شاعرة أوكرانية حالفها الحظ في أن تلعب دورا بارزاً في الأدب الأوكراني من خلال أشعارها وكتاباتها وترجماتها، قبل النهضة المقتولة رميًا بالرصاص؛ على يد القمع البلشفي الذي طال ممثلي موجة النهضة الأوكرانية في الاتحاد السوفيتي آنذاك. شاعرتنا هي "ليسيا أوكراينكا"، التي يسلط عليها الضوء للمرة الأولى في مصر، كتاب طُبع باسمها من إصدارات دار العين، يتناول مختارات من أشعارها ورسائلها، وهذا العمل جاء نتاج وثمرة تعاون أوكراني – مصري؛ حيث ترجم سيرتها الدكتورة أولينا خوميتسكا، والدكتور سمير مُندي؛ وذلك بالرجوع إلى الأعمال الكاملة للشاعرة، والتي صدرت في كييف بين أعوام 1975-1979 في 12 مجلدًا. احتوى الكتاب مقدمة تضمنت خمسة موضوعات هي: الأدب الأوكراني واللغة الأوكرانية، والنهضة المقتولة رميًا بالرصاص، وليسيا أوكراينكا في الأدب الأوكراني، والأدب الأوكراني والأدب العربي، وصورة مصر في شعر ليسيا أوكراينكا، بالإضافة إلى ثلاثة أقسام تضمنت مختارات من أشعار ليسيا أوكراينكا، ورسائلها وسيرة حياتها. وُلدت "لاريسا كوساتش - كفيتا" المعروفة باسم ليسيا أوكراينكا عام 1871 في مدينة زفياهيل الأوكرانية "نوفوهراد-فولينسكي حاليًا" لعائلة مثقفة؛ فالأم كاتبة وناشرة، والأب انصب اهتمامه على تطوير ثقافة البلاد ودعم تطوير النشر بها، وهذا ما سمح لأوكراينكا إتقان العديد من اللغات الأجنبية، بجانب العزف على البيانو ودراسة الموسيقى التي اُضطرت لقطعها بصورة مفاجئة بسبب مرض في العظام لازمها حتى وفاتها عام 1913 وهي في الأربعينات من عمرها. خلال فترة مرضها عكفت ليسيا أوكراينكا على قراءة الأدب وكتابة الشعر والترجمة، وفي سن التاسعة عشرة ألفت كتاب "التاريخ القديم للشعوب الشرقية" فضلًا عن مجموعات شعرية وقصائد ملحمية ومقالات نقدية، ومسرحيات شعرية في شكل حوارات فلسفية بليغة، أشهرها "زوجة بويار". في عام 1901 فُجعت ليسيا أوكراينكا بفقد حبيبها، فوُلدت قصيدتها الدرامية "الممسوسة" من رحم الموت؛ حيث كتبتها بالكامل ذات ليلة وهي بجوار الحبيب وهو يُحتضر، وبذلك أوجدت ليسيا نوعًا أدبيًا جديدًا هو القصيدة الدرامية. نالت مصر قسطًا وافرًا في أشعار ليسيا أوكراينكا، بعدما زارتها نهاية عام 1909 للاستشفاء في مدينة حلوان، وقد تمخضت هذه الزيارة عن تجربة شعرية فريدة سجلتها الشاعرة الأوكرانية في ديوان "الربيع في مصر" لتعكس صورة نادرة لمصر وشعبها -خلال فترة الاحتلال الإنجليزي- في الأدب الأوكراني، وكيف أمكن أن يتمتع هذا الشعب بروح المرح رغم كل ما يعانيه من ألوان الشقاء والظلم، فما وجدت سوى أن هذا هبة إلهية، صاغتها ليسيا في قصيدة "هبة سرية" فقالت فيها: بصوت شجي في حلاوة الغناء، يمتدح الباعة بضاعتهم وهم يحملون بفخر حملهم الثقيل كأنه تاج يستقر فوق الرؤوس الجميلة... من أين يأتي هذا الفرح؟ أتساءل ويتخايل في رأسي أن صوتًا خفيًا يهمس بأسطورة منسية: (كان يا ما كان، لما ولد النيل في الصحراء وضعته أمه في مهد أخضر ثمين) وفي قصيدة "حلم" من الديوان نفسه تصف الشاعرة مصر قائلة: السماء صافية والجو دافئ.. أنحن في مصر؟ نعم، نحن في مصر.. حيث السماء العالية خيمة زرقاء تتلألأ بالضياء آهٍ ما أعلاها! كم أشعر بالحرية والفرح! نعم، إنها مصر... توقف أيها المسافر توقف هنا ولتكن نهاية ضياعك هنا الكتاب الذى حوى جانباً من حياة الشاعرة الأوكرانية ليسيا أوكراينكا، يظهر أنها لم تكن محل تقدير في بلدها فحسب، بل في العديد من بلدان العالم، ولو أن الكثير من أدب أوكراينكا لا يزال يستحق الترجمة، لا سيما ما يتصل منه بالثقافة العربية على وجه الخصوص، وهذا ما وضع لبنته الأولى هذا العمل المشترك بين المترجمة الأوكرانية الدكتورة أولينا خوميتسكا، والمترجم المصري الدكتور سمير مُندي، آملين بهذا أن تمتد جسور الثقافة بين القاهرة وكييف. ليسيا أوكراينكا