صدر عن إقليم جنوب الصعيد، أمس الإثنين، كتاب أدبيات الطفل الشعبية في قنا، للباحث أحمد الجارد، وهو كتاب تناول فيه كافة الألعاب الشعبية التي تتعرض للانقراض في الصعيد، دون توثيق لها، رغم ممارستها من قديم الأزمنة. ويستعرض الجارد في كتابه، اعتراف الكاتب الكبير خيري شلبي، الذي أبدى أسفه على عدم تسجيله الألعاب الشعبية التي كان يلعبها في الصغر، معللا ذلك بانتباهه إلى ما في هذه الألعاب من فن، تقف وراءه خبرات تربوية هائلة، وثقافات وحضارات عنيت بتربية الإنسان وبنائه في معمار نفسي وثقافي اجتماعي عبقري، لا تقل عن المعمار الهندسي في المعابد الفرعونية القديمة. أما الشاعر والمتخصص في الدراسات الشعبية "فارس خضر"، فيذهب إلى أن الألعاب الشعبية في طريقها للاندثار، نتيجة لعوامل كثيرة، يأتي على رأسها انتشار ثقافة التليفزيون، والجلوس أمامه بالساعات دون حركة، فلم يعد هناك وقت ألعاب في الشارع، باستثناء الكرة في الشوارع، ويؤكد خضر أن أبسط مثال على ذلك ليالي رمضان، ففي السابق كانت الشوارع تمتلئ بالأطفال، يلعبون جميع أشكال الألعاب الشعبية، من ألعاب مثل عسكر وحرامية والاستغماية وعروستي، والآن تلك الألعاب غير موجودة، والسبب في ذلك التليفزيون، الذي تجلس أمامه الأسرة ساعات طويلة بلا حركة، كما أن ألعاب الإنترنت والفديو جيم أصبحت أكثر إبهارا للأطفال، فابتعدوا عن الألعاب الشعبية البسيطة، فهي تشكل غزوا كاملا لجميع القيم المصرية القائمة على التسامح، لتدخل ألعاب الفديو جيم وتزرع القيم الأمريكية القائمة على العنف والقتل في مجتمعنا، من خلال هذه الألعاب. ويوثق الجارد في كتابه، لكثير من الألعاب التي مازالت تمارس حتى الآن، والتي انقرضت، حيث يشرح بإسهاب عدد 23 لعبة في الصعيد، منها مجموعة ألعاب يمارسها الأولاد، وأخرى تمارسها البنات، ومجموعة يمكن أن يمارسها الأولاد والبنات معا، مؤكداً أن من أشهر الألعاب هي لعبة القب، ولعبة القب (القنه) كما كانت تسمى في القرية، يتم أخذ خشبة طويلة شبرا أو شبرا ونصف، وتوضع بين حجرين بالعرض، ويمسك اللاعب خشبة طويلة، ويرفع الخشبة الصغيرة بين الحجرين، بالخشبة الطويلة للأعلى، ثم يرمى بها للاعب المقابل، فيمسكها، وإذا لم يمسكها يعني ذلك إصابة الهدف، وتوجد صورة ثانية للعبة، وهي وضع الخشبة على حجرة واحدة، أو طوبة، وتضرب بالخشبة الطويلة فتطير إلى الأعلى، ويركض الأفراد خلفها، ومن يمسكها يأخذ الدور، ويأخذ الخشبة، والخشبة الصغيرة تسمى روس. ويوضح الجارد في كتابه، أن الألعاب الشعبية للطفل في الصعيد تتماشى مع ثقافته، حيث يعيش الطفل في بيئة متعددة ومتنوعة القبائل، مضيفاً أن اللعبة قد تختلف مسمياتها من قرية لقرية أخرى، رغم أنها لعبة واحدة، حيث تحمل مسميات عديدة، مضيفا أن لعبة السبع طوبات تكون كالآتي، بأن يتم رص 7 طوبات فوق بعضها، فإذا استطاع أن يسقط ال7 طوبات يكسب، أما إذا لم يستطع أن يسقط ال 7 طوبات كلها، يلتقط الكرة أحد أفراد الفريق المضاد، ويجرى وراء هذا الفريق، ولو أصاب واحد منهم، يقع فريق هذا الذي أصيب ويخسرون نقطة، وتعاد الكرة بالتبادل، وهكذا، ويقال أنها أصل لعبة البولينج حاليا، بالإضافة إلى لعبة النط الإنجليزي، وهو القفز عاليا. أما لعبة عظيم سرى (سارى)، فهي لعبة محببة عند الشباب، يمارسونها في الليالي القمراء، على ضوء القمر ليلة البدر، وتلعب على مجموعات أو أفراد، بحيث تكون معهم قطعة عظم بيضاء، ويقوم أحدهم برمي العظم بقوة بعيدا عن الأفراد الآخرين، الذين يسارعون للبحث عنه، ومن يجده يصبح "عظيم سري"، ثم ينطلق إلى مكان التجمع أفراد الفريق الخصم، يلحقون به لمحاولة الأخذ منه قبل الوصول، وبذلك تحتسب النتيجة لمن يصل إلى المكان. أما لعبة الحشركة الريفية، التي استعملوا فيها مضارب الكرة، وصنعوها من جريد النخيل المفلطح الطرف، أو سيقان الخيرزان، بجذوره الصلبة، وتلك اللعبة ما هي إلا لعبة الهوكي العالمية بعصيها وطريقة لعبها، وحتى تتحمل الكرة ضربات العصي صلبة الأطراف، فقد هداهم التفكير إلى كسوتها بجلد المعاز، ثم تطورت صناعة الكرات المختلفة الأحجام والأغراض، إلى كسوتها بمختلف أنواع الجلد الحيواني، وبخاصة ما كانوا يستعملونها في الألعاب المائية. أما لعبة التحطيب، فقد ارتبطت بالصعيد بشدة، لأن التحطيب يعلي قيم الرجولة والقوة والشرف، وهي القيم المسيطرة على صعيد مصر حتى يومنا هذا، لذلك تعد لعبة التحطيب مهمة لتكوين شخصية الشاب الصعيدي المقبل على الحياة الشاقة، أما لعبة السيجة فهي أكثر انتشارا في الريف بطول مصر وعرضها، وفي القرية يلعب الرجال" السيجة" وهي عبارة عن حفر يعملونها في كمية من الرمل، يحضرونها خصيصا لذلك، ويحفرون حفر تسعة في تسعة وتسمى "تسعاوية"، أو سبعة في سبعة وتسمى "سبعاوية"، والحفرة التي تتوسط السيجة تسمى "عين الدك"، وتظل خالية، وأدوات اللعب قطع من الطوب اللبن والمحروق، ويلعبها اثنان ياخذ أحدهما عدد أربعين قطعة من الطوب اللبن، ويأخذ الآخر مثلهما من المحروق، وتسمى القطعة كلب، ويضع أولا كل من الإثنين كلابه بمهارة فنية، حتى ينتهي كل منهما من وضع كلابه، وتترك عين الدك خالية، ويسمى الأكل بأن يحرك أحد اللاعبين أحد كلابه إلى عين الديك، وتبدأ المحاورة والمهارة في الأكل حتى تنتهى، والغالب منهما هو الذي أكل كلاب غريمة، ويكون حول اللاعبين فريق من المتفرجين ينقسمون إلى فريقين، كل يشجع صاحبه. وعن لعبة الصيد بالنبلة، يؤكد الجارد بأنها عبارة عن قطعة خشبية على شكل سبعة، أو قطعة حديدية وبها أستك، وكانت لاصطياد العصافير واليمام، أما لعبة الغطيسة، فهي الغطس في الترع أو في النيل، لاستخراج شيء أو عملة يلقيها أحد السباحين من أصدقائه، وعندما يخرجها، يدل ذلك على أنه سباح ماهر، ولديه نفس أطول في السباحة والغوص. أما أشهر ألعاب البنات في الصعيد كما أوضح الكتاب، فهي لعبة طبق زيزي، وهذه اللعبة تمارسها البنات، بحيث تقف بنتان متناسبتان بالطول، وتدير كل منهما ظهرها للأخرى وتتشابكان بالأيدي، ثم تقوم كل منهما بالركوع إلى الأمام، لترفع أختها إلى أعلى فوق ظهرها، وهي تردد "طبق زيزي عيني حمراء"، ولعبة القفة والعيل، بأن تضع طفلا داخل القفة وتغطيها بقماش، وعندما يمر أحد المارة تنادي عليه، والنبي يا عم شيلني، وعندما ينحني، ينط الولد من داخل القفة ويهرب، ولعبة شبر وشبر وغيرها، كما يرصد الكتاب الكثير من الأغاني الشعبية المرتبطة بالطفل، مثل أغاني النوم والسبوع، وغيرها من المظاهر الاجتماعية الشعبية. السيجة والسبع طوبات السيجة والسبع طوبات