أثارت نشرة البنك الدولي عن إستراتيجية العمل المؤقتة بمصر خلال عامي 2012 و2013، انتقادات الخبراء الاقتصاديين الذين وصفوها بالمتحيزة للقطاع الخاص على حساب الفقراء ومحدودي الدخل. وقال الخبراء إن ما يعرضه البنك من خطط للمشروعات والتنمية بمصر وتركيزه على مجالات بعينها تعتبر إستراتيجية مكررة وسياسة تقليدية لعمل البنك فى الدول المختلفة المتحيزة دائمًا للقطاع الخاص، مؤكدين أن الفائدة الوحيدة من تنفيذ تلك الإستراتيجية هي حصول الإقتصاد المصري على شهادة صلاحية تشجع المستثمرين والدول الخارجية على الوثوق بإقتصاد الدولة. كان البنك الدولي قد أصدر نشرة عن إستراتيجية العمل المؤقتة بمصر خلال الفترة من أول يونيو 2012 إلى 31 يونيو 2013، عبر العمل على 3 مجالات رئيسية،أولها مساعدة الحكومة فى إحتواء عجز موازنتها بتخفيض بنود الإنفاق الذي يفتقر إلى الكفاءة وتحسين توجيه برامج الدعم المكلفة من خلال الاستعانة بالتجارب الدولية فى هذه المجالات، والدخول فى حوار بشأن شبكات الأمان والتحويلات النقدية المشروطة وتسعير الطاقة ودعم الوقود. وطالب البنك باتخاذ خطوات لتحسين قدرة القطاع الخاص على قيادة النمو وخلق فرص العمل من خلال تعزيز قدرة الفئات المحرومة من الحصول على التمويل، وتحسين البيئة التنظيمية المواتية للإستثمارات ومؤسسات الأعمال الخاصة، وتوفير المزيد من الطاقة الكهربائية وتحسين خدمات البنية الأساسية، وإصلاح النظام التعليمي بحيث يصبح أكثر موائمة لإقتصاد السوق، فضلاً عن إتخاذ خطوات لتحسين القدرة على الحصول على الخدمات الاجتماعية، من خلال التركيز على مناقشة السياسات وبناء القدرات والإجراءات التى يمكن إتخاذها على الأمد القصير بغرض توسيع نطاق القدرة على الحصول على خدمات التأمين الصحي والخدمات الأساسية بصعيد مصر، كقطاعات الطاقة، والمياه، والتعليم، والصحة والحماية الاجتماعية. وأشار الدكتور عيسى فتحي، الخبير الاقتصادي، إلى ضرورة التفريق بين البنك الدولي الذي يساعد فى عمليات التنمية والبناء والتعمير ويعالج أزمات لها طابع طويل الأمد، وبين صندوق النقد الذي يمنح قروضًا لحل مشكلات قصيرة الأجل، مضيفا أن البنك طبقًا لإستراتيجيته يمكنه تقديم معونة فنية لمصر لتصميم البرامج التى يمكن تنفيذها ويسهل الحصول على موارد سواء كانت قروضًا منه أو من أماكن مختلفة. وأكد فتحي أن الأمر الإيجابي من إستراتيجية عمل البنك هو الإهتمام الذي يعيره إلى مصر وضرورة خروجها من مرحلة عدم الإستقرار الإقتصادي والسياسي، مشيرا إلى أنها ملزمة بتقديم برنامج إقتصادي يتماشى مع ما طرحه البنك حتى يتم تنفيذه على أرض الواقع، قائلاً: أعتقد أن لتاريخ بدأ الإستراتيجية مدولولاً واضحًا، فالبنك حدد بدأ العمل من يونيو 2012 أي بعد إجراء انتخابات الرئاسة؛ ليكون هناك رئيسا ومؤسسات حقيقية فى الدولة واستقرار سياسي". وأضاف أن البنك الدولي يعمل وفق نظرية إقتصادية معينة لا يمكن أن تخرج عنها إستراتيجية العمل المؤقتة بمصر، وهي الحفاظ على ألا تخرج الدولة خارج مسار الإقتصاد الحر أو اقتصاد السوق، على حد تعبيره. وأوضح رضا عيسى، الخبير الاقتصادي، أن مصر اقترضت ما يقرب من 8 مليارات دولار بعد الثورة من جهات مختلفة، ولم تعلن الحكومة عنها شيء، مشيراً إلى أن البنك الدولي طرح إستراتيجية العمل للنقاش قبل تنفيذها كنوع من الشفافية، فى الوقت الذي تخفيه فيه الحكومة المصري كل المعلومات التى نحتاج إلى معرفتها. وأضاف أن البنك يطالب بموازنة انكاشية لتنفيذ إستراتيجيته، فى حين أن الدكتور كمال الجنزوري، رئيس الوزراء، تحدث بمجلس الشعب عن ميزانية توسعية، وهذا كله بسبب عدم شفافية الحكومة وسينعكس فى الموازنة القادمة التى ستكون من أسوأ الموازنات. وأشار إلى أن البنك له شروط جوهرية يفرضها قبل بدء تنفيذ أي مشروع، من بينها إلغاء دعم الطاقة، وتطبيق قانون القيمة المضافة بدلا عن قانون ضريبة المبيعات، وهو ما يحمل القيمة المضافة على المستهلك بعيدًا عن أرباح الشركات، وتلك هي أجندة البنك الولي المعروفة طوال الوقت. ولفت عيسى إلى أن الخطورة تكمن فى أن معظم القروض الخارجية بما فيها قروض البنك الدولي مرتبطة بقانون 67 لسنة 2010، وهو قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وهو ما يسمح، للقطاع الخاص بعمل مشاريع بنية أساسية وبيعها للدولة، مشيراً إلى أن المادة الأولى من القانون تعفي القطاع الخاص من المناقصة ويتم إسناد العمل له بالأمر المباشر. وبين "عيسى" أن البنك لا يهتم إطلاقا بالعدالة الإجتماعية ودائمًا متحيز للقطاع الخاص، قائلا: مفيش دولة فى العالم طبقت روشتة البنك الدولي حصل عندها تنمية، الدول التى تعافت بعد الأزمات هي التى زودت نسبة إدخارها المحلي". وأكد الدكتور محمود عبد الحي، رئيس قسم البحوث الإقتصادية بالمعهد القومي للتخطيط، أن البنك الدولي دائما ما ينحاز للقطاع الخاص وتخفيض النفقات حتى ولو على حساب محدودي الدخل، مؤكدا أن الميزة الوحيدة لإستراتيجية عمل البنك بمصر هي إعطاء شهادة صلاحية للاقتصاد المصري، مما يشجع المستثمرين والدول الخارجية لإستثمار وإقراض مصر. وأضاف "عبد الحي" أن ماطرحه البنك فى خطته هو سياسة مكررة، لكن ترشيد النفقات ضروري لكن ليس على حساب محدودي الدخل، وتشجيع القطاع الخاص ضروري لكن يجب ربطه بتشغيل الناس وتوفير فرص عمل مقبولة بأجور تضمن الحد الأدنى للفرد وهي تقريبا 1200 جنيه، وأن تكون الحكومة لديها الوعي وتسمح بأن يحقق القطاع الخاص هامش ربح ضعف سعر الفائدة السائدة فى السوق، لكن أن يحقق أرباح تصل إلى 50 أو 60 أو 100% كما يحدث طول الوقت فهذا جشع من القطاع الخاص ويجب أن يقنن"، مشيرًا إلى ضرورة إقامة علاقات إقتصادية سليمة وهو دور الحكومة التي تعمل بعد الثورة بإعتبارها مفاوض حريص على العدالة الاجتماعية بعكس حكومات النظام السابق.