على مدار ثلاثة أيام، نظمت دار الإفتاء المصرية ودور وهيئات الإفتاء في العالم، المؤتمر العالمي الرابع للإفتاء والتي انتهت فعالياته مساء الخميس الماضي، ويقدم الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتي الجمهورية، قراءة تحليلية لأعمال وتوصيات المؤتمر. يقول مستشار المفتي، إنه بالاستقراء لهذا النشاط نجد أن المؤتمر قد تبنى نهجًا تجديديًا متكاملًا، عمل من خلاله على تناول القضايا والمسائل القديمة والمستجدة، وذلك من خلال عنوانه، وهو "التجديد في الفتوى بين النظرية والتطبيق"، وذلك كخطوة سبقتها خطوات من الاستجابة العملية لدعوى ضرورة تجديد الخطاب الديني، والتي أطلقها السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي من قبل. وبالنظر نجد أن الهدف الذي وضعه المؤتمر لتحقيق معالم التجديد هو إصلاح المجال الإفتائي، والعمل على الارتقاء به، ومعالجة سلبياته؛ فقد عالج المؤتمر في عامه هذا الكثير من المحاور التي اندرج تحتها العديد من القضايا والمستجدات العصرية من خلال تبني وضع منهج تجديدي للفتوى يفي بمتطلبات العصر، ويعالج عدة قضايا أهمها التصدي لفكر التطرف والإرهاب، والعمل على محاصرته والقضاء عليه بوصفه من أكبر الأخطار التي تهدد أمتنا في الوقت الحالي. وقد صدرت عن المؤتمر في جلساته الختامية منظومة متكاملة من التوصيات والمبادرات النظرية والعملية، تعالج المجالات الشرعية والاجتماعية والإنسانية والسياسية، وتضعها داخل إطار من تجديد المعاني وتصحيح المفاهيم، وتعمل على حصار وتجفيف منابع الفكر المتطرف وتقضي على مظاهر وجوده. ففي المجال السياسي وما يختص بقضايا الدولة والمجتمع، صدرت عن المؤتمر عدة توصيات تدور حول تفنيد دعاوى المتطرفين وما يصدر عنهم من فتاوى، تتعلق بمفهوم المواطنة والوطنية، وتعمل على ترسيخ أمن الوطن، وتدعم جهود المؤسسات الأمنية في مكافحة التطرف والإرهاب، وتوضح إلى جانب ذلك معاني التجديد العام في مختلف المجالات بما يسهم في البناء الحضاري للأمة. وَدُعِمَتْ هذه التوصيات ووضعتها على طريق التطبيق العملي مبادرة إنشاء منصة إلكترونية متكاملة، تشمل الرد على الفكر المتطرف بكل محاوره، وتعمل على البيان الصحيح لمعالم الإسلام وقيمه، عن طريق تزويد هذه المنصة بالمحاضرات المختلفة التي تعالج العديد من الموضوعات، وتوفر كذلك نوعيات من الدورات التعليمية الشرعية التي تسهم في بناء المعرفة الصحيحة. ولن تكون هذه المنصة قاصرة على اللغة العربية؛ وإنما سوف تظهر بعدة لغات تسهل لها الانتشار العالمي. وفي المجال الشرعي أصدر المؤتمر عدة توصيات تعمل على الارتقاء بالجانب الإفتائي من خلال الاهتمام بالنواحي النظرية والعملية له، وذلك للعمل على الخروج من حالة الفوضى الإفتائية ومحاصرة الفتاوى الشاذة، من خلال التأكيد على الإعداد العلمي المتكامل للقائمين على أمر الإفتاء، وتكوين الملكة الإفتائية المناسبة لقضايا العصر لديهم، وتسلحهم بالعلوم الشرعية والعلوم اللازمة للربط بين المعرفة الشرعية والواقع المحيط، وتفعيل منظومة القيم الحاكمة لإصدار الفتاوى، وبيان معايير الجودة العلمية في مؤسسات الإفتاء. والتأكيد على تفعيل العمل المؤسسي في مجال الإفتاء، والابتعاد عن العمل الفردي، ومد جسور التعاون بين دور الإفتاء والهيئات والمنظمات في المجالات الاجتماعية والإنسانية ومجالات حقوق الإنسان لتبادل المعارف والخبرات. وقد دعم المؤتمر هذه التوصيات بمبادرات عملية تساعد على تحويلها إلى واقع ملموس؛ وذلك من خلال تكوين وإنشاء «المؤشر العالمي للفتوى». والذي يهدف إلى تكوين تصور علمي وعملي صحيح للمشهد الإفتائي في العالم كله والقيام برصده وتحليله وتقويمه، وتقديم التوجيهات والمقترحات ونشرها بين هيئات ودور الإفتاء وجميع المختصين بأمر الفتوى. وكذلك دعم التوصيات عمليًا بالإعلان عن مبادرة «الميثاق العالمي للفتوى»، والذي يهدف إلى إنشاء مدونة متكاملة تجمع المعايير العلمية والأخلاقية اللازمة لمجال العمل الإفتائي، وتحتوي على المكونات العلمية اللازمة لشخصية المفتي، وتعني ببيان آليات إصدار الفتاوى وتكوين منهج متكامل لها، وكذلك مبادرة متكاملة تعني بإنشاء برنامج تأهيلي متعدد المستويات للمتصدين للإفتاء، يعتني بصقل قدرات المتصدين للفتوى، ورفع المستوى العلمي لديهم، ويؤكد على التزامهم بالمنهج الوسطي في الإفتاء، مع مراعاة مقاصد الشريعة وتحقيق صالح الإنسان. وقد تم الإعلان عن صدور المرجع العام للمؤسسات الإفتائية والمتمثل في ثلاث مجلدات، تمثل الدليل الإرشادي للمعايير والأنظمة والقواعد والمهارات التي تحكم منظومة الإفتاء، بما يسهم في مواكبة مجال الإفتاء لسمات التطور الحضاري. وفي المجال الاجتماعي صدر عن مؤتمر هذا العام توصيات تدور حول قضايا الأسرة، وتوضح الكيفية التي يمكن من خلالها قيام المؤسسات الإفتائية تقديم الاستشارات والتدريبات الأسرية اللازمة لنجاح الحياة الأسرية، والعمل على تفعيل نظام لجلسات النصح الأسري يساهم في علاج المشكلات. واهتم المؤتمر هذا العام في توصياته بظاهرة ارتفاع معدلات الطلاق في بعض المجتمعات وعلاجها، من خلال قيام لجان متخصصة تتبع دور الإفتاء مهمتها دراسة هذه الظاهرة وتحليلها وبيان أسبابها ووضع التصور الصحيح لعلاجها، وذلك بالتعاون مع المؤسسات الوطنية التي تعتني بالقضايا الإنسانية والاجتماعية. ويختتم الدكتور إبراهيم نجم، قراءته قائلا إن اجتماع الجانب النظري والعملي هو سمة تميز ت بها توصيات ومبادرات المؤتمر هذا العام والتي استعرضنا جانبًا منها، وهي بلا شك نجاح يضاف إلى نجاحاته السابقة.