تبقى الموسيقى التصويرية للأعمال الدرامية لونًا واضحًا ضمن لوحة تشكيلية كبرى تملؤها كثير من الألوان بتدريجتها المختلفة، ولعل السنوات الماضية كانت الموسيقى فيها قلبًا نابضًا ومفعمًا بالحيوية لعدد من الأعمال الهامة التي تركت بصمة واضحة مع الجمهور، وازدادت جمالية المعزوفة اللحنية في السنوات الأخيرة من خلال الحديث عن عنصر الموسيقى وأثره الكبير على أذن المشاهد، الذي بات يهتم بها أكثر من أي عنصر آخر داخل العمل الفني. وفي العام الحالي، فإن هناك خمسة موسيقيين صنعوا مجددًا للأعمال التي شاركوا فيها، وكانوا هم الحدث الأبرز فيها، وفي مقدمة هؤلاء الموسيقار تامر كروان، الذي بات واحدًا من التشكيل الأساسي في صناعة ونجاح الدراما المصرية في سنواتها الأخيرة.. كروان الذي يفاجئ مستمعيه من عام لآخر بالكنز الكبير الذي يخبئه في خزينة إحساسه ومشاعره التي يتعامل فيها في ترجمة العمل الفني، كلًا حسب تصنيفه الدرامي، ليخرج علينا بتجربة موسيقية محملة بالإجتهاد في التوفيق بين رؤية الفنان الموسيقية وخبرته العقلية والمفعمة بالوعي، واحترام ذوق المشاهد الذي بات مرتبطًا بموسيقاه من عمل لآخر. كروان يخوض تحديًا كبيرًا في هذا العام، من خلال تقديمه لموسيقى عدد من الأعمال الفنية، في مقدمتها "اختفاء" الذي يطغى عليه طابع الإثارة والتشويق من ناحية، بخلاف تلك الشجن والرومانسية التي يتضمنها العمل، ففي الأول يزداد المشاهد تعلقًا بمشاهد المسلسل التي تبحث فيها بطلته عن خيوط في قضية اختفاء زوجها، وتلعب الموسيقى دور المداعب لعقل المشاهد، هنا تستثيره من أجل وضعه في تأزم البطلة أكثر بإيقاعات لحنية عصرية وسريعة، وفي رحلة أخرى بالماضي مع موسيقى كروان الساحرة يضع الجيتار والكمان هدفًا لاجتذاب أذن المشاهد خلال المشاهد الرومانسية التي جمعت بين محمد علاء وزوجته نيللي كريم في الماضي، مضيفًا عليها روح الحقبة الستينية التي يتحدث عنها. يستمر تألق كروان بموسيقى تحمل روح المرح وأجواء البهجة الخاصة بالصيف، ضمن أحداث مسلسل "بالحجم العائلي" للفنان يحيى الفخراني، والتي تتميز بالرق والطبلة تماشيا مع أحداث العمل الذي صورت أحداثه في منطقة العلمين، ويستكمل كروان إبداعه في موسيقى مسلسل "ضد مجهول"، ولعل أبرز ما في هذا العمل موسيقى الشجن التي غلبت عليها آلة الناي وزادت جماليتها في مشهد تغسيل البطلة غادة عبدالرازق لابنتها بعد اغتصابها ووفاتها. التميز الذي يحرزه كروان من عام لآخر، يؤكد حرصه على تقديم اللحن والجاذب والمختلف الذي يترك فيه بصمته بقوة، بحيث يصبح المشاهد يعرف أن هذه المعزوفة تنسب له، فالموسيقار يبحث عن التطوير وإدخال ومزج الإيقاعات الشرقية مع الغربية من عام لآخر. كعادته في تقديم إيقاع موسيقي تذهب معه الروح إلى أفق آخر، يقدم خلاله ما هو أعمق من رصد الدراما على الشاشة، يقدم الموسيقار هشام نزيه تتر مسلسل "ليالي أوجيني"، الذي تصدر منصة الأفضل بين التترات المقدمة هذا العام، والذي صاحبه صوت نسمة محجوب، ويحمل روحًا وإيقاعاً تشير لعبق الماضي تماشيا مع الحقبة الأربعينية التي تدور فيها أحداث العمل. بعيدًا عن جمالية التتر، والذي ارتكز على العزف على آلة الكمان، فإن موسيقى نزيه تضفي روحًا خاصًا على العمل، بل إنها سبب رئيسي في تعلق المشاهد به، خصوصًا مع الآت الوترية الخفيفة التي وضعها على المشاهد الرومانسية، ورغم أن أغلب موسيقى المسلسل تعتمد بالأساس على آلة الكمان، وهو ذكاء من مؤلفها، نظرًا لطبيعة الحقبة الزمنية، إلا أنه أضفى عليها إيقاعات وتناغمات جعلت منها متعة بين مشاهد الإثارة والرومانسية. أما أمين بو حافة التونسي، الذي أصبحت موسيقاه علامة بارزة في الدراما بسنواتها الأخيرة، فيزداد وهجه هذا العام بموسيقى مسلسل "السهام المارقة"، والذي تدور أحداثه عن دولة الخلافة الإسلامية المزعومة، يطلق العنان بموسيقاه المتفردة بين مشاهد يغلب عليها الدموية من جراء وحشية النظام المتطرف، وأخرى ترصد لحظات إنسانية شديدة الخصوصية بين الأبطال. يحترف أبو حافة التغلغل بموسيقاه داخل النفس البشرية للمشاهد، الذي يلمس روحه بإيقاعات رومانسية عصرية، تحمل قدرًا من الوجع والشجن في العلاقات بين الأشخاص تحرك المشاعر، وتعبر عنها بجمالية واضحة ويستكمل تميز الموسيقار بتلك النغمات التي تحمل إيقاعًا سريعًا تزداد معها سرعة نبضات القلب في مشاهد العنف والإثارة بما تحمله من قتل ودموية. موسيقي بارع يجعل من مسلسل شديد التميز تميزًا أكبر له، وكأنه يؤكد أن موسيقاه هي بطل أساسي ضمن الشخصيات الرئيسية للعمل..محمد مدحت الذي أبدع في موسيقى مسلسل "الرحلة"، وجعل منها بطلًا ينتظره المشاهد من حلقة إلى أخرى بل من مشهد إلى آخر. في كل مشهد من "الرحلة"، يتقمص مدحت دور الرسام الذي ينثر ألوانه عبر لوحة بيضاء كبيرة، ويبدأ في تشكيل موسيقاه التي رغم انحصارها في آلات وترية معينة كالعود، وهو البطل الرئيسي والمعبر لحالة الشجن التي يعيشها الأبطال، إلا أنه نجح في هذه الحالة الموسيقية شديدة الخصوصية في إضفاء وهج خاص على هذه الحالة النفسية التي يعيشها الأبطال، وتبدو موسيقى مدحت هنا وكأنها طفل صغير يداعب ويلمس بأنامله روح كل مشاهد للعمل وينقب في عقل أبطاله، وتخبطهم النفسي الواضح. وأخيرًا ساري هاني، أحد المبدعين في مسلسل "أبو عمر المصري"، والذي يخوض تحديًا في الجمع بين عصريته في المشاهد التي يقدمها بطل العمل في الوقت الحالي، وصراع رحلته في الصحراء والمخاطر التي تحيطه، ويعود في الماضي بإيقاع يحمل قدرًا طفيفا من هذه العصرية المنسوجة بالشجن في الفترة القديمة التي يتحدث عنها العمل بداية من الثمانينات من القرن الماضي. والمميز أيضًا في موسيقى ساري هاني، النقلات السريعة بين موسيقى الإثارة والشجن والحزن، بل القلق الذي يعيشه البطل وسط أحداث يملؤها التوتر والبحث المستمر، هذا بالإضافة إلى الإيقاعات اللحنية المميزة والمتنوعة، والتي تمتع أذن المشاهد دون أن تعطي له صوتًا محددًا لآلة معينة بعينها، وهو نجاح وت آخر من صاحبها. كل هؤلاء المبدعون هم نجومًا لدراما رمضان الحالي وإن كانت كثير من الأعمال دونهم لفقدت قدرًا كبيرًا من تميزها الذي أضفوه عليها بشكل واضح.