عبده، الشهير ب "عبدالله" ويبلغ من العمر 30 عامًا، إننا نستيقظ في الفجر نعمل كنظام مناوبة أنا، وأخي محمد (28 عامًا) الذي يرتاح في الوقت الذي أنا أعمل فيه، وأنا ارتاح حين يكون عملي حراسة الزروع في مناوبة المياه ليلاً . تسأله "بوابة الأهرام" عن الأفاعي؟.. فيرد "نتجنبها.. نحن لا ندوس عليها ولا نرعبها"، وماذا عن الكلاب والذئاب؟.. "نواجهها ونبعدها بالأحجار"، ثم يؤكد بصيغة جازمة "منعرفش الخوف ولا نؤمن بحاجه اسمها العفريت والأشباح والحارس هو ربك". وبسؤال العم عبده (65 عامًا) ألم تغضب حين ولدت زوجتك لك 3 مكفوفين ذكور؟.. يبتسم ويشير للسماء بعين راضية قائلاً "ربك لا يخلق أحدًا إلا ويعطيه ما يتعايش منه، ما نحن سوى أسباب، وربك فعال لما يريد". يستعد الأبن "عطيت الله" الملقب ب "عبدالله" لتحويل الخديم في السقاية، وينزع كمبصر الحشائش، ويسد الفراغات في السقاية، ثم يضع السماد في حجر جلبابه ليقوم بتسميد الأرض مع والده. يسيران في خطين متوازيين كل منهما يرمي السماد في سربه، الابن الكفيف يعرف مقدار السماد حين يوزنه على كف يده دون احتياج لشخص يرشده لمقدار السماد الذي تحتاجه الزروع، والأب والابن يدخلان في نقاش عن الزراعة، وأفضل الطرق في التسميد. لمسافة 22 مترًا تحت سطح الأرض في بئر جوفي يهبط محمد عبده، 28 عامًا، لإعداد السيل الداخلي، ويهبط على درجات مثبتة في البئر، ولا يعبأ بخوفنا عليه، وحين يخرج يقوم بملئ المياه في المواسير التي تدفع المياه قبل أن يقوم بحرفية كبير بتشغيل الكهرباء ليرن صوت الماكينة في الفضاء متجهًا للزروع التي يرعاها كأجرة يومية تقدر ب 60 جنيهًا فقط. وفي محاولة لاكتشاف المهارات التي أنعم الخالق بها على "محمد عبده" -الكفيف- دخل معه مندوب "بوابة الأهرام" في تحدٍ بجولة لعب "الدومينو" ليلحق بالأخير هزيمة ساحقة بشكل متقن كلاعب محترف حين ينهي مهمته. يقول حمادة سيف النصر سلامة، معلم في التربية والتعليم وصاحب المزرعة التي يعملون بها، إن "عطيت الله" يحتاج لمعاش تكافل وكرامة، وأن معاشهما توقف منذ 4 أشهر لأسباب غير واضحة، مؤكدًا أن الأشقاء الذين يتحدون الصعاب يحلمون بلقاء الرئيس السيسي، الذي خصص عام 2018م لذوي الإعاقة. ويضيف "سيف النصر" أن الشقيق الثالث "حسين" يدرس في المعهد الأزهري، ويمتاز بحلاوة الصوت في القرآن الكريم، وهو الوحيد الذي جعله اليوم الدراسي لايعمل مع إخوته في نفس مهنتهم، ولا يحمل مثلما يحملون "المناجل" والفؤوس. 3 أشقاء أكفاء يواجهون الصعاب داخل الآبار العميقة بالصعيد