يعجبك في كتاب د. نجم كاظم، الناقد المعروف من العراق الشقيق، أنه أجرى مسحًا شاملًا للروايات العربية التي تصور العلاقة العربية الأمريكية، وليست الروايات العراقية وحدها، كما يفعل بعض النقاد العرب، الذين لا يتجاوز الناقد منهم حدود دولته، وحتى أن بعضهم لا يتجاوز المدينة إذا كان مدنيًا، أو الريف إذا كان ريفيًا، لدرجة ترى معها أن ليس الغرب هو وحده الذي يجزئنا، بقدر ما نجزئ نحن أنفسنا إلى مِلل ونِحل. وبعكسهم كان هذا الكتاب النقدي النوعي الفائدة، "أمريكا والأمريكي في الرواية العربية"، الواضح والبسيط التناول، وفي الوقت نفسه، الزاخر بالمعلومات وبالمعرفة، الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- 2016 م، والمهدى إلى مؤسسة الفكر العربي.. والمزين بغلاف الفنان زهير أبو شايب، والذي أهداه لي مشكورًا. نقرأ في القسم الأول من هذا الكتاب الشيق السهل الممتنع عن "الروائي والعوامل المؤثرة في النظرة إلى الغرب"، و"الكتابة الروائية عن الغرب"، وفي القسم الثاني نقرأ عن: صورة الشخصية المريبة، صورة المرأة الأمريكية...." وفي القسم الثالث نقرأ عن روايات عربية تمثلت أمريكا والأمريكي. وكمثال على "صورة الأمريكي القبيح" نقرأ في مقدمة الكتاب، في صفحة 11، ما يلي: "سنة 1898 اجتاحت القوات الأمريكيةالفلبين بدعوى جلب الديمقراطية إليه، وعندما قاومها الفلبينيون، خاطب الجنرال الأمريكي سميث جنوده قائلاً: إنني لا أريد أسرى.. أريدكم أن تحرقوا وتقتلوا، وكلما زدتم في الحرق والقتل، جلبتم السرور إلى قلبي". وفعلًا ارتكبت القوات الأمريكية حينئذ جرائم بشعة، مستخدمة ضد الفلبين الحرب الجرثومية، فنشرت بينهم الكوليرا وقتلت مئات الألوف منهم، ليكتب الجنرال الأمريكي بعد ذلك رسالة إلى رئيسه قائلًا فيها: "أطمئنكم بخلو البلاد من المقاومين الفلبينيين، لأنه لم يعد أصلًا من وجود للفلبينيين". وفي الفصل الأول تحت عنوان: "الروائي والعوامل المؤثرة في النظرة إلى الغرب" يقول نجم كاظم إن معظم هذه الروايات كتبت استيحاءً لتجارب حقيقية لكُتابها، كما هي حال توفيق الحكيم وسهيل إدريس وميسلون هادي (وهذه الروائية العراقية هي زوجة الناقد د.نجم كاظم)، وكذلك الروائي الطيب صالح، وعبد الرحمن منيف وآخرين، هؤلاء كتبوا روايتهم من خلال تجارب ربما عاشوها هم بأنفسهم، وعانوا مشكلاتها، فكتبوا في قضايا "الاحتلال وقضايا الاستعمار، - الاستدمار- منذ حملة نابليون، وعن العلاقات المختلفة بين العرب والغرب، من تجارية ودبلوماسية، وكانت البعثات الدراسية قد دفعت بعض المبعوثين للكتابة في هذا المجال، مثل طه حسين في "أديب" وتوفيق الحكيم في "عصفور من الشرق" وسهيل إدريس في "الحي اللاتيني" و ماهر البطوطي في رواية "الفتوحات الباريسية". والسبيل الرابع هو هجرة بعض العرب إلى الغرب والإقامة فيه مثل جبران خليل جبران، الطيب صالح، سميرة المانع، غائب طعمة فرمان، وأهداف سويف في "عين الشمس". والمؤثر الخامس حسب تصنيف الناقد هو السياحة والسفر المتبادل. وأخيرًا وليس آخرًا: القراءة والاطلاع التلفازي، والسينمائي، وغيرها من مؤثرات. وهذه العوامل خلقت المعايشة والاختلاط وعلاقات الروائي. فأنتجت روايات مثل: "قنديل أم هاشم" ليحيى حقي، "السفينة" لجبرا إبراهيم جبرا، و"عصفور من الشرق" لتوفيق الحكيم. وكذلك الاستعمار والوجود العسكري الأجنبي، كما في رواية نجيب محفوظ "زقاق المدق" وكوليت خوري "ومرّ صيف". ولا ننسى الاحتلال الصهيوني لفلسطين القادم بمواقف فكرية استعمارية مسبقة عن العرب، حيث الموقف الأمريكي المساند لإسرائيل في احتلالها لبلاد العرب. وكذلك الخلفيات الفكرية والسياسية والاجتماعية المؤثرة في نظرة الكتاب العرب إلى الغرب. ولقد عممت وسائل الاتصال والإعلام والثقافة المباشرة وغير المباشرة كالسماع عن تحلل الغرب الأخلاقي، إذ نادرًا ما تجد ضمن الشخصيات النسوية الغربية امرأة سوية أو متزنة، أو شريفة بمفهوم الشرف العربي، حتى ولو كانت زوجة عربي هناك، كما في رواية "ليلة في قطار" لعيسى الناعوري، ورواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للطيب صالح، وغيرها. وفي الفصل الثاني من الكتاب، بعنوان "الكتابة عن الغرب والغربيين روائيًا" صفحة 36، يقول نجم كاظم: "إن الكتابة الروائية عكست صدمة اكتشاف الآخر الأوروبي منذ وقت مبكر، منذ المرحلة الأولى، التي سبقت الحرب العالمية الأولى". وأما المرحلة الثانية – ما بعد الحرب العالمية الأولى- التي شهدت التأسيس الفني للرواية العربية، فأهم أعمالها "عصفور من الشرق" 1938 لتوفيق الحكيم، و"قنديل ام هاشم" 1944، ليحيى حقي، "الحي اللاتيني" 1953 لسهيل إدريس، و"تلك الرائحة" 1964 لصنع الله إبراهيم، و"موسم الهجرة إلى الشمال" 1966 للطيب صالح، محاولة فهم واستيعاب عقلي ووجداني عميق للصدمة الغربية،فكانت النتيجة -حسب رأي العالِم النفسي كارل يونغ- إما سلبية وذلك بالهروب من واقع الصدمة، أو امتصاص الصدمة وتجاوزها. وكانت المرحلة الثالثة هي إنتاج روايات امتدادًا من نكسة حزيران امتدادًا إلى حرب الخليج، جاءت متقدمة في تطور الرواية العربية، وأكثر استيعابًا لعلاقة الشرق والغرب وحيثياتها، فجاءت تتلمس رؤية العرب للغربيين، وتنميط شخصية الغربي والكتابة الروائية عنها، والتي استمرت حتى زمن العولمة الحالي. وذكر المؤلف ثماني عشرة رواية تحت هذه المرحلة، نذكر منها: "الحفيدة الأمريكية" 2008، لأنعام كجه جي، "أمريكا" 2009، لربيع جابر، "بروكلين هايتس" لميرال الطحاوي. ولم ينته الكتاب عند هذا الحد، حيث لا تتسع المساحة للمقال. .... (كاتب أردني)