إذا كان الزواج هو عقد مشاركة اجتماعية ووجدانية بين طرفين متحابين يطلق على كل منهما شريك حياه متضامن يعيش على الحلوة والمرة مع الآخر داخل شركة رأسمالها حب وعطاء وتضحية ومؤمن عليها ضد مخاطر الزمان وغدر الأيام وأهوال السنين بموجب وثيقة تأمين لمكارم الأخلاق حيث يلتزم كل من الطرفين بأداء ما عليه من واجبات بكل إخلاص ووفاء وإيثار ونكران الذات وصبر وتحمل وتسامح وتغاضي عن الهفوات من خلال علاقة يسودها المودة والاحترام المتبادل وصون الكرامة وعدم هدر القوامة والمحافظة على حرمة ووقار واستقرار منزل الزوجية مع مراعاة الحقوق وتحمل المسئوليات اتقاءً لله وابتغاءً لمرضاته. وتلك هي الحكمة من الزواج ذلك الميثاق الغليظ والرباط المقدس عملا بقول الله تعالى: "وأخذن منكم ميثاقا غليظا" ولكي يتحقق الغرض الذي من أجله قد شرع الله عز وجل الزواج والذي يتطلب حسن اختيار شريك الحياة، فإن معايير اختيار شريك الحياة التي حددها رسول الله (عليه الصلاة والسلام) يجب أن تؤخذ في الاعتبار قبل الإقدام على هذا الزواج. فعن كيفية اختيار الزوجة قال رسول الله (صلي الله عليه وسلم):"تنكح المرأة لأربع، لجمالها ولمالها ولنسبها ولدينها، فأظفر بذات الدين تربت يداك" وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم "وإياكم وخضراء الدمن" والمقصود بخضراء الدمن المرأة الحسناء في المنبت السوء وعن كيفية اختيار الزوج قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام):" إن جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإن لن تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".
وقد روي أن الحسن بن علي (رضي الله عنه) حفيد رسول الله (صلي الله عليه وسلم) حينما سأله رجلا: لمن أزوج ابنتي؟ قال له :(زوجها لذا الدين التقي إن أحبها أكرمها وإن كرهها لا يظلمها) لهذا يتضح أن أهم معيار لاختيار شريك الحياة هو التدين والتقوى حيث إن التقوى فضيلة، توقظ الضمير وتمنع ارتكاب المعاصي والذنوب، إلا أن هناك بعض الصفات والسمات السيئة قد تكون موجودة في الشخصية نتيجة ضعف الإيمان بسبب سوء التنشئة الاجتماعية من الصغر كالكبر وحدة الطبع والعناد والأنانية وعدم التسامح وحب الانتقاد المستمر والإلحاح بالمطالب دون التماس للأعذار أو تقدير للظروف وتلك الصفات يجب أن يتم اكتشافها خلال ما يحدث من مواقف معينة قبل الزواج لما لها من آثار سلبية، سرعان ما تظهر بعد المعاشرة الزوجية حيث إن تلك الصفات إذا كانت متأصلة في شخصية أحد الزوجين مع عدم قدرته على التخلص منها ولم يستطع الطرف الآخر التأثير عليه لتغييرها، فإن ذلك يكون من شأنه تعكير صفو الحياة الزوجية، مما يؤدي إلى حدوث المشاحنات وتفاقم المشكلات وذلك فيه تهديد للكيان الأسري ويعجل بانهياره لذلك فإن حسن اختيار شريك الحياة يعتبر من مقومات السعادة الزوجية.
ومن هنا تظهر أهمية الخطوبة كفترة اختبار لشخصية كل من العروسين لمعرفة صفات وسمات كل منهما، كما أنها تساعد على اكتشاف العيوب الخفية والعادات السلبية قبل الزواج ومن الأقوال والأمثال القديم التي يتم ترديدها (على الأصل دور-- وكل إناء ينضح بما فيه) ما أكده د. سيد حسن السيد الخبير الدولي للإتيكيت وآداب السلوك والمحاضر بالمراكز التدريبية المتخصصة ولبيان الفروق الفردية بين الأشخاص وكيفية التعرف علي صفات وسمات الشخصية وأهمية فترة الخطوبة بين العروسين يحدثنا د. سيد حسن السيد للرد على هذه التساؤلات مقدما النصائح والإرشادات التإلىة: -
1 - من الحكمة الإلهية أن الله تعالى قد خلق جميع البشر في أحسن تقويم من حيث الشكل ولكنهم مختلفين في اللون واللغة التي يتحدثون بها كما أنه يوجد بينهم فروق فردية كثيرة في القدرات البدنية والعقلية ودرجة الذكاء وكذلك في قدراتهم على التعلم، فضلا عن الاختلاف في سماتهم الشخصية من حيث الطباع والأخلاق فمنهم ما هو سهل ولين ومنهم ما هو سيئ وفظ في تعامله مع الغير وهناك أيضا بينهم فروق في الاستعدادات المزاجية الانفعإلىة، فنجد ما هو سريع الانفعال شديد التهيج وماهو كثير الهدوء بطيء الانفعال وتلك الفروق مرجعها التكوين البدني وطبيعة تكوين الجهازين العصبي والغدي ولكن للتعلم دورا في تكوين الفروق الانفعإلىة بين الأشخاص، فالانفعالات التي تدعم في مواقف معينة، فإنها تثبت لذلك يميل الشخص فيما بعد إلى اظهار هذه الانفعالات في مثل هذه المواقف حينما تتكرر ومن ثم نجد أن الكثير من الصفات يكتسبها الشخص من خلال تربيته وتنشئته الاجتماعية كما أن للوراثة والبيئة دورا فعالا في حدوث بعض الفروق الفردية بين الأشخاص. حيث إن أثر الوراثة يظهر في السمات البدنية والذكاء، أما البيئة فسرعان ما يظهر تأثيرها في التدين والقيم والمبادئ الأخلاقية والعادات والتقاليد، لذا قد نوه رسول الله (عليه الصلاة والسلام) عن الأثر الفعال للوراثة والبيئة على الزواج حينما قال: "تخيروا لنطفكم وأنكحوا الأكفاء" والمقصود بالأكفاء الأصل الطيب من ناحية الوراثة والبيئة (عراقه الأصل الطيب).
2 -من المشكلات الاجتماعية التي تواجهها العديد من الأسر في عالمنا المعاصر الآن هو كيفية اختيار شريك الحياة المناسب عند تزويج الأبناء والبنات، وذلك بعد أن ولى زمن زواج الصالونات أو الزواج عن طريق الخاطبة حيث كان من السهل معرفة الأصل والحسب والنسب والبيئة والسمعة الطيبة والكثير عن صفات وسمات الشخصية والخصال الحميدة مع سهولة معرفة الصفات الوراثية للشباب والفتيات المقبلين على الزواج من خلال التعرف على تاريخ العائلات وسلالتهم سواء كانوا منتمين لعائلات معروفة أو عائلات تربطهم علاقات جوار أو صداقة أو نسب، إلا أن الشباب والفتيات حاليا أصبحوا لا يعترفون بهذا الزواج ويرفضونه، لأنه في نظرهم زواج تقليدي وموضة قديمة لا يتناسب مع طبيعة هذا العصر الذي ظهرت فيه شبكات التواصل الاجتماعي ونتيجة لاستمرار انشغالهم بعالمهم الافتراضي دون توخي الحظر مع عدم الاحتراس عند تكوين صدقات مع الغير من خلاله فقد اختلت الموازين وتغيرت القيم والمفاهيم واختلط الحابل بالنابل والطيب والخبيث وتجملت الصور وتصدرت الأسماء المستعارة التي تخفي وراءها رياء ونفاقا وطباعا سيئة وخبايا غير معلنة، هدفها الغش والخداع من خلال الكلام المعسول والوعود الكاذبة ومع عدم التحري عن شخصية من يتم مصادقته أو التأكد من صحة الحقائق التي يجب أن تكون معلومة عنه، ولاسيما إذا كان هناك شروع في الارتباط به والزواج منه فمن المآسي المترتبة على ذلك ما أكدته مراكز البحوث الاجتماعية بأن %90 من الزيجات التي تمت من خلال التعارف عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي ولاسيما من الأجنبيات قد باءت بالفشل نتيجة سوء الاختيار بسبب التغرير والتضليل وعدم صدق النوايا وإعطاء معلومات كاذبة، فضلا عن اكتشاف صفات شخصية مذمومة وعادات سلبيه وممارسات سلوكية خاطئة بعد الزواج.
3 - من الإجراءات المتبعة التي يقرها الشرع والعادات والتقاليد عند الزواج التعارف، ثم الخطبة لحين إعداد وتجهيز منزل الزوجية، ثم عقد القران والزواج (الدخلة) قال رسول الله (عليه الصلاة والسلام):"اخفوا الخطبة وأعلنوا النكاح" الخطبة مرحلة تمهيدية للزواج وهي فرصة جيدة لدراسة وتحليل صفات وسمات شخصية كل من العروسين، لذلك فإن الخطبة تعتبر فترة اختبار والاختبار نتيجته إما نجاح أو فشل، لذا أوصي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) بإخفاء الخطبة لاحتمال إنهاء الارتباط بسبب ثبوت عدم صلاحية أحد الطرفين للزواج أو انعدام التوافق بينهما ومن هنا تظهر أهمية فترة الخطوبة فمن خلالها يجب أن يتعرف كل من العروسين على صفات وسمات شخصية الآخر من حيث الطباع والخلق ودرجة انفعاله وعاداته وتقاليده وطريقة تفكيره وثقافته وميوله ورغباته وتطلعاته وآرائه وطموحاته وتصرفاته عند مواجهة المشكلات كما يجب معرفة مفهومه عن الزواج ومقدار تحمله للمسئوليات الزوجية ومدي ارتباطه بأهله وبره لوالديه وعلاقته بأقاربه وصلة الرحم، كما يجب معرفة نوعية أصدقائه وكيفية تعامله معهم ومن الأمور البالغة الأهمية يجب على كل طرف سرد كل الحقائق المتعلقة بظروفه المادية والاجتماعية بكل صراحة ووضوح دون إخفاء لأي بيانات شخصية كما يلزم البوح بأية معلومات تخصه والتي يجب أن تكون معلومة لدي الطرف الآخر دون تجمل، حيث إن عدم الإفصاح عنها ثم يتم اكتشافها فإنها تترك انطباعا سيئا يوحي بعدم الثقة ومن الأمور التي لا يجب تجاهلها ضرورة التحري والتأكد من أن هناك تماثلا بين الأسرتين من حيث المستوي الاجتماعي والتدين والتنشئة الاجتماعية وذلك يتطلب محاولة خلق مواقف تتيح التلازم والتعامل مع جميع أفراد أسرة الطرف الآخر علي أن يتم ذلك بصورة طبيعية دون تكلف أو تصنع عن طريق تبادل الزيارات والدعوات حيث إن التوافق الاجتماعي بين أسرتي كل من العروسين له تأثير نفسي إيجابي علي تنشئة الأبناء، مستقبلا إذ أن عدم التوافق يولد بداخل الأبناء صراع نفسي مضطرب عند ملاحظتهم للاختلاف بين الأسرتين من حيث مستوي المعيشة والثقافة وأسلوب التعامل ومكان الإقامة وذلك وفقا لما أثبتته دراسات علم النفس.
4 - العلاقة الزوجية تختلف عن علاقة النسب أو الصداقة أو الزمالة من حيث الحقوق والواجبات فللحياة الزوجية متطلبات ومقومات يجب مراعاتها إذ أن سابق المعرفة بين الأسر والعائلات وحده لا يكفي ولا يجب أن يكون ذلك مبررا للاستعجال في الزواج، فكم من أسر عندما يقومون بتزويج أبنائهم أو بناتهم من عائلات تربطهم بها صلة نسب أو صداقة أو زمالة، فإنهم يستندون إلى ذلك ويتعجلون فيجعلون الخطوبة مع عقد القران والزواج في وقت واحد دون جعل فترة الخطوبة مستقلة، مما لا يتيح الفرصة للعروسين لدراسة كل منهما لشخصية الآخر قبل الزواج، حيث إن معرفة صفات وسمات الشخصية يحتاج إلى وقت كافٍ، وتتطلب عمل لقاءات وزيارات ودعوات متكررة من خلالها يتعرضان لمواقف متعددة تظهر الاستعداد الانفعال لكل منهما، وكذلك الطباع من حيث الحدة واللين والميول من حيث العدوانية والتسامح وكذلك الاتجاهات من حيث الوسطية أو التشدد، كما أن تلك المواقف يمكن أن تكشف الكثير من الصفات التي يمكن أن تكون قد تم إخفاؤها على سبيل التجمل كالبخل والعصبية والغيرة الشديدة والعناد، حيث إنها لا تظهر أثناء الجلسات العائلية الرسمية داخل المنزل، بل من خلال مواقف مثيرة للانفعالات ومجاملات في المناسبات والتواجد في الأماكن العامة للتنزه أو للتسوق وعند استقبال أو زيارة أقارب أو أصدقاء العائلة في وجود العروسين.
5 - إذا كان الغرب بعاداته وتقاليده الغربية قد أباح الاختلاط بين الجنسين بحرية كاملة تصل إلى حد المعاشرة الجنسية دون زواج مما أدي إلى تفشي ظاهرة (البوي والجيرل فريند) بين الشباب والفتيات بعد سن البلوغ بحجة إتاحة الفرصة لكل من الطرفين دراسة شخصية، وطباع الآخر ومدي حدوث التوافق من عدمه بينهما قبل الارتباط بالزواج، فإن تعاليم الأديان تمنع هذا الاختلاط لمخالفته للشرع وإباحته عن طريق الزواج وفقا لضوابط لحماية الشرف وصون الكرامة، كما أن الشرع نظم الارتباط بالبدء بالخطوبة وفي الإطار العائلي وفي ظل القيم والمبادئ الأخلاقية بهدف دراسة وتحليل الشخصية والتعرف على الصفات والطباع ومدي حدوث التوافق الذي يسمح بإتمام الزواج، حفاظا على العفة ومنع انتشار الرذيلة وارتكاب المعاصي. وإذا كانت مراكز البحوث الاجتماعية قد أكدت فشل معظم الزيجات التي تمت عن طريق استخدام شبكات التواصل الاجتماعي وتحت تأثير العالم الافتراضي المضلل الذي خدع العديد من الشباب والفتيات المنشغلون به بعد رفضهم للزواج التقليدي، فإن الزواج التقليدي المبني علي حسن اختيار شريك الحياة المناسب، سيظل هو الوسيلة المثلي الواقعية للزواج الناجح منذ القدم وحتي وقتنا الحالي مهما تغيرت القيم والمفاهيم واختلت الموازين وتجملت الصور وأخفت وراءها مضللين ما أحوج الشباب والفتيات المقبلين على الزواج إلي التمسك بتعاليم الدين مع توخي الحظر عند اختيار شريك الحياة مع الأخذ بمشورة الأهل والمقربين الأوفياء والأصدقاء المخلصين الناجحين في حياتهم الزوجية لا أصدقاء السوء أصحاب النفوس الضعيفة المفسدين للبيوت العامرة. حقا إن الخطبة فترة اختبار لشخصية العروسين من خلال معايشتهم للواقع وليس بانشغالهم بعالمهم الافتراضي.