يومًا بعد يوم.. تزداد حجم العداوات بين إيران وجيرانها بمنطقة وسط آسيا وبلاد ما وراء النهر، خصوصًا المنطقة التي تجمع طاجيكستان وأفغانستان بوصفها أرضا يعيش عليها أناس يتمتعون بثقافة وعادات وتقاليد وحتى لغة واحدة، ولا تزالان تتحدثان الفارسية التي يتحدث بها أهل إيران، حيث يتحدث الأفغان الفارسية بالحرف العربي، فيما يتحدث الطاجيك بنفس اللغة لكن بالحرف الكريلي الروسي. طاجيكستان وأفغانستان الحديقة الخلفية عند طهران ومن خلال التوحد في الثقافة والعادات فإن طهران تزعم أن تلك الدول هي الحديقة الخلفية لها وإحدى ممتلكاتها، وتتدخل بين الفينة والفينة في شئونهما الداخلية فتدعم الإرهاب المتمثل في القاعدة وحركة طالبان تارة في كابول العاصمة الأفغانية، وتارة أخرى تدعم حزب النهضة الإسلامية ذا المرجعية الإخوانية القطبية في دوشنبه العاصمة الطاجيكية. مظاهرات غاضبة في دوشنبه من التدخل الإيراني وقد شهدت الأيام الماضية؛ مظاهرات حاشدة ووقفا احتجاجية من مواطنين طاجيك، أمام مقر السفارة الإيرانية في دوشنبه، وذلك احتجاجًا على دعم طهران حزب النهضة الإسلامية المحظور، وزعيمه محيي الدين كبيري، الذي يتنقل حاليا بين دول أوروبا. ولقد ردد المتظاهرون شعارات مناهضة لإيران، ورفعوا لافتات وملصقات كتب عليها "إرهابيان كبيران" في إشارة إلى زعيم حزب "النهضة" الإسلامية الذي يمثل جماعة الإخوان المسلمين والتنظيم الدولي في جمهورية طاجيكستان، محيي الدين كبيري، ولافتات أخرى مثل: "لا مكان للحروب الدينية في طاجيكستان"، "يجب إنهاء التعليم الديني في إيران"، "لا تضيعوا أولادنا!"، "لا للعودة الى أعوام 1992-2000!"، و"إحضار أبنائنا إلى البلاد" وغيرها من الشعارات واللافتات الغاضبة التي طالبت بإعادة الطلاب الطاجيك الذي يدرسون في إيران. كانت سلطات طاجيكستان قد أحبطت انقلابًا على النظام الحالي في سبتمبر 2015، قاده نائب وزير الدفاع السابق عبد الحليم نظرزادة المحسوب على حزب النهضة الإسلامي مع عدد من كوادر الحزب، حيث تم تصفية نظرزادة فيما هرب قيادات الحزب على رأسهم محيي الدين كبيري خارج البلاد، كما أنه من المعروف أن الحزب كان يتشارك مع الحكومة في 30% من الحقائب الوزارية والمناصب العامة بناءً على اتفاقية الكرملين في موسكو 1997 التي نصت على تلك المحاصصة نظير إيقاف الحرب الأهلية. خبرة في إشعال الحرائق وتتميز إيران بخبرته قديمة في إشعال نار الحرب الأهلية في مناطق مختلفة، ومنها جمهورية طاجيكستان حيث نفذت إيران تلك الجريمة بأيدي إرهابيي حزب النهضة بين عامي 1992-1997، مستغلة حالة الفوضى التي عمت البلاد بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، حيث إن هناك علاقات تاريخية تربط بين نظام الملالي وحزب النهضة، حيث دعمت إيران مقاتلي حزب النهضة الإرهابي في الحرب الأهلية التي أخرت انطلاق الدولة نحو البناء والتنمية سنوات عديدة. وتظهر من الفيديوهات المنتشرة وشهادات شهود العيان في وسائل الإعلام أن إيران قد قامت بتمويل ودعم اغتيالات سياسيين وعلماء وصحفيين أثناء الحرب الأهلية في هذا البلد الواقع في آسيا الوسطى في فترة التسعينات. وانطلاقا من هذه التجربة الغنية، فإن قادة الحرس الثوري الإيراني والجهات الأمنية الإيرانية عملوا خلال الفترة على نشر التشيع بين شباب حزب النهضة المتواجدين بالدول الأوروبية، وترسيخ عقيدة الشيعة الإمامية الإثنى عشرية لديهم، مقابل دعمهم ماليًا ولوجيستيًا وتدريب عناصرهم على فنون القتال في القواعد العسكرية الإيرانية بمناطق الصراع مثل سوريا والعراق ولبنان وأفغانستان، بهدف القضاء على النظام الدستوري والوطني من خلال الأعمال التخريبية ما يعتبر خيانة للوطن والدين. كما أشرف الحرس الثوري على نقل مقاتلي حزب النهضة، المصنف كجماعة إرهابية في طاجيكستان في وقت سابق، إلى داخل الأراضي الأفغانية لتهديد أمن واستقرار دوشنبه، ودول أسيا الوسطى المجاورة، وهو ما يشكل تهديدا مباشرا على روسيا الاتحادية أيضا. مرجعية حزب النهضة وعلى الرغم من قبول 70% من شباب النهضة الطاجيكي فكرة التشيع، إلا أن المصلحة لم تمنع كون مرجعيتهم الدينية استمدوها من أفكار سيد قطب التي تعرفوا عليها عن طريق طلاب العلم الذين قدموا إلى القاهرة للدراسة في الأزهر الشريف، وتمكنوا من جلب كتب بعض من مؤسسي جماعة الإخوان في بلد نشأة التنظيم مصر، بينها كتب حسن البنا وسيد قطب في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، حيث استهدفت التنظيمات الإرهابية مثل الجماعة الإسلامية جماعات الجهاد التي انسلخت من عباءة الإخوان منطقة وسط آسيا وجبال القوقاز استنادًا لأفكار سيد قطب المتطرفة لأنها مناطق غنية بالنفط والثروات الطبيعية. وعلى الرغم من أن الدين الإسلامي منتشر في معظم تلك البلاد على المذهب السني الحنفي الوسطي والمتسامح، وذلك منذ دخول الإسلام لها خلال القرن الثامن الميلادي كجزء من حركة الفتوحات الإسلامية في المنطقة، إلا أن تلك الأفكار التكفيرية قد وجدت رواجًا لها في ظل حالة التجريف السياسي والديني الذي عاشته تلك البلاد في عهد الحقبة السوفيتية وتعطش أهلها للاقتراب من الإسلام بعد التحرر من الاتحاد السوفيتي والاستقلال عنه مطلع التسعينات. ومنذ نشأته على يد الشيخ عبد الله نوري يتخذ حزب النهضة "الإسلام السياسي"، ستارًا لعمله الذي لا يستهدف إلا لخراب وزعزعة استقرار الدول، وتجلى ذلك في شهر سبتمبر عام 2015م بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها بقيادة الجنرال عبد الحليم نظرزاده نائب وزير الدفاع (الملقب ب "حاج حليم") والمحسوب على الحزب، وكشف بذلك عن الوجه الحقيقي أمام المجتمع الدولي، أن هدفهم السيطرة على الحكم وإقصاء الفصائل الأخرى، وليس الدين ونشره وتطبيق حدود الله كما كانوا يدعون، ما أدى الى إصدار حكم من المحكمة العليا بحظر أنشطة الحزب في طاجيكستان وادراج اسم الحزب في قائمة المنظمات الإرهابية المتطرفة من قبل منظمة معاهدة الأمن الجماعي ومنظمة شنغهاي للتعاون. ومع اندحار التنظيمات الإرهابية في سوريا، قامت إيران بنقل المئات من مقاتلي حزب النهضة إلى حدود أفغانستان مع طاجيكستان، لتشكل بذلك تهديدا للدولة الطاجيكية، وخلال العام الماضي، تم رصد أماكن وجود عناصر للجماعات الإرهابية في الجزء الشمالي من أراضي أفغانستان، الذي كان في السابق منطقة هادئة، ويحاول تنظيم داعش، وجماعة أنصار الله، وحزب النهضة الإرهابي وغيرها من الجماعات الإرهابية المتطرفة بناء القواعد العسكرية التدريبية من أجل زيادة التأثير على الدول آسيا الوسطى. كبيري في مؤتمر الوحدة الإسلامية بطهران التوتر بين طاجيكستان وإيران، بدأ خلال فعاليات مؤتمر الوحدة الإسلامية بطهران في عام 2016م، حيث استضاف الإيرانيين، زعيم حزب النهضة الإسلامي محيي الدين كبيري، والذي التقى الزعيم الروحي الإيراني أية الله على خامنئي، ما أدى إلى اعتراض الحكومة الطاجيكية بوصف كبيري زعيم منظمة إرهابية تشكل خطرا على الأمن القومي الطاجيكي. كبيري يشرح خطة هجوم مسلح بدعم إيراني وقد ذكرت تقارير في طاجيكستان، أن محيي الدين كبيري، كشف أمام حضور الاجتماع المغلق الأخير لحزب النهضة الإسلامي في وارسو العاصمة البولندية، عن خطة هجوم مسلح على الحدود الطاجيكية الأفغانية بدعم من إيران، مستغلا عملية نقل الإرهابيين ومسلحي الجناح العسكري للحزب الذي كانوا موزعين على التنظيمات المسلحة في سوريا والعراق، إلى تلك المنطقة من الحدود، بعدما جعلتهم المعارك في الدولتين العربيتين متمرسين على القتال. إيران تدعم مليشيات طالبان نظام الملالي الإيراني لم يكتف بذلك، بل انتقل إلى الجارة الأخرى، أفغانستان، حيث تسبب في استمرار حالة الفوضى التي تسود البلاد منذ الغزو الأمريكي للبلاد عام 2001، ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، فإن إيران ترسل طائرات هليكوبتر محملة بالأسلحة وتلقيها في مناطق سيطرة طالبان، والإشراف على عمليات تجارة المخدرات التي تقوم بها، بهدف مساعدتها على زعزعة الأمن والاستقرار الأفغاني، فضلا عن مساعيها لتخريب الأسواق الأفغانية والترويج للسلع الإيرانية بدلا منها، فضلا عن سرقة مياه أفغانستان، ومحاولة تفجير السدود الأفغانية. رجال إيران داخل أفغانستان وسائل الإعلام الأفغانية المعترف بها، تنشر يوميا تقارير حول "الإرهابيين الإيرانيين" المتواجدين في مدن أفغانستان، حيث أعلن قائد شرطة مكافحة الإرهاب فضل الرحمن خادم في وقت سابق خلال مؤتمر صحفي، أن ثلاثة رجال إيرانيين من مدينة مشهد الإيرانية قد اعتقلوا في مدينة هرات الأفغانية، واتهموا بالمشاركة في الهجمات الإرهابية التي قتلت على أثره العديد من القادة المحليين، كما قال في نفس المؤتمر الصحفي إن "العديد من قادة طالبان يشنون هجمات إرهابية في منازل المدنيين في مدينة هرات"، مضيفًا أن هدف الإرهابيين هو "قتل الشخصيات البارزة في المدينة وخلق حالة من انعدام الأمن". إيران تستهدف سد "سلمى" الأفغاني مبعث ما تقوم به طهران ليس فقط مساعي السيطرة، لكن يشعر الإيرانيون بالقلق البالغ بسبب مساعي أفغانستان لإقامة سد "سلمى" على أحد الأنهار الذي يغذي محافظة خراسان شرق إيران، بهدف إحداث تنمية في منطقة هرات غربي البلاد، حيث يعد سد سلمى، الذي شيد بدعم مالي من الهند مشروعا تنمويا كبيرا وأكبر خزان مياه في غرب أفغانستان منذ انهيار حكم طالبان في عام 2001، وقد نشرت تقارير أفغانية تتهم إيران بمحاولة تفجير السد، ووفقاً لأحد التقارير، اكتشفت قوات الأمن الأفغانية "سيارة مزودة بالمتفجرات وعثر بداخلها على ملابس الحرس الثوري الإيراني". وفي يوليو2017، اتهم مجلس منطقة غور الإيرانية بتزويد حركة طالبان بمساعدات مالية وعسكرية لتخريب "سد سلمى"، وهو الادعاء الذي رفضته إيران، وقبل شهر واحد، قتلت طالبان العديد من قوات الأمن الأفغانية في هجمات على سد سلمى، وقد نسبت عمليات القتل بشكل غير مباشر إلى إيران، التي نفت مرة أخرى هذا الادعاء. وتذكر مجلة النيويورك تايمز الأمريكية، في تقرير لها أوجه الشبه بين إيران والمقاطعات المجاورة لأفغانستان مؤكدة أن ملايين الأفغان يعيشون في إيران وخارجها منذ الاحتلال السوفيتي عام 1979، وأنه لطالما كان شعب هرات الأفغاني ومقاطعات خراسان الإيرانية متصلين بطرق مختلفة، بما في ذلك أوجه التشابه في اللكنة والمظهر، وينطبق الشيء نفسه على الأقاليم الأفغانية المتاخمة لباكستان أو دول آسيا الوسطى. كما أشارت المجلة الأمريكية إلى أن إيران وطالبان تستفيدان من تجارة المخدرات، ووفقاً لمكتب الأممالمتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يتم الاتجار بالهيروين والأفيون بقيمة 28 بليون دولار سنوياً عابرا من أفغانستان إلى أوروبا الغربية عن طريق إيران، وتسبب ذلك في انتشار المخدرات في إيران، ما شكل قلقًا للنظام حيث وصل عدد المدمنين إلى 2.8 مليون مواطن حالة من القلق، ويكشف ذلك عن الدور الإيراني البارز في تهريب المخدرات.