5 دول لن تشهد انتخابات مجلس الشيوخ.. سوريا والسودان وإسرائيل أبرزهم    محافظ القليوبية يتابع أعمال النظافة ورفع الإشغالات بالخصوص    الرئيس الإيراني يبدأ زيارة رسمية إلى باكستان السبت لتعزيز التعاون الثنائي    ملك المغرب يعطي تعليماته من أجل إرسال مساعدة إنسانية عاجلة لفائدة الشعب الفلسطيني    الرئاسة الفلسطينية: مصر لم تقصر في دعم شعبنا.. والرئيس السيسي لم يتوان لحظة عن أي موقف نطلبه    فرنسا تطالب بوقف أنشطة "مؤسسة غزة الإنسانية" بسبب "شبهات تمويل غير مشروع"    القوات الأوكرانية خسرت 7.5 آلاف عسكري في تشاسوف يار    البرلمان اللبناني يصادق على قانوني إصلاح المصارف واستقلالية القضاء    تقرير: مانشستر يونايتد مهتم بضم دوناروما حارس مرمى باريس سان جيرمان    عدي الدباغ معروض على الزمالك.. وإدارة الكرة تدرس الموقف    خالد الغندور يوجه رسالة بشأن زيزو ورمضان صبحي    راديو كتالونيا: ميسي سيجدد عقده مع إنتر ميامي حتى 2028    أبرزهم آرنولد.. ريال مدريد يعزز صفوفه بعدة صفقات جديدة في صيف 2025    مصر تتأهل لنهائي بطولة العالم لناشئي وناشئات الإسكواش بعد اكتساح إنجلترا    جنوب سيناء تكرم 107 متفوقين في التعليم والرياضة وتؤكد دعمها للنوابغ والمنح الجامعية    تحقيقات موسعة مع متهم طعن زوجته داخل محكمة الدخيلة بسبب قضية خلع والنيابة تطلب التحريات    محافظ القاهرة يقود حملة لرفع الإشغالات بميدان الإسماعيلية بمصر الجديدة    نيابة البحيرة تقرر عرض جثة طفلة توفيت فى عملية جراحية برشيد على الطب الشرعى    مراسل "الحياة اليوم": استمرار الاستعدادات الخاصة بحفل الهضبة عمرو دياب بالعلمين    مكتبة الإسكندرية تُطلق فعاليات مهرجان الصيف الدولي في دورته 22 الخميس المقبل    ضياء رشوان: تظاهرات "الحركة الإسلامية" بتل أبيب ضد مصر كشفت نواياهم    محسن جابر يشارك في فعاليات مهرجان جرش ال 39 ويشيد بحفاوة استقبال الوفد المصري    أسامة كمال عن المظاهرات ضد مصر فى تل أبيب: يُطلق عليهم "متآمر واهبل"    نائب محافظ سوهاج يُكرم حفظة القرآن من ذوي الهمم برحلات عمرة    أمين الفتوى يحذر من تخويف الأبناء ليقوموا الصلاة.. فيديو    ما كفارة عدم القدرة على الوفاء بالنذر؟ أمين الفتوى يجيب    القولون العصبي- إليك مهدئاته الطبيعية    جامعة أسيوط تطلق فعاليات اليوم العلمي الأول لوحدة طب المسنين وأمراض الشيخوخة    «بطولة عبدالقادر!».. حقيقة عقد صفقة تبادلية بين الأهلي وبيراميدز    النزول بالحد الأدنى لتنسيق القبول بعدد من مدارس التعليم الفني ب الشرقية (الأماكن)    لتسهيل نقل الخبرات والمهارات بين العاملين.. جامعة بنها تفتتح فعاليات دورة إعداد المدربين    محقق الأهداف غير الرحيم.. تعرف على أكبر نقاط القوة والضعف ل برج الجدي    وزير العمل يُجري زيارة مفاجئة لمكتبي الضبعة والعلمين في مطروح (تفاصيل)    هيئة الدواء المصرية توقّع مذكرة تفاهم مع الوكالة الوطنية للمراقبة الصحية البرازيلية    قتل ابنه الصغير بمساعدة الكبير ومفاجآت في شهادة الأم والابنة.. تفاصيل أغرب حكم للجنايات المستأنفة ضد مزارع ونجله    الشيخ خالد الجندي: الحر الشديد فرصة لدخول الجنة (فيديو)    عالم بالأوقاف: الأب الذي يرفض الشرع ويُصر على قائمة المنقولات «آثم»    تمهيدا لدخولها الخدمة.. تعليمات بسرعة الانتهاء من مشروع محطة رفع صرف صحي الرغامة البلد في أسوان    ليستوعب 190 سيارة سيرفيس.. الانتهاء من إنشاء مجمع مواقف كوم أمبو في أسوان    تعاون مصري - سعودي لتطوير وتحديث مركز أبحاث الجهد الفائق «EHVRC»    كبدك في خطر- إهمال علاج هذا المرض يصيبه بالأورام    محافظ سوهاج يشهد تكريم أوائل الشهادات والحاصلين على المراكز الأولى عالميا    الوطنية للصلب تحصل على موافقة لإقامة مشروع لإنتاج البيليت بطاقة 1.5 مليون طن سنويا    وزير البترول يبحث مع "السويدى إليكتريك" مستجدات مجمع الصناعات الفوسفاتية بالعين السخنة    هشام يكن: انضمام محمد إسماعيل للزمالك إضافة قوية    ضبط طفل قاد سيارة ميكروباص بالشرقية    حملة «100 يوم صحة»: تقديم 23 مليونًا و504 آلاف خدمة طبية خلال 15 يوماً    انطلاق المرحلة الثانية لمنظومة التأمين الصحي الشامل من محافظة مطروح    SN أوتوموتيف تطلق السيارة ڤويا Free الفاخرة الجديدة في مصر.. أسعار ومواصفات    خبير علاقات دولية: دعوات التظاهر ضد مصر فى تل أبيب "عبث سياسي" يضر بالقضية الفلسطينية    بدء الدورة ال17 من الملتقى الدولي للتعليم العالي"اديوجيت 2025" الأحد المقبل    يديعوت أحرونوت: نتنياهو وعد بن غفير بتهجير الفلسطينيين من غزة في حال عدم التوصل لصفقة مع الفصائل الفلسطينية    تنسيق الجامعات 2025.. تفاصيل برنامج التصميم الداخلي الإيكولوجي ب "فنون تطبيقية" حلوان    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    طارق الشناوي: لطفي لبيب لم يكن مجرد ممثل موهوب بل إنسان وطني قاتل على الجبهة.. فيديو    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الخميس 31-7-2025    فوضى في العرض الخاص لفيلم "روكي الغلابة".. والمنظم يتجاهل الصحفيين ويختار المواقع حسب أهوائه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأثيرات أجنبية على الرواية العربية
نشر في صوت البلد يوم 14 - 10 - 2017

وإذا ما كانت الرواية الغربية قد ولدت من “ضحك الله” بحسب الروائي الكبير ميلان كونديرا، فإن الرواية العربية قد ولدت من رحم هذه. ولولا تأثيرات الروائيين الغربيين الكبار من مختلف التيارات لما شهدت الرواية العربية هذه التطورات الهامة في الأشكال والمضامين. ومن المؤكد أن شغف النخب العربية بفن القص والرواية جاء نتيجة اطلاع البعض من رموز هذه النخبة الذين درسوا في الجامعات الأوروبية على هذا الفن.
ولادة السرد
تحت تأثير كتاب غربيين كتبوا سيرهم بطريقة روائية مثل جان جاك روسو، وأرنست رينان، كتب طه حسين بعد أن أمضى سنوات طويلة في فرنسا، سيرته في “الأيام”، وفيها رسم صورة بديعة لسنوات طفولته في صعيد مصر. كما تبرز تأثيرات الروائيين الغربيين على طه حسن في روايته “أديب” التي يروي فيها سيرة مثقف مصري يدفعه شغفه بالثقافة الأوروبية إلى السفر إلى فرنسا للدراسة. وفي النهاية يغرق في ليل الجنون بسبب الصدمة القاسية مع الثقافة المذكورة.
وتتجلى تأثيرات كبار الروائيين الغربيين في أعمال توفيق الحكيم مثل”عودة الروح”، و”عصفور من الشرق”، و”زهرة العمر”. كما تتجلى في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، وفي “سبعون” لمخائيل نعيمة. وأما جبران خليل جبران فقد كتب جلّ أعماله تحت تأثير الرومانسين الغربيين.
ولم يكن الكاتب التونسي محمود المسعدي يخفي تأثره بالفلسفة الوجودية كما تتجلى في الآثار الروائية لكل من جان بول سارتر، وألبير كامو، وغيرهما. وأما التونسي الآخر البشير خريف فلم يكن يخفي تأثره بكتاب فرنسيين أمثال بروسبير ميريمي صاحب رائعة “كارمن” التي ألهمت ولا تزال تلهم كبار الموسيقيين الغربيين.
وقد لعبت الترجمات التي نقلت إلى لغة الضاد آثارا قصصية وروائية دورا كبيرا في تحفيز بعض الكتاب العرب على تجريب كتابة القصة. وهذا ما نعاينه عند المنفلوطي في كتابه “ماجدولين” الذي يتجلى فيه تأثير الكاتب الفرنسي بارنادان دو سان بيار. كما نلاحظه عند محمود تيمور الذي اتخذ من قصص الكاتب الفرنسي الآخر غي دو موباسان مثالا يحتذى به.
أما في تونس، فقد كتب علي الدوعاجي ومحمد العريبي أولى قصصهم التي ظهرت في الثلاثينات من القرن الماضي تحت تأثير قراءاتهم باللغة الفرنسية لقصص تشيخوف، وغوغول، وفلوبير وموباسان وببروسبير ميريمي.
وساهمت آثار كتاب القصة الأوائل مشرقا ومغربا في تطور اللغة العربية لتتحول من لغة محاكاة وانتحال لأساليب بالية وقديمة إلى لغة تعكس نبضات الواقع، وتنطق بما فيه من أحداث وتحولات في جميع المجالات.
ومع تنامي الترجمات وازدهارها، بدأ فن القص والرواية يشهد تطورا ملموسا على جميع المستويات، وبدأت اللغة العربية تتخلى شيئا فشيئا عن الأساليب البلاغية الركيكة، وعن المحسّنات اللفظيّة الموروثة من عصور الانحطاط، لتصبح لغة حيّة متوثبة، قادرة على التقاط تفاصيل الواقع، ورسم تضاريسه، والغوص في أعماقه.
وبعد أن جرب كتابة الرواية التاريخية تحت تأثير رايدر هاغارد صاحب رواية “هي وعائشة”، والبريطاني هوك كين الذي اشتهر بالكتابة عن التاريخ الفرعوني، اهتدى نجيب محفوظ، أبو الرواية العربية الحديثة، إلى حواري القاهرة ليحولها إلى مسرح لأحداث ثلاثيته الشهيرة، ولرواياته الأولى مثل “زقاق المدق”. ولم يتم له ذلك إلاّ بعد أن قرأ ترجمات لروايات كتاب غربيين كبار أمثال شارل ديكنز، وبالزاك، وستاندال، ودستويفسكي، وتورغينييف، وغيرهم. وعن تلك التأثيرات، كتب يقول “عندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق في الأدب الحديث، قل حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الإحساس في داخلي بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع، والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم. ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية”.
وبعد أن ساير التيار الواقعي في ثلاثيته، وفي رواياته الأولى الأخرى، شرع نجيب محفوظ في استخدام التقنيات والأساليب الفنية التي أحدثت ثورة في مجال كتابة الرواية في الغرب، والتي ظهرت في مطلع القرن العشرين. وهذا ما نعاينه في “اللص والكلاب”، وفي “المظلة”، وفي “خمارة القط الأسود”، وفي أعماله الأخرى التي تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
قفزة هائلة
انطلاقا من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، حقّقت الكتابة القصصية والروائية في العالم العربي قفزة هائلة. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ القاصين والروائيين العرب ازدادوا اطلاعا وتمرسا بالأساليب والتقنيات الحديثة في الرواية الغربية. تحقّق لهم ذلك بعد أن قرأوا أعمال كبار الروائيين الطلائعيين في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأميركية أمثال أرنست همنغواي، وجون شتاينباك، وفيرجينيا وولف، وجيمس جويس، وغيرهم.
وكان للترجمة التي أنجزها جبرا إبراهيم جبرا لرواية “الصخب والعنف” لويليام فوكنر تأثير هام على البعض من كتاب الرواية العرب. يبرز ذلك واضحا عند جبرا إبراهيم جبرا نفسه في “البحث عن وليد مسعود”، وعند غسان كنفاني، وآخرين.
وبتأثير من كاتبات غربيات أمثال فرانسواز ساغان صاحبة “صباح الخير أيها الحزن”، ومارغريت دوراس، وفيرجينيا وولف، وأخريات تجرأت كاتبات عربيات على اختراق المحرمات والممنوعات في الدين والجنس، وكانت لهن الشجاعة والجرأة على كسر الحواجز، والجهر بالمكبوت، والمغيب، والمحرم. وهذا ما نلمسه عند ليلى بعلبكي، وعند غادة السمان على سبيل المثال لا الحصر. كما نلمسه عند روائيات من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات في المشرق والمغرب.
وفي آثار الطيب صالح تتجلى تأثيرات العديد من الكتاب الغربيين إلا أنه كان أكثر الكتاب العرب قربا من الروائيين الذين ابتكروا “الواقعية السحرية” في أميركا اللاتينية. وكان لجان جينيه، ولجاك كيرواك، صاحب رائعة “على الطريق”، ولهنري ميللر، وسالينجر، تأثير هام على من استوحوا أعمالهم القصصية والروائية من سيرهم الذاتية، مثل محمد شكري، وصنع الله إبراهيم في “تلك الرائحة”، ومحمد زفزاف في “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، وصموئيل شمعون في “عراقي في باريس”.
وثمة أمر آخر يجدر بنا الإشارة إليه، ويتمثل في أن الروائيين الغربيين هم أول من لفت نظر الكتاب العرب إلى القيمة العالية للتراث السردي العربي الذي يتجلى في”ألف ليلة وليلة”، وفي “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وفي أعمال الجاحظ والتوحيدي والمتصوفة، والرحالة القدماء مثل ابن بطوطة.
وقد سعى بعض الكتاب العرب أمثال التونسي محمود المسعدي في “حدث أبوهريرة قال”، والمصري جمال الغيطاني في “الزيني بركات”، والفلسطيني إميل حبيبي في “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، إلى إحياء هذا التراث، وإعادة الإشراقة إليه.
وخلال السنوات العشر الماضية، ترجمت أعمال روائية هامة من أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الشرقية، والهند، والصين، واليابان، وأفريقيا السوداء، إلا أن تأثيرات هذه الأعمال لا تزال غير واضحة في مجمل ما يكتب في العالم العربي من قصص وروايات.
وإذا ما كانت الرواية الغربية قد ولدت من “ضحك الله” بحسب الروائي الكبير ميلان كونديرا، فإن الرواية العربية قد ولدت من رحم هذه. ولولا تأثيرات الروائيين الغربيين الكبار من مختلف التيارات لما شهدت الرواية العربية هذه التطورات الهامة في الأشكال والمضامين. ومن المؤكد أن شغف النخب العربية بفن القص والرواية جاء نتيجة اطلاع البعض من رموز هذه النخبة الذين درسوا في الجامعات الأوروبية على هذا الفن.
ولادة السرد
تحت تأثير كتاب غربيين كتبوا سيرهم بطريقة روائية مثل جان جاك روسو، وأرنست رينان، كتب طه حسين بعد أن أمضى سنوات طويلة في فرنسا، سيرته في “الأيام”، وفيها رسم صورة بديعة لسنوات طفولته في صعيد مصر. كما تبرز تأثيرات الروائيين الغربيين على طه حسن في روايته “أديب” التي يروي فيها سيرة مثقف مصري يدفعه شغفه بالثقافة الأوروبية إلى السفر إلى فرنسا للدراسة. وفي النهاية يغرق في ليل الجنون بسبب الصدمة القاسية مع الثقافة المذكورة.
وتتجلى تأثيرات كبار الروائيين الغربيين في أعمال توفيق الحكيم مثل”عودة الروح”، و”عصفور من الشرق”، و”زهرة العمر”. كما تتجلى في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، وفي “سبعون” لمخائيل نعيمة. وأما جبران خليل جبران فقد كتب جلّ أعماله تحت تأثير الرومانسين الغربيين.
ولم يكن الكاتب التونسي محمود المسعدي يخفي تأثره بالفلسفة الوجودية كما تتجلى في الآثار الروائية لكل من جان بول سارتر، وألبير كامو، وغيرهما. وأما التونسي الآخر البشير خريف فلم يكن يخفي تأثره بكتاب فرنسيين أمثال بروسبير ميريمي صاحب رائعة “كارمن” التي ألهمت ولا تزال تلهم كبار الموسيقيين الغربيين.
وقد لعبت الترجمات التي نقلت إلى لغة الضاد آثارا قصصية وروائية دورا كبيرا في تحفيز بعض الكتاب العرب على تجريب كتابة القصة. وهذا ما نعاينه عند المنفلوطي في كتابه “ماجدولين” الذي يتجلى فيه تأثير الكاتب الفرنسي بارنادان دو سان بيار. كما نلاحظه عند محمود تيمور الذي اتخذ من قصص الكاتب الفرنسي الآخر غي دو موباسان مثالا يحتذى به.
أما في تونس، فقد كتب علي الدوعاجي ومحمد العريبي أولى قصصهم التي ظهرت في الثلاثينات من القرن الماضي تحت تأثير قراءاتهم باللغة الفرنسية لقصص تشيخوف، وغوغول، وفلوبير وموباسان وببروسبير ميريمي.
وساهمت آثار كتاب القصة الأوائل مشرقا ومغربا في تطور اللغة العربية لتتحول من لغة محاكاة وانتحال لأساليب بالية وقديمة إلى لغة تعكس نبضات الواقع، وتنطق بما فيه من أحداث وتحولات في جميع المجالات.
ومع تنامي الترجمات وازدهارها، بدأ فن القص والرواية يشهد تطورا ملموسا على جميع المستويات، وبدأت اللغة العربية تتخلى شيئا فشيئا عن الأساليب البلاغية الركيكة، وعن المحسّنات اللفظيّة الموروثة من عصور الانحطاط، لتصبح لغة حيّة متوثبة، قادرة على التقاط تفاصيل الواقع، ورسم تضاريسه، والغوص في أعماقه.
وبعد أن جرب كتابة الرواية التاريخية تحت تأثير رايدر هاغارد صاحب رواية “هي وعائشة”، والبريطاني هوك كين الذي اشتهر بالكتابة عن التاريخ الفرعوني، اهتدى نجيب محفوظ، أبو الرواية العربية الحديثة، إلى حواري القاهرة ليحولها إلى مسرح لأحداث ثلاثيته الشهيرة، ولرواياته الأولى مثل “زقاق المدق”. ولم يتم له ذلك إلاّ بعد أن قرأ ترجمات لروايات كتاب غربيين كبار أمثال شارل ديكنز، وبالزاك، وستاندال، ودستويفسكي، وتورغينييف، وغيرهم. وعن تلك التأثيرات، كتب يقول “عندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق في الأدب الحديث، قل حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الإحساس في داخلي بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع، والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم. ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية”.
وبعد أن ساير التيار الواقعي في ثلاثيته، وفي رواياته الأولى الأخرى، شرع نجيب محفوظ في استخدام التقنيات والأساليب الفنية التي أحدثت ثورة في مجال كتابة الرواية في الغرب، والتي ظهرت في مطلع القرن العشرين. وهذا ما نعاينه في “اللص والكلاب”، وفي “المظلة”، وفي “خمارة القط الأسود”، وفي أعماله الأخرى التي تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
قفزة هائلة
انطلاقا من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، حقّقت الكتابة القصصية والروائية في العالم العربي قفزة هائلة. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ القاصين والروائيين العرب ازدادوا اطلاعا وتمرسا بالأساليب والتقنيات الحديثة في الرواية الغربية. تحقّق لهم ذلك بعد أن قرأوا أعمال كبار الروائيين الطلائعيين في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأميركية أمثال أرنست همنغواي، وجون شتاينباك، وفيرجينيا وولف، وجيمس جويس، وغيرهم.
وكان للترجمة التي أنجزها جبرا إبراهيم جبرا لرواية “الصخب والعنف” لويليام فوكنر تأثير هام على البعض من كتاب الرواية العرب. يبرز ذلك واضحا عند جبرا إبراهيم جبرا نفسه في “البحث عن وليد مسعود”، وعند غسان كنفاني، وآخرين.
وبتأثير من كاتبات غربيات أمثال فرانسواز ساغان صاحبة “صباح الخير أيها الحزن”، ومارغريت دوراس، وفيرجينيا وولف، وأخريات تجرأت كاتبات عربيات على اختراق المحرمات والممنوعات في الدين والجنس، وكانت لهن الشجاعة والجرأة على كسر الحواجز، والجهر بالمكبوت، والمغيب، والمحرم. وهذا ما نلمسه عند ليلى بعلبكي، وعند غادة السمان على سبيل المثال لا الحصر. كما نلمسه عند روائيات من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات في المشرق والمغرب.
وفي آثار الطيب صالح تتجلى تأثيرات العديد من الكتاب الغربيين إلا أنه كان أكثر الكتاب العرب قربا من الروائيين الذين ابتكروا “الواقعية السحرية” في أميركا اللاتينية. وكان لجان جينيه، ولجاك كيرواك، صاحب رائعة “على الطريق”، ولهنري ميللر، وسالينجر، تأثير هام على من استوحوا أعمالهم القصصية والروائية من سيرهم الذاتية، مثل محمد شكري، وصنع الله إبراهيم في “تلك الرائحة”، ومحمد زفزاف في “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، وصموئيل شمعون في “عراقي في باريس”.
وثمة أمر آخر يجدر بنا الإشارة إليه، ويتمثل في أن الروائيين الغربيين هم أول من لفت نظر الكتاب العرب إلى القيمة العالية للتراث السردي العربي الذي يتجلى في”ألف ليلة وليلة”، وفي “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وفي أعمال الجاحظ والتوحيدي والمتصوفة، والرحالة القدماء مثل ابن بطوطة.
وقد سعى بعض الكتاب العرب أمثال التونسي محمود المسعدي في “حدث أبوهريرة قال”، والمصري جمال الغيطاني في “الزيني بركات”، والفلسطيني إميل حبيبي في “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، إلى إحياء هذا التراث، وإعادة الإشراقة إليه.
وخلال السنوات العشر الماضية، ترجمت أعمال روائية هامة من أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الشرقية، والهند، والصين، واليابان، وأفريقيا السوداء، إلا أن تأثيرات هذه الأعمال لا تزال غير واضحة في مجمل ما يكتب في العالم العربي من قصص وروايات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.