تحت حرارة تصل إلى 42 درجة مئوية، يحمل رام ناريش وابنه أكياس تحتوي على زجاجات بلاستيكية وأوراق جرائد وغيرها من النفايات التي جمعاها من شركات ومطاعم في منطقة "كونات بليس" وهي الحي التجاري الرئيسي بالعاصمة الهنديةنيودلهي. ومن أجل كسب قوت يومهما، يخوض الاثنان وسط أكوام القمامة طوال ساعات في زقاق ضيق، حيث يعكفان على فرز أنواع المخلفات المختلفة من أجل استخدامها في مصانع إعادة التدوير. ولا يعمل ناريش لدى هيئة النظافة البلدية في نيودلهي، بل إنه ينتمي إلى فئة "الكاباديوالا"، وهي كلمة هندية تعني "رجل القمامة"، وهو واحد من بين مئات الآلاف من أمثاله في الهند الذين يساعدون البلاد في معركتها ضد القمامة. وتنتج الهند 62 مليون طن من القمامة سنويا، من بينها قرابة 11 مليون طن من المخلفات البلاستيكية. وبالرغم من تعدادها البالغ 3ر1 مليار نسمة، لا تعتبر الهند من كبرى دول العالم في مجال التلويث بالبلاستيك، ويرجع الفضل في ذلك جزئيا إلى جيشها الضخم من رجال القمامة. وتقول تشيترا موخيرجي من منظمة "تشيتان" المتخصصة في مجال الأبحاث البيئية ومقرها بالعاصمة نيودلهي، إن الهند لديها واحد من أعلى معدلات إعادة التدوير في العالم، وإن ما بين 60 إلى 70 بالمائة من أنشطة إعادة التدوير لديها تجري بشكل غير رسمي. ويعمل ما يقدر بمليون ونصف مليون عامل في هذا القطاع الذي لا يخضع لإدارة الدولة، وأغلبهم من فئة "الكاباديوالا" الذين لا يشعرون أنهم يحصلون على ما يستحقونه من تقدير. ويقول ناريش "الخدمات التي نقوم بها تنطوي على فائدة كبيرة للشعب والحكومة، والجميع يعرف مدى أهمية دورنا، ولكن لا أحد يعترف بالإسهام الذي نقدمه". وأضاف: "إنك تسمع إشادة كبيرة بحملة "هند نظيفة"، التي تدعو للنظافة وتحسين الصحة العامة، ولكننا لا نحصل على أي دعم من الحكومة". وينحدر ناريش من أسرة فقيرة تعمل في مجال الزراعة، وبدأ رحلته في مجال جمع القمامة قبل 34 عاما عندما كان يبلغ من العمر 12 عاما فحسب. ويحقق ناريش دخلا جيدا بالمقارنة بغيره من جامعي القمامة يصل إلى 15 ألف روبية في الشهر (222 دولارا)، وهو دخل جيد أتاح له بناء منزل لنفسه في الضواحي. وذكر ناريش، أنه مع وجود أجهزة الكمبيوتر، تراجع معدل استهلاك الورق، ولكن استهلاك البلاستيك ارتفع بشكل كبير. ويجمع ناريش وابنه أكثر من ثلاثة آلاف كيلوجرام من القمامة شهريا، وهو يدفع ثلاث روبيات لكل كيلوجرام من القمامة المختلطة، وعشرة روبيات لكل كيلوجرام من القمامة الورقية والمخلفات البلاستيكية. وعندما ينتهيان من فرز القمامة، فإنهما يبيعان تلك المخلفات إلى مستودع في ضواحي المدينة نظير 13 روبية للكيلوجرام الواحد. وفي ذلك المستودع، يجري فرز المخلفات البلاستيكية، يدويا مرة أخرى، إلى عدة فئات. وتعمل مجموعة من النساء في عملية الفرز، تحت ساتر من مادة المشمع، لحمايتهن من قيظ الشمس. ويقوم تاجر مخلفات أكبر آخر بشراء تلك القمامة، حيث بسحق الزجاجات البلاستيكية ويجمعها في بالات ضخمة ويبيعها إلى مصنع إعادة التدوير، ويحقق هذا التاجر ربحا يصل إلى عدة روبيات إضافية نظير الكيلوجرام الواحد. ويجري بعد ذلك إعادة تدوير البلاستيك لصنع زجاجات بلاستيكية جديدة وألعاب أطفال وعبوات تغليف و منسوجات صناعية مرنة. ويقول براشانت رانا وهو صاحب مصنع "جرين أو تيك سيرفيس" لإعادة التدوير في نيودلهي، إن كثيرا من الزجاجات البلاستيكية لا يعاد تدويرها، بل يتم استخدامها بشكل غير قانوني. ويتم تعبئة كثير من هذه الزجاجات بمياه الصنابير أو الخمور محلية الصنع وتباع في الأسواق الريفية. ويعيش كثير من جامعي القمامة حياة متواضعة على هامش المجتمع، وعادة ما تقتصر ممارسة الوظائف الوضيعة مثل جمع القمامة على الطبقات الدنيا مثل الداليت والأقلية المسلمة. وتسود نظرة سلبية تجاه جامعي القمامة باعتبارهم يفتقرون إلى النظافة، ويقوم رجال الشرطة بالتمييز ضدهم ويعتدون عليهم بالضرب، كما يشتبهون بضلوع رجال القمامة في ارتكاب سرقات صغيرة، ويطالبونهم بدفع رشاوى من أجل السماح لهم بمزاولة مهنتهم. وكل بضعة أشهر، يفرض مجلس البلدية غرامة بقيمة 500 روبية على ناريش بتهمة إلقاء القمامة في مكان عام، كما أنه يدفع رشاوى شهرية بقيمة 300 روبية تقريبا، على حد قوله. وتقول موخيرجي، إن الكاباديوالا يمثلون العامود الفقري لمنظومة إعادة التدوير في الهند، غير أنهم يتعرضون للتهميش والاستغلال، مضيفة: "تكمن المشكلة في أن كل من الحكومة والناس يعتقدون أن جامعي القمامة يجعلون مدنهم قذرة، وهذا سخف بالكامل، فإننا جميعا نتسبب في هذه القذارة لأننا لا نقوم بفرز قمامتنا". ولا تمتلك السلطات البلدية في نيودلهي أي بيانات بشأن القطاع غير الرسمي لإعادة تدوير المخلفات في المدينة، ولا عن جامعي القمامة أو مصانع إعادة التدوير أو كمية المخلفات البلاستيكية التي يتم جمعها، حسبما يقول ديفندر كومار، المسؤول في مجال البيئة. ومن الشائع في مختلف أنحاء الهند أن ترى مشاهد القمامة متناثرة في مكان مفتوح، بينما تقتات الماشية على المخلفات البلاستيكية. وتقول موخيرجي، إنه يتعين على الحكومة أن تعترف بالعمل الذي يقوم به جامعو القمامة عن طريق توفير ساعات عمل منتظمة لهم وأجور ورعاية صحية، مضيفة أن إعطائهم صفة رسمية سوف يؤدي إلى تحسين منظومة إدارة المخلفات في البلاد. وفي الحقيقة، طرحت الحكومة عام 2016 قوانين جديدة تتضمن الاعتراف رسميا بهذا القطاع، ولكن لم يتم تنفيذ هذه القوانين كغيرها من القوانين المقترحة التي لا تنفذ، مثل حظر استخدام الأكياس البلاستيكية في بعض الولايات. ويعتبر التلويث بالبلاستيك هو الفكرة الرئيسية ليوم البيئة العالمي هذا العام الذي تستضيفه الهند غدا الخامس من يونيو. قبل حلول هذه المناسبة، تعهدت الهند بالاضطلاع بدور رائد في المعركة التي يخوضها العالم ضد التلويث بالبلاستيك، وأعلنت أن هذه المشكلة تمثل "حالة طارئة عالمية". ودعا رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي مؤخرا مواطنيه إلى التوقف عن استخدام البلاستيك ومن المقرر إطلاق حملة تستمر لمدة عام اعتبارا من يوم الخامس من يونيو لإزالة المخلفات البلاستيكية من الاماكن العامة والأنهار والشواطئ في مختلف أنحاء البلاد. كما تعتزم الهند إطلاق مبادرات مثل الاستفادة من المخلفات البلاستيكية في مشروعات مثل بناء الطرق على سبيل المثال، بما في ذلك المخلفات البلاستيكية التي يجمعها الصيادون من المحيط. وأزاحت مدينة مومباي مؤخرا النقاب عن ما أطلقت عليه اسم اكبر عملية تنظيف شاطئ في منطقة فيرسوفا. وبعد الانتهاء من رفع المخلفات، تم رصد عمليات فقس بيض سلاحف بحرية على الشاطئ للمرة الأولى منذ عشرين عاما، وهو ما آثار سعادة السكان المحليين وخبراء البيئة.