رصد بعض أخطاء النواب تحت قبة البرلمان ليس من قبيل تصيد الأخطاء، بقدر ما هو محاولة لتحليلها، ومعرفة أسباب تكرارها، وذلك عملًا بالمثل الشعبي "لا تذم ولا تشكر قبل سنة وستة أشهر". فمن المعروف أن نائب البرلمان الحقيقي هو من يأتي بتأييد شعبي ووعى سياسي كافٍ لإدراك حقيقة الأوضاع سواء على المستوى الخارجي أو الداخلي اقتصاديًا واجتماعيًا، على أن يملك ثقافة قانونية تسمح له باقتراح التعديلات التشريعية التي تخدم الشعب بعيدًا عن مصلحة فئات معينة كما كان يحدث في السابق. والآن ومع مضي نحو 45 يومًا من بدء فعاليات مجلس الشعب، وفي ظل تكرار المشادات والمواقف المثيرة للجدل من بعض نوابه تحت قبة البرلمان، بدءًا من حلف اليمين في الجلسة الأولى، مرورًا بآذان ممدوح إسماعيل، وسب زياد العليمي، واتهامات بكري، وخرطوشة أبو حامد الشهيرة، ورفض محمد الكردي للغة الإنجليزية (لغة الكفار)و"ترامادول"النائب رزق حسان الذي اتهم المعتصمين بأنهم بلطجية ويتعاطون شريط مخدر ترامادول يوميًا. وكذا مشادات بعض النواب مع الوزير جودة عبد الخالق، فقد رأت (بوابة الأهرام) إلقاء الضوء على أبرز هذه المواقف، وعرضها على بعض نواب مجلس الشعب وغيرهم من المتخصصين، لتقييمها ومعرفة مدى تأثيرها على المواطن المصري وهل ستقلل من ثقته في نوابه أم لا؟ وكذلك معرفة هل البرلمان المصري بمنأى عن برلمانات العالم أم هذه الأحداث متكررة فيها؟. قال الدكتور محمد إبراهيم منصور، مدير مركز الدراسات المستقبلية التابع لمجلس الوزراء ل"بوابة الأهرام": لاشك أن انتشار بعض المشادات والمشاغبات داخل البرلمان يثير بلبلة في أوساط الرأي العام، وأضاف أن البرلمانات حديثة العهد بالديمقراطية تحدث بها مثل تلك المشاغبات على نطاق واسع لدرجة قد تصل في بعضها للتراشق بالكراسي والألفاظ، على عكس الوضع في البرلمانات الراسخة التي مارست العمل البرلماني من 200 سنة. أوضح منصور أن أسباب حدوث مثل هذه الأمور داخل البرلمان، قد يرجع لأن البعض يلجأ لإثارة موضوعات من قبيل (العنتريات) أو حب الظهور والشهرة أو ما يسمى(بالشو) وأن البعض الآخر قد يعاني من (المراهقة الثورية) التي تدفعه للتصرف بتصرفات تبدو ثورية ولكنها في الحقيقة مندفعة وغير رشيدة وتفتقد إلى الثورية. وعن تقييمه للبرلمان بشكل عام وتصوره عما إذا كانت مواقف بعض النواب تقلل من ثقة الشعب في نوابه، أكد د. جمال قريطم، وكيل لجنة الشئون العربية بمجلس الشعب، أن البرلمان يرتقي لطموح الشعب، وأن النواب متوافقون مع أبناء دوائرهم، ولكن المشكلة تكمن في أن إيجابيات البرلمان لم تغط إعلاميًا بالشكل الجيد، في مقابل تأجيج وإثارة البلبلة لمواقف بعض النواب تحت القبة. وأضاف قائلا: "أنا لا أقلل من حجم هذه الأخطاء، ولكن لابد وأن تسير الأمور في نصابها الطبيعي، بحيث لا نقيم الدنيا ولا نقعدها في حالة وجود خطأ من أحد النواب، فأي ديوان في الوزارة مثلًا قد يتعرض لمثل هذه الأمور، ولكن ساعتها سيحاسب المخطئ رسميًا وبالشكل الذي يستحقه. وبحكم تخصصه في الشئون العربية قال قريطم إنه فوجئ بل وصدم في أثناء التقائه بأحد الوفود العربية في الخارج من أفكارهم السلبية عن مصر بالأخص فيما يتعلق بالحالة الأمنية، والاختطاف في الشوارع والاعتداء على السيدات وغير ذلك في إشارة منهم –أي الوفود-إلى أن معلوماتهم مستقاة من إعلامنا المصري!. بل والأشد غرابة بالنسبة لقريطم -كما يقول- هو سيل الأسئلة التي ساقها إليه الصحفيون الكويتيون عن (البلكيمي) في أثناء سفره مؤخرًا مع وفد من مجلس الشعب إلى الكويت، فرد قائلا: "إن مصر ليست البلكيمي أو غيره". وأشار قريطم إلى أن تغطية الأمور الإيجابية والتي تعيد لمصر مكانتها التاريخية وتعزز من شأن مواطنيها مثل حل مشكلة الحولات الصفراء في العراق، والتحرك الفعال في قضية حوض النيل وحل مشكلات غزة الغارقة في الظلام والتي ستؤثر سلبًا على الأمن القومي المصري -إذا لم تحل- وغيرها من الإيجابيات سوف تسهم في عدم شعور المواطن المصري بحالة من الإحباط مما يسمعه، لأنه سيعرف وقتها أن النواب يدافعون عن قضاياه ومشكلاته، خاصة أن اللجان المختلفة داخل المجلس تعمل بكامل طاقتها منذ بدابة تشكيلها. " طبيعية" هكذا وصف النائب بمجلس الشعب د.عماد جاد ما يحدث تحت قبة البرلمان من بعض نوابه، قائلًا : إن الأحداث التي عايشها المجلس تعد طبيعية بالنسبة لمجتمع يمارس الحرية لأول مرة، لاسيما وأن 80% من أعضائه يدخلون البرلمان لأول مرة وفي ظل مرحلة انتقالية صعبة. واتفق د.عماد مع د.منصور في أن برلمانات مثل جنوب شرق آسيا وروسيا وأوكرانيا، يحدث بها قدر عالٍ من المشادات قد تصل للاشتباك بالأيدي، مضيفا أن مسألة سب الرئيس أو توجيه انتقادات له أمر قد يحدث في برلمانات مختلفة، بينما عمليات التجميل -في إشارة للنائب البلكيمي – ورفع الآذان بالمجلس من الأمور التي ينفرد بها البرلمان المصري. وعن تزايد الأخطاء الواردة من النواب السلفيين داخل المجلس، أرجعت الدكتورة هالة مصطفى، رئيس تحرير مجلة الديمقراطية، ذلك لافتقار حزب النور السلفي لبرنامج سياسي واضح، مؤكدة أن تلك البلبلة تعود إلى حداثة التيار السلفي في ممارسة السياسة مباشرة، لكن تظل –برأيها- متعمدة وغير عفوية، وأضافت مصطفى أن تصريحات نواب النور خارج السياق العام ستفقده مصداقيته وثقة ناخبيه. أكدت الناشطة السياسية إسراء عبد الفتاح، أن موقف بعض النواب في أثناءحلف اليمين أعطانا إحساس بأن النواب لم يلتزموا بما يجب الالتزام به منذ أول موقف، وأن ذلك خارج عن نطاق المسموح به. وقالت: إن موقف النائبين العليمي وبكري يعطي انطباعًا بأن من يخطئ في الحاكم يُحاكم بينما من يُخطئ في المواطن لا يُحاسب. وأضافت، أن الأسوأ من ذلك هو الحفاوة والمباركات التي لقيها بكري من النواب السلفيين بعد قرار عدم التحقيق معه، كما لو كنا –على حد قولها- في مولد. وبوجه عام ترى إسراء، أن الغالبية العظمى من نواب البرلمان لم يعوا معنى البرلمان، وماهية حقوقهم وواجباتهم تحت القبة. وعن مضابط الجلسات في المجلس وما تسفر عنه اجتماعات اللجان داخل المجلس، انتقدت إسراء بشدة عدم وجود موقع إلكتروني للبرلمان على الإنترنت حتى الآن على الرغم من أن الثورة المصرية قامت على التكنولوجيا!. وحول تأثير قناة "صوت الشعب " في لفت الأنظار للعديد من القضايا تحت قبة البرلمان، أكد الأستاذ الدكتور علي عجوة، عميد كلية الإعلام جامعة القاهرة سابقا "للبوابة"، أن القناة لفتت الأنظار لكثير من الموضوعات المثيرة للرأي العام في مصر، وبصفة خاصة جلسات حلف اليمين، ورفع الأذان. مضيفا أن هذا التركيز على بعض القضايا قد يكون في صالح العملية الديمقراطية، لاسيما وأننا نمر في مرحلة تطور تحتاج إلى نضج، وتسليط الأضواء هذا برأيه يساهم في تحقيق النضج المطلوب. وعن رأيه في أكثر القضايا التي لقيت انتشارًا واسعًا في وسائل الإعلام المختلفة، قال عجوة إن موضوع النائب العليمي يأتي على رأس هذه الموضوعات التي سببت ضجة، وكذلك موضوع التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني.