عروسة تورتة الزفاف "الحب والزواج" كلمتان يفصل بينهما حرف عطف، وقد تفصل بينهما أيضا حياة قاسية يفرض فيها الواقع شروطه، ليتم حذف الكلمة الأولي واستبدال الثانية بعبارة "قسمة ونصيب"!.. وباستطلاع رأي أجرته المجلة علي عينة صغيرة وعشوائية من المتزوجين وجدنا أن اختيار شريك الحياة خضع في الغالب إلي اعتبارات عديدة لم تضع في حساباتها العواطف!.. جاءت نسبة المتزوجين بعد قصة حب في المرتبة الأخيرة، واحتل زواج الصالونات المرتبة الأولي، وتم العثور علي زيجات تمت عن طريق النت، بينما كان للأهل الكلمة العليا في انتقاء الزوج وخاصة في الصعيد، وتحكمت العادات والتقاليد في التوفيق بين زوجين لا يربط بينهما سوي صلة القرابة. وحتي لا تصبح الصورة معتمة تماما فإننا نبدأ بقصة وردية يرويها زميلنا الصحفي (شحاته.س) الذي قال إن القدر جعله يلتقي قبل عام بزميلة انضمت إليهم حديثا، ويضيف: لم يكن في نيتي الارتباط، حكايات أصدقائي المتزوجين ومتاعبهم رسخت بداخلي مفاهيم جعلتني أتردد كثيرا قبل التفكير في الموضوع، ولكني وجدتني مهتما لسبب لا أعرفه بتلك الزميلة، فبدأت التودد والتقرب إليها، تجربتي في العمل معها وضعتني أمام شخصية وجدت فيها كل ما أحلم به، فصارحتها بحقيقة عواطفي وكنت في غاية السعادة حين عرفت أن مشاعرنا متبادلة، فتقدمت إلي أهلها وتمت خطبتنا ونحن الآن في طريقنا إلي الزواج، تحاصرنا نظرات الفرحة الممزوجة بالشفقة من أصدقائنا المتزوجين! وإذا كان زميلنا الصحفي لم يسمع الكلام وركب قلبه ومضي إلي العش الهانئ، فإن المسألة وجدناها مختلفة عند سيد عبد الكريم – تاجر الذي قال إن الزواج شر لابد منه.. اعترف سيد أن ارتباطه بشريكة حياته لم يكن في الحسبان، وأن المسألة تكاد أن تكون قد تمت بدون علمه! قال إن والدته طلبت منه أن يتزوج لتفرح به، وألحت عليه كثيرا، وكان حينها يعمل في إحدي الدول العربية، وبعد نقاشات عديدة فوض سيد الأمر لوالدته لتبحث له عن بنت الحلال وفوجئ بها تتصل به وتخبرة أنها قرأت الفاتحة في بيت العروس التي لم يرها إلا بعد نزوله إلي مصر في الأجازة، وشاء القدر أن تكون أما لطفليه. أما الملاحظة الغريبة فقد كانت في انتشار زواج الصالونات بين المثقفين، وفي العائلات الراقية، فقد عثرنا علي أكثر من حالة حكي أصحابها عن ارتباط تم بتلك الطريقة. سلمي حسان – موظفة أكدت علي أنها لم تر زوجها من قبل إلا وهو في بيت والدها.. كشفت أن جارتهم كانت همزة الوصل بين عائلتها وزوجها، وأن ترتيب الوضع تم بين الجارة ووالدتها. تفاخر سلمي بأن زوجها لم يكن أول من تقدم لخطبتها، سبقه كثيرون كانوا يأتون عن طريق نفس الجارة إلا أن والدها كانت له الكلمة العليا وكان يرفضهم، لكنه وافق علي زوجها نظرا لما يتمتع به من مركز مرموق، وحال ميسور، وبالفعل عاشت معه فترة خطوبة قصيرة أعقبها الزواج، وحين سألناها عن وجود أي مشاعر متبادلة بينهما، قالت إن العشرة ولدت التفاهم والتقارب بينهما، والمهم أنها حققت حلمها الكبير في أن تصبح أما لطفلة جميلة! ويختلف الأمر جذريا في الصعيد وخاصة في بعض القبائل التي ترفض أن تتزوج البنت من خارج عائلتها مثل قبائل هوارة والأشراف.. تقول أ.ع: أنا واحدة من كثيرات يتم إرغامهن علي الزواج من ابن العم، وإذا حاولت واحدة منا الخروج عن هذه التقاليد يتم مكافأتها بالموت. ارتبطت في الجامعة بزميل، بنيت معه أحلاما وآمالا وطموحات تم تبديدها بالكامل بمجرد أن تقدم لخطبتي ابن عمي، وجدت والدي يدخل عليّ الحجرة ويقول لي: مبروك ولد عمك طلبك وأنا وافقت! كنت أعرف أن ثني كلمة والدي تعني الهلاك لي، وأن مجرد النقاش في الموضوع مضيعة للوقت، وإن إبداء الشجاعة هو في الحقيقة تهوّر سيقابل بكل حزم، كنت أتلقي التهنئة من الأهل وأرد عليهم بمنتهي الثبات، لم أفصح عن شئ لأحد، وكتمت مشاعري داخلي، لكن دموعي كانت تسبقني إلي حجرتي فأغلق الباب علي نفسي وأنهار كل يوم.. نحن الآن في طريقنا إلي الزواج الذي سأساق فيه كبهيمة لا إرادة لها. وبعيدا عن هموم الواقع ومعاناته فقد أتاح العالم الافتراضي الفرصة كاملة للتعارف بين الأصدقاء علي مواقع التواصل الاجتماعي، أو الماسينجر وغيرهما من تلك الطرق، قضي الإنترنت علي حواجز المسافة والعادات والتقاليد، وأحدث ثورة هائلة في التعارف الاجتماعي، حتي وصل الأمر إلي الزواج. وتمت بالفعل حالات زواج متعددة عن طريق النت، تمت الدعوة فيه إلي أصدقاء الشات الذين وجدوا أنفسهم يلتقون لأول مرة في فرح! محمد علي – مهندس كمبيوتر يوضح أن ارتباطه بزوجته الجزائرية لم يكن ليتم بدون الشات، قال إنهما تحدثا علي الماسينجر لمدة عام، حتي تعمقت بينهما الصلة وعرف فيها كل شخص عن الآخر كل شئ. التقارب في الميول والأهداف والشخصية صنع حالة متوجة من المشاعر، فكان كل منهما يقضي ساعات طويلة أمام شاشة الكمبيوتر ليتحدث فيها إلي الآخر، ويستشيره في تفاصيل حياته، إلي أن قررا الزواج وبالفعل حصلا علي موافقة الأهل، ويعيشان الآن في منتهي السعادة علي حد قوله. ظروف الحياة الصعبة، والتقدم في العمر قد تجبر الكثيرين علي التفكير في الزواج بأي طريقة حتي لو كانت عن طريق مكاتب الزواج التي تنتشر إعلاناتها في الشوارع والشبكات العنكبوتية، وهي المسألة التي انتشرت في الآونة الأخيرة ولكن ما حقيقة هذه المكاتب وهل بالفعل تقدم خدمة إنسانية للمجتمع أم إنها تتاجر بأحلام البشر. يقول فؤاد علي – عاطل إنه خاض رحلة البحث عن عروس توافق علي إمكانياته المتواضعة، وظن القدر قد ابتسم له حين قرأ إعلانا لمكاتب الزواج، فلم يطل التفكير واتصل بالرقم الذي وجده مشغولا في بداية الأمر، وحين كرر الاتصال كان يسمع رنة الهاتف دون أن يرد عليه أحد. لم تمض سوي لحظات حتي اتصل به نفس الرقم، وحين تأكد من نيته الجادة أعطاه العنوان وحدد له موعدا للمقابلة. وداخل شقة صغيرة عليها لافتة تشير إلي مكتب الزواج دخل فؤاد ليجد في استقباله سكرتيرة تقدم له استمارة وتطلب منه مبلغ 120 جنيها، فأعطاها المبلغ وملأ الاستمارة التي حدد فيها مواصفات شريكة حياته مقاساتها ولون بشرتها، ومستواها الاجتماعي.. الخ. وبعد أيام قليلة تلقي اتصالا من المكتب يطلب منه الحضور لمقابلة الزوجة المحتملة، يقول فؤاد إنه التقي بفتاة وجلس إليها وتبادل معها رقم الهاتف وبالفعل تحدثت معه لمرات عديدة علي مدار ثلاثة أيام إلي أن أخبرته أنها غير موافقة علي الاقتران به، وحينها أدرك أن المسألة ليست أكثر من تجارة تدر علي أصحاب هذه المكاتب الأموال عن طريق ملء الاستمارة التي يذهب إلي التوقيع عليها العشرات يوميا من الجنسين. ويشترط الدكتورمحمود علام، أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة، الحب لبناء أسرة سعيدة. ويوضح أن زواج الصالونات يفشل في الغالب لأنه يقوم علي فكرة التكافؤ الاجتماعي، بينما الحب والتفاهم بن الطرفين مسألة مهمة وركيزة أساسية لإنجاح العلاقة الزوجية. في حين يري الدكتور رشدي أنور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة حلوان أهمية وجود تكافؤ اجتماعي بين العروسين لتجنب حالات الطلاق المتكررة التي يعاني منها المجتمع وأشار إلي أهمية أن تتزوج الفتاة في نفس المستوي الذي كانت عليه في بيت والدها، وشدد علي أهمية وجود فترة خطوبة لاكتشاف التفاهم بين الطرفين من عدمه. ويختلف الشيخ جمال قطب، رئيس لجنة الفتوي السابق بالأزهر، في تعريف التكافؤ الاجتماعي ويقول: إن المقصود به هو التكافؤ العقلي والنفسي والثقافي؛ لأنه هو الذي يساعد علي نجاح الحياة الزوجية. واعتبر الفروق الاجتماعية بين الزوجين سواء من ناحية التخصص العملي والمستوي الاقتصادي أو الحي السكني من الأمور الجانبية التي يمكن التغاضي والتخلي عنها، أو إصلاحها وتعديلها، مؤكدًا أنه إذا وجد التكافؤ العقلي والديني بين الطرفين وجدت الحياة الزوجية السعيدة والناجحة. وقال: إن الدين الإسلامي لم يحثّ علي ضرورة التكافؤ المادي والاجتماعي، بل شدّد علي ضرورة التكافؤ الديني، واختيار أصحاب الدين، حيث قال رسول الله صلي الله عليه وسلم "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض"، ولذا فإن من أهم معايير اختيار شريك الحياة هو الدين والتكافؤ الديني بين الزوجين. أما عن تمسّك الآباء بضرورة وجود التكافؤ الاقتصادي والاجتماعي؛ فلم ينص الدين الإسلامي علي هذا النوع من التكافؤ كشرط من الشروط التي يجب توافرها لقيام الزواج.