لا خلاف على أن رمضان أصبح شهرا لرواج المسلسلات التليفزيونية التى تضعنا أمام موضوعات درامية متنوعة منها الاجتماعى ، الكوميدى الساخر ، الاثارة والتشويق ، التاريخى ، والعاطفى ، وقد وصل عدد المسلسلات المصرية فى هذا العام إلى ثلاثة وثلاثين مسلسلا تقريبا وهو عدد أقل من اجمالى عدد المسلسلات فى شهر رمضان للعام المنصرم. جميع هذه المسلسلات ترتبط بشارة أو تتر موسيقى لبدايتها ونهايتها لكل منهم حالته الخاصة التى تميزه عن الآخر ، ومن خلال موسيقى التترات وأغنياتها يتسابق نجوم التأليف الموسيقى والتلحين والغناء للوجود فى هذا الشهر الفضيل. وفى السطور التالية نلقى الضوء على ظواهر تترات المسلسلات الرمضانية وتناولها بالتحليل والنقد. ..................................................................... عمرو اسماعيل الأوفر حظا : وضع المؤلف الموسيقى عمرواسماعيل تترات مسلسلات أربعة وهو بذلك يعتبر الأوفر حظاً من حيث الكم وكانت تلك المسلسلات هى : مسلسل «طاقة نور» وتترا المسلسل غنائيان من كلمات مصطفى الجزار الذى وضعها فى قالب صوفى ، غناء المنشد على الهلباوي. تتر المقدمة أغنية طرقت باب الرجا التى جاءت فى نغمات مقامات نهاوند ولمس الراست وحجاز فى ميزان ثنائى بسيط، مزج فيها المؤلف الموسيقى بين آلات البيانو والناى والدفوف والكورنو النحاسي، ولم تعكس هذه الأغنية بكلماتها والآلات العازفة أى دلالة لشخصيات العمل الدرامى أو البيئة التى تدور فيها الأحداث. تتر مسلسل «عشم ابليس» موسيقى أيضاً يتكون من ثلاث أفكار فى نغمات مقام نهاوند ، الفكرة الأولى هى نفسها الأخيرة والتى تتسم بنوتات ممتدة متصلة من مجموعة الوتريات الذى تحاور فيها التشيللو مع مجموعة الفيولين وقد أعطت إنطباعا سمعيا بالهدوء النفسي. الفكرة الثانية إيقاعية زمنها أسرع من الفكرة الأولى نسبيا عزفتها مجموعة الوتريات مجتمعة وهى التى تعكس الصراع فى الأحداث .تتر مسلسل «كفر دلهاب» موسيقى يتكون من أربعة أفكار لحنية فى نغمات مقام نهاوند ، الفكرة الأولى اعتمدت على مؤثرات صوتية و كلمات طلسمية بصوت نسائى توحى بالغموض مع مصاحبة من نغمات آلة الهارب ومجموعة الوتريات و الفلوت بشكل هارمونى ، وفى نهاية هذه الفكرة يؤدى كورال الرجال لحنا جديدا بمصاحبة آلة فيولين ونقرات آلة التيمبانى الإيقاعية. الفكرة اللحنية الثانية تبدأ بنقرات قوية من آلة التيمبانى بموتيفات إيقاعية شاذة تنذر بالخطر وتدل على شذوذ الأوضاع فى المسلسل ، تعزف فيها مجموعة الفيولين تيمة لحنية متوترة نتيجة العزف المتقطع بالقوس فى ميزان ثلاثى بسيط بمشاركة غناء الكورال المختلط فى مواضع محددة من اللحن وفى نهاية هذه الفكرة تدخل إيقاعات معاصرة من صندوق الإيقاعات الالكترونى بعيدة عن أجواء العمل الدرامى وروح موسيقى التتر بشكل عام. الفكرة الثالثة يبدأ لحنها بطيئا نسبيا لعودته الى الميزان الرباعى البسيط عزفت فيها مجموعة الوتريات، الدفوف بنقرات شاذة مع بعض آلات الطرق المعدنية ، عزف من آلات النفخ النحاسى (الكورنو والتوبا) ، كل هذه العناصر أكسبت لحن هذه الفكرة قوة وتوترا نسبيا، وقد تشابه توظيف الآلات والمؤثرات الصوتية فى هذه الفكرة مع جزء من موسيقى مشاهد فيلم الفيل الأزرق لمؤلفها هشام نزيه. التتر الرابع الذى وضعه عمرو اسماعيل كان لمسلسل «خلصانة بشياكة» الذى يتكون من فكرة لحنية واحدة فى نغمات مقام نهاوند ونقرات ايقاع الروك وتنويع عليه ، وقد لعبت فيها صفارة الصوت البشرى دورا رئيسيا فقد لعبت التيمة الرئيسية للحن فى أجزاء متعددة من موسيقى التتر بمصاحبة مجموعة الوتريات. لحن تتر النهاية هو نفسه لحن تتر البداية بتنويع عليه فى عناصر الإيقاع حيث ظهرت نقرات الملفوف الشعبى بدلا من الروك ، سرعة اللحن تزايدت ، وتم تخصيص أجزاء لغناء الكورال المختلط ، وعزف منفرد لآلة الباص جيتار. محمد مدحت يلفت الانتباه : محمد مدحت مؤلف موسيقى ظهر اسمه منذ عدة أعوام من خلال تترات مسلسلات بدون ذكر أسماء و آه من حواء ، وفى هذا العام يلفت الانتباه من خلال موسيقى ثلاثة تترات مسلسلات الأول: مسلسل «30 يوم» التتر فكرة لحنية واحدة فى نغمات مقام نهاوند وميزان ثلاثى بسيط ، اعتمد فيها على مزيج من آلات فرق الجاز والباند الغربى والأوركسترا وهى بحسب ترتيب ظهورها : الساكس فون ، البيانو ، مجموعة الوتريات ، الجيتار الأسبانى ، الهارب. وقد ظهر فى اللحن خطين لحنان متداخلان لمجموعة الوتريات بشكل بوليفونى أحدهما ذو نغمات ممتدة ناعمة والآخر ذو نوتات متقطعة بعزف القوس تعطى انطباعا سمعيا بالتوتر والقلق ، تتكرر الفكرة اللحنية بتنويعات عليها خلال التتر الذى انتهى بقفلة تامة تُنبئ بنهاية مأساوية تامة لأحد طرفى الصراع الدرامى فى المسلسل. تتر المسلسل الثانى هو «الحالة ج» الذى يتكون من ثلاثة أفكار لحنية فى نغمات مقام نهاوند وميزان رباعى بسيط ، الفكرة الأولى اعتمدت على خطين لحنين متداخلين بشكل بوليفونى بين مجموعة التشيللو ومجموعة الفيولين للتعبير عن صراع ما . الفكرة اللحنية الثانية نجد أنفسنا أمام لحن ناعم هادئ فى أجوائه العامة تعزفه مجموعة الوتريات والبيانو ، ينتهى التتر بقفلة موسيقية غير تامة وهى قفلة تشويقية تعطى للمتلقى انطباعا سمعيا بتوقع جميع الاحتمالات فيما يتعلق بأحداث المسلسل. التتر الثالث كان لمسلسل «كلبش» وهو يتكون من ثلاثة أفكار فى نغمات مقام نهاوند وميزان ثنائى بسيط ، الفكرة الأولى من اللحن تبدأ بنقرات إيقاعية قوية مستوحا من المارش العسكرى للدلالة على وظيفة بطل المسلسل (ضابط شرطة) يلحق بها عزف آلة التشيللو بتيمة لحنية ثم آلة الهارب ثم أصوات كورال الرجال الصناعية بالمقطع (ها) ، تتكاثف بعدها أصوات الطبول الإيقاعية ويظهر صوت مطرب منفرد بالمقطع (آه) للتعبيرعن الألم ثم يتراجع شدة صوت جميع ماسبق ليتصدر عزف صولو فيولين وكأنها معادل موضوعى لشخصية بطل المسلسل. الفكرة اللحنية الثانية أكثر رومانسية وهدوءا من الأولى حيث تبدأ بلحن جديد فى نغمات مقام كرد تعزف فيه آلات البيانو ، مجموعة الفيولين ، الهارب ، مع نقرات إيقاعية ، تنتهى هذه الفكرة بالعودة لنغمات مقام نهاوند لعود اللحن إلى الفكرة الأولى مرة ثانية التى تنتهى بقفلة غير تامة فتعطى المتلقى انطباعا سمعيا بالنهايات المفتوحة ، موسيقى التتر تدل على حالات إنفعالية متباينة تعبر عن شخصية بطل المسلسل. مصطفى الحلوانى وثلاثة تترات : مصطفى الحلوانى اسم لمع خلال السنوات الماضية فى مجال التأليف الموسيقى وقد وضع هذا العام تترات ثلاث مسلسلات ، المسلسل الأول «الحصان الأسود» الذى يتكون اللحن من فكرة واحدة فى نغمات مقام نهاوند وميزان رباعى بسيط ، تتر المسلسل الثانى هو «ظل الرئيس» الذى يتكون من ثلاث أفكار لحنية فى نغمات مقام نهاوند ، الفكرة الأولى اتسمت بالقوة لعزف آلات النفخ النحاسى بمصاحبة نقرات آلة التيمبانى فيها. الفكرة الثانية تعددت فيها الخطوط اللحنية التى عزفتها مجموعة الوتريات بشكل بوليفونى ليعبر عن الصراع الدرامى فى أحداث المسلسل ، ويلاحظ أن هناك تشابه بين توظيف الصوت البشرى فى موسيقى هذا التتر وموسيقى تتر مقدمة مسلسل «ونوس» من تأليف أمين بو حافة فى العام المنصرم. تتر المسلسل الثالث هو «الحرباية» ، يتكون لحن التتر من فكرة موسيقية واحدة فى نغمات مقام نهاوند وميزان رباعى بسيط ، نفذتها آلات جمعت بين آلات الأوركسترا السيمفونى وآلات الفرقة العربية. عادل حقى يغنى فى هربانة منها : المؤلف الموسيقى عادل حقى وضع موسيقى تترى مسلسلين كوميديين هما تتر مسلسل «عفاريت عدلى علام» الذى تكون من فكرتين لحنيتين ، الفكرة الأولى بدأت بغناء صوت بشرى نسائى لنغمات فى المنطقة الصوتية الحادة توحى بأجواء غيبيات الجن والعفاريت التى هى جزء أساسى فى دراما المسلسل، ثم تتكاثف هذه الأصوات لتصبح كورالا مشترك يصاحبها نغمات مجموعة الوتريات ، تدخل بعد ذلك التيمة الموسيقية الأساسية.الفكرة الموسيقية الثانية جاءت أبطأ نسبيا فى سرعتها من الأولى بنقرات إيقاع مستوحى من المارش العسكرى يغنى فيها الكورال المختلط بالتحاور والتتابع والتوحد بحروف طلسمية بمصاحبة عزف مجموعة الوتريات والكورنو إحدى آلات النفخ النحاسى ونقرات التيمبانى لإعطاء اللحن قوة ، ثم يعاود لحن الفكرة الأولى ذى الطابع الكوميدى فى الظهور لينتهى التتر فيه. وقد عبرت موسيقى عن الأفكار الدرامية الرئيسية فى المسلسل بشكل جيد. التتر الثانى كان لمسلسل «هربانة منها» والذى تكون من ثلاثة أفكار ، الفكرة الأولى ذات طابع غربى فى نغمات مقام نهاوند ونقرات إيقاع فوكس تروت السريع الراقص وعزف من آلات الباند مع أصوات مجموعة الوتريات الصناعية. الفكرة اللحنة الثانية ذات طابع عربى جاءت فى نغمات مقام حجاز ونقرات إيقاع البمب المعروف شعبيا بالفلاحى المصرى عزفتها آلات الناى والأكرديون إلى جانب بعض آلات الباند الأخري. الفكرة اللحنية الثالثة تنتمى إلى موسيقى العشوائيات المعروفة شعبيا بالمهرجانات ، تعدد أفكار اللحن عبر بشكل جيد عن تعدد الشخصيات الدرامية لبطلة المسلسل. الكبار بين العودة والمفاجآت : هناك بعض الأسماء الكبيرة فى مجال موسيقى تترات المسلسلات ولعل من أبرزهم الموسيقار عمر خيرت الذى اقترنت موسيقاه بتترى مسلسل الجماعة الجزء الثانى الذى كان هو نفسه تتر الجزء الأول ،وقد تكون من فكرة لحنية واحدة تفاعل بها المؤلف ونوع عليها فى نغمات مقامى كرد ونهاوند وميزان ثلاثى بسيط ، استخدم فيها آلات الأوركسترا مجموعة الوتريات ، آلات النفخ النحاسى ، البيانو، ونقرات آلة التيمباني، وظهرت البوليفونية فى الخطوط اللحنية للتعبير عن هذه الصراعات السياسية والإجتماعية التى يرصدها المسلسل. تتر مسلسل «واحة الغروب» تأليف تامر كروان تكون من ثلاثة أفكار لحنية فى نغمات مقام نهاوند مستخدما فيها آلات آلة الطمبورة ، مجموعة الوتريات ، آلة الكورنو النحاسية ، الدفوف ، والمؤثرات ، وآداء غنائى بصوت المنشد وائل الفشنى حفيد الشيخ طه الفشنى الذى تغنى بكلمات من التراث الغنائى الصعيدى «سافر حبيبى وداخل لى يودعني»، وصوت منشد آخر بغناء أمازيغى ، وقد نجح كروان بشك رائع فى التعبير عن أجواء واحة سيوة التى تدور فيها أحداث المسلسل من خلال موسيقاه.تتر مسلسل «الزيبق» أعاد لشاشة التليفزيون مودى الإمام الذى وضع لحنه فى ثلاثة أفكار لحنية فى نغمات مقام نهاوند ، وتنوعت فيه الموازين مابين رباعى بسيط وآخر من الإيقاعات الشاذة العرجاء ، كان التتر مختلفاً خاصة وأنه اعتمد على أصوات الآلات الصناعية ولكن حاول من خلالها التعبير عن أجواء المطاردة وعدم الإستقرار بالموسيقي.ومن الأسماء الجديدة التى ظهرت فى مجال موسيقى تترات المسلسلات هذا العام كان أشرف البرنس الذى وضع تترى مسلسل «وضع أمني» بشكل جيد ينبأ بإمكانية منافسته فى هذا المجال فى السنوات القادمة.