"اقتباسات أدبية، كلمات أغانٍ، جمل فلسفية، نقوش حيوانية، رسومات عجيبة ومختلفة ومتنوّعة، مقولات دينية مأثورة" جميعها نقوش ورسومات، نراها محفورة بعمق، في أجساد العديد من الفنانين، ليقلدهم بعد ذلك الشباب والفتيات. الوشم كان يعتبر من الطقوس القديمة، التي تعود أصولها إلى زمن الفراعنة، إلا أن هذا الفن القديم، انتشر بشكل كبير خلال السنوات الماضية. "الوشم، التاتو، المشط، الرثمة، الدق، زلف، نقطة، الحجول، الردعة" كلها أسماء تحمل معنى واحدًا، فهي تطلق على تلك العادة الغريبة، التي قام بها البعض كتحدٍ للعادات والتقاليد التي تحرمه أو تحظره، ومنهم من يريد التخلص من تشوّه خلقي، وثالث يريد أن يعبّر عن ظاهرة قوة، ورابع يرغب أن يلفت الانتباه إليه، غير أن النتيجة واحدة، أجساد ملونة تسبح في بحر من الوشم، بل أصبحت رسومات لحيوانات وحروف ورموز غامضة لا يعرف معناها إلا أصحابها. بين ليلة وضحاها، أصبحت مهنة "الوشم"، مشهورة، بل لها دراسة وهناك البعض الذين يأخذون فيها شهادات، ولكن تلك الدراسة لم تنتشر إلا في دول معينه، وهناك أشخاص يمارسونها دون دراسة، فيستخدمون مواد رخيصة، واعتماد إبرة واحدة في الوخز دون تعقيم، وهو ما يؤدي إلى انتقال الأمراض مثل "الإيدز" و"شوفليت" وأمراض الكبد، كما أن تلك الإبر تعطى في مناطق مكسوة بالشرايين، مما قد يسبب التهابات في الدم ويؤدي إلى تسمم الجسم. والأغرب في تلك العادة، أن الشباب يقبل عليه في أكثر من منطقة بأجسادهم، وكأنهم باتو يرتدون ثياباً منقوشة بالرسومات الملونة الخيالية، برغم من أنه يصيبهم بالألم الشديد، بل في بعض الأحيان، يعرضهم لعدوى انتقال المرض، فضلًا عن تكلفته الباهظة. مواسم الوشم بعد انتشارها كنوع من أنواع الموضة، أصبحت لها مواسم بعينها، حيث يزيد الطلب على دق وشوم دينية، أو خلال فصل الصيف يكون الطلب أكثر على الوشم، الذي يكون واضحًا ويمكن رؤيته مع الملابس القصيرة، وفي المقابل يقل الطلب على الوشم في الشتاء. أبرز الرسومات ومن أبرز الأشكال والرسوم التي يطلب الرجال دقها على أجسامهم، رسم التنين والأفاعي والجماجم البشرية والعقارب، بالإضافة إلى الرموز الدينية وترسم أغلبها على الذراع والكتف، فيما تفضل النساء نقوش الأزهار والفراشات، فضلاً عن رموز الحب والأسماء وأغلبها تكون في مناطق غير ظاهرة من الجسد أو على الذراع. وكان العرب القدامى يدقون وشومًا على أجزاء مختلفة من أجسام الرجال والنساء وحتى الأطفال، وكانت تستخدم كطقوس حياتية ودينية وتعويذات لمنع السحر أيضًا. وهناك تقنية الثلاثي الأبعاد الجديدة، تلك التقنية الجديدة تقدم تصاميم مبتكرة للرسم، وتتضمن التصاميم تأثيرات وهمية وضوئية مميزة تجعل الوشم يبدو أقرب إلى الحقيقة من مجرد رسم على الجلد.
التحليل النفسي لانتشارها
يعتبر بعض المحللين النفسيين، أن الشباب يقومون به لتعذيب الذّات، والحصول على إثارة أو لذّة، أو من لديهم عجز كامن في شخصيتهم، فيجعلون الجسد يتكلّم بما لا يستطيع أن يفعل، فالضعيف يلجأ إلى وشم رموز القوّة لإبراز ما يفتقده. من جانبها أكدت، إيمان عبدالله، أستاذة علم اجتماع واستشارات أسرية، أن الوشم، هو ظاهرة قديمه ومازالت حتي اليوم، وترتبط بالتعبير عن الوضع النفسي الذي نعيشه، مشيرة إلى أن حاجة الإنسان للوشم، قد تكون ضعفًا واستهتارًا بقيمة جسد الإنسان وحياته، وهي بعيدة عن التحضر وإنما هي تخلف، كما أن لها العديد من السلبيات، أبرزها نقل عدوي فيرس الكبد الوبائي بأنواعه، والأمراض الجلدية. وتابعت، السبب الرئيسي في انتشار تلك التشوهات الجسدية، هو البعد عن الثقافة العربية، والتقلد بالثقافة الغربية، بالإضافة إلى الإحساس بالفراغ، والقلق المستقبلي المتعلق بشخصيه القائم بهذا السلوك، بالإضافة إلى الشعور بالعجز تجاه موضوع معين، مشيرة إلى أن الوشم نوع من المازوشية أو المازوخية، التي تعني التلذذ بالألم الجسدي الناتج عن وخذ الإبر، وأكدت أن عدم الثقة في النفس يقود لهذا السلوك. وأكدت، أن انحدار بعض القيم الأخلاقية، والتقصير في التوعية الاجتماعية، له دور، حيث أصبح مفهوم الوشم الآن، هو الأناقة والتجميل، مطالبة بتفعيل دور الأسرة في تعليم وتهذيب الطفل، وبث القيم والروحانيات والأخلاق والتوعية الدينية في المؤسسات المعنية بذلك، بالإضافة إلى تشجعيهم على ممارسة الأنشطة الرياضية، والمسابقات الدينية والتعليمية على مستوى الجمهورية.
الآثار السلبية على الصحة
يقول متخصصو الأمراض الجلدية، إن الوشم عبارة عن وميض يخترق الجلد، ويحطم الأصباغ إلى شظايا لا حصر لها، وهو ما يترتب عليه في الغالب فقدان الأصباغ لونها، وفي بعض الأحيان، تتسلل بعض هذه الأجزاء إلى الجهاز الليمفاوي، وتخرج عن طريق الكلى والأمعاء، ولكن المشكلة تكمن في بقاء جزء منها في الجسم. كما أن هذه الشظايا، يمكن أن تكون سامة أو مسرطنة، وتنتج عن الخضوع لعملية إزالة وشم كبير بالليزر، أورام تؤدي إلى تلف الخلايا في الجلد. رأي الدين "الأمة الإسلامية لها شخصيتها وهويتها".. هكذا بدأ الشيخ إبراهيم الظافري، أحد علماء الأزهر، كلامه، قائلًا: إنه لا يوجد تقليد ولا تبعية ولا لهث وراء الموضات بلامبرر علمي، ولا داعى ثقافي فكري فيما يعرف بالموضة، مطالبًا الشباب بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، مشيرًا إلى أن الدين نهى عن الوشم أشد النهي، وأنه مستوجب للعن والطرد من رحمة الله، والسبب في رفضه، أن الوشم يزال بالضرر من جراحة أو ماء النار، كما أن الوشم الظاهري المؤقت، معيب للرجال، ويعتبر خرقًا للمروءة ومياعة لا تخفى، كما أنه للنساء والفتيات التزين للزوج، ما دام لا يطلع على زينتها غيره، ولا يؤدي إلى كشف العورات، ولا يمنع من وصول الماء إلى البشرة عند الطهارة بوضوء أو غُسل. وتابع، أن الوخز بالإبر ونحوها وملء فراغات طبقة الجلد العميقة بمادة الوشم، حرام شرعًا؛ لقوله، صلى الله عليه وسلم: "لَعَنَ الله الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ". العديد من الأسئلة تضعنا أما مفترق طرق، مثل هل الممنوع مرغوب، أم أصبح الوشم موضة وفنًا يتماشى مع العصر، ويكتسب أهمية إضافية لكونه يعبّرعن الحالة النفسية التي يعيشها الإنسان، أم تقليدًا للمشاهير، أم للهروب من حالة خاصة ومشاكل نفسية خاصة بهم؟.