كتبت - غادة ماهر: آخر فكرة كنت أتوقع أن أكتب عنها هى «التاتو» أو الوشم أو حتى رسم الحنة على الجسم.. ليس لأنها من اختصاص المجلات ومواقع التجميل والمرأة, ولا لكونها غزت الشبكة العنكبوتية بكل تفاصيلها وألوانها وأنواعها, ولكن لإيمانى الشديد بأنه «لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم», وأن قناعات الشخص لا أحد يستطيع أن يغيرها مهما قدمت له النصائح والبراهين, وهذا ما حدث مع نساء مصر وشبابها وبناتها, وطبعاً للأطفال النصيب الأكبر من التأثر بالآباء والأمهات. وبعيداً عن العلاقات الاجتماعية والأمزجة الشخصية بين المصريين, فهل تعلم أن رسمة «حنة» كانت سبباً فى نشوب أزمة بين مصر وبريطانيا, على الصعيد القانونى والسياحى. بطلتها «ماديسون جوليفر» طفلة بريطانية تعرضت لحروق فى الجلد عقب رسم حناء «تاتو» على ذراعها خلال شهر أغسطس الماضى أثناء تواجدها مع عائلتها فى أحد فنادق الغردقة. ونشرت صحيفة «ديللى إكسبرس» البريطانية لقطات لذراع الفتاة بعدما تسببت الحناء لها فى حروق جلدية, خلفت لها ألماً كبيراً -حسب وصفها- بعد بضع ساعات من رسمها وتحولت إلى «بثور حمراء». نقلت الطفلة ذات القسم الحروق الكيميائية بالمستشفى, حيث تعانى من ندوب فى ذراعها بسبب رسم «التاتو» فى صالون الفندق النسائى, حيث أكد المسئولون عنه أن المشكلة لم تكن فى الحناء ذاتها ولكن نتيجة لنوعية جلد الفتاة الحساس. ورجحت الصحيفة أن الحناء المستخدمة فى الرسم تحتوى على صبغة كيميائية سامة, مؤكدة أنه أمر غير قانونى ويجب محاسبة المتسببين فيه, فيما حمّل والد الفتاة مسئولية إصابة ابنته كاملة للصالون الذى استخدم مواد كيميائية مؤذية لجلد الأطفال دون تحذير ذويهم قبل الموافقة على وضعها على جلودهم. وتطرح تلك الواقعة الاسئله القديمه من جديد وكيف تفرق بين الحنة الطبيعية الآمنة والمضاف إليها كيماويات?.. وما الدافع وراء هذه الرسومات?.. وما الذى يدفعك لتتألم من غرز إبرة داخل جلدك?.. وهل تعلم أن الدين حرم الوشم لعدة أسباب منها أنه يغيّر من خلق الله تعالى. كما يجلب العديد من الأمراض. ويعتبر منظر الوشم غير سارٍّ للنّاظر, وخاصّةً عند نقش ووشم جميع البدن برسوماتٍ تتنافى مع السّلوك والفطرة السّليمة, بالإضافة إلى صعوبة إزالته إلّا بعد إجراء العمليّات الجراحيّة المؤلمة, أما الحنة فلا غبار عليها شريطة أن تكون طبيعية وغير مضاف إليها مواد كيميائية. «الوشم».. رسمة عابرة للزمن وجدت الحنة جنوب غرب آسيا، وتحتاج لبيئة حارة، لذا فهى تنمو بكثافة فى البيئات الاستوائية لقارة أفريقيا، كما انتشرت زراعتها فى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط، وأهم البلدان المنتجة لها مصر والسودان والصينوالهند. عرفت الحناء منذ القدم، فقد استعملها الفراعنة فى أغراض شتى، إذ صنعوا من مسحوق أوراقها معجوناً لتخضيب الأيدى وصباغة الشعر وعلاج الجروح، كما تم العثور على مومياوات فرعونية مخضبة بالحناء، واتخذوا عطراً من أزهارها. ولها نوع من القدسية عند كثير من الشعوب الإسلامية إذ يستعملونها فى التجميل بفضل صفاتها فتخضب بمعجونها الأيدى والأقدام والشعر، كما يفرشون بها القبور تحت موتاهم. وتستعمل فى دباغة الجلود والصوف ويمتاز صبغها بالنبات. فعلياً اكتشفت منذ 4000 عام قبل الميلاد، عند المصريين القدماء، حيث كانوا يقومون بالوشم على مومياواتهم، ويكرسون فكرهم العقائدى والدينى من خلال الوفاء لهذه المبادئ عن طريق رسمها على أجسادهم. أما الوشم فقد عرفه المصريون القدماء قبل 4 آلاف سنة خاصة عند النساء لأغراض التجميل، واعتبروه أيضاً نوعاً من افتداء النفس للآلهة. انتقل الوشم إلى حوض البحر المتوسط والجزيرة العربية حتى وصل إلى الصين. فى الهند كانت مراسم الزواج تتضمن وشمهما برسم واحد يؤكد أنهما أصبحا زوجين. عرفت الجزر البريطانية الوشم وانتشر بين أفراد الأسرة الحاكمة، وفى عام 1969م حُرِّم الوشم رسمياً فى بريطانيا. عُرف الوشم فى الولاياتالمتحدةالأمريكية فى القرن التاسع عشر الميلادى واستخدمه الرؤساء وأشهرهم «ترومان وكنيدى». استعمل اليابانيون الوشم واختفى فى القرن الخامس عشر وعاد ثانية ولكن فى عام 1870م حُرِّم الوشم فى اليابان. يستخدم الوشم فى غينيا كدليل على انتقال الصبية إلى مرحلة الرجولة ويعتبرونه أثراً لأسنان الآلهة التى عضت الموشومين ليصبحوا رجالاً. فى بلاد النوبة يعتقدون أن الوشم فوق العين يقوى النظر، بينما قبائل أفريقية تستخدم الوشم لإبطال السحر ووقاية من الحسد والعين، وبعض القبائل العربية تستخدم الوشم الأخضر للزينة والأسود للحماية من العين بزعمهم. أشارت الأبحاث إلى أن 56% من الشباب الموشومين عاطلون عن العمل وظروفهم الاجتماعية غير مستقرة. انتشر الوشم فى السويد والمغرب و41% منهم يعانون من عدم الاستقرار واختلال الأحاسيس وكذلك انتشر فى مصر. يقوم نساء البدو فى بعض البلاد العربية بوشم أذرعهن ووجوههن لغرض الزينة ومنع الحسد والعين جهلاً. يجهل مستخدمو الوشم دلالات الرموز والنقوش والصور التى يرسمونها على أجسادهم، ف«النسر» مثلاً يرمز للحرب والقوة النفسية، و«المرساة» ترمز إلى الخلاص والأمان، و«الخوذة» ترمز إلى الأفكار المخنوقة و«القط» يرمز إلى السحر وسوء الطالع.. إلخ.