رئيس حزب إرادة جيل: موقف مصر الداعم للقضية الفلسطينية تعكسه الأفعال .. وجهودها في رفع المعاناة عن أهالي غزة لم تتوقف    كشف ملابسات مشاجرة فى القاهرة وإصابة أحد الأشخاص    جامعة قناة السويس تُعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني وتُقرّ دعمًا للطلاب    رئيس الوزراء يتابع جهود منظومة الشكاوى الحكومية خلال النصف الأول من 2025    «خدمة المجتمع» بجامعة القاهرة يناقش التكامل بين الدور الأكاديمى والمجتمعى والبيئي    معسكر كشفي ناجح لطلاب "الإسماعيلية الأهلية" بجامعة قناة السويس    "مدبولي" يؤكد أهمية بناء الوعي في تشييد حائط صد ضد نمو الشائعات    تخرج دفعات جديدة من المعينين بالهيئات القضائية والطب الشرعي بالأكاديمية العسكرية    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    ارتفاع أسعار الدواجن والبيض اليوم الأربعاء 24 يوليو 2025 بأسواق المنوفية    المشاط تبحث مع مديرة ITC تعزيز دعم المشروعات الصغيرة والتحول الرقمي    وزير الري يتابع جاهزية المنظومة المائية خلال موسم أقصى الاحتياجات    استكمال أعمال رصف طريق بني غالب- جحدم في أسيوط بتكلفة 17 مليون جنيه    76 مركزاً تقدمتهم مصر بين 2019 و2014 بمؤشر المشروعات المتوسطة والصغيرة.. و«التخطيط»: تمثل 43% من الناتج المحلي الإجمالي وتستوعب ثلث القوى العاملة    مؤشرات تنسيق الثانوية العامة 2025 علمي علوم ورياضة.. كليات من 60% بالنسبة المئوية    مدير الفريق الطبي المتنقل في غزة: طفل من بين كل سبعة يعاني من سوء تغذية حاد    بيان مشترك: مصر ودول عربية وإسلامية تدين مصادقة الكنيست الإسرائيلي على الإعلان الداعي لفرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة    تايلاند تعلن مقتل وإصابة 23 شخصًا جراء الاشتباكات مع كمبوديا    بعد انضمامه لمنتخب الشباب.. مدافع أرسنال: أحلم بالفوز بالبطولات مع الفراعنة    مصطفى شلبي يودع الزمالك برسالة مؤثرة ويعلن انضمامه للبنك الأهلي    بعد أزمة العروض.. وسام أبو على يودع جماهير الأهلى بطريقته الخاصة    تحليل رقمي.. كيف زاد عدد متابعي وسام أبو علي مليونا رغم حملة إلغاء متابعته؟    القليوبية تُطلق حملة مراكز شباب آمنة للوقاية من حوادث الغرق    منتخب جامعات مصر للتايكوندو يحصد فضية الألعاب الصيفية للجامعات بألمانيا    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد في انتخابات الشيوخ    «الأرصاد» تحذر: موجة شديدة الحرارة تضرب البلاد وتستمر حتى الثلاثاء المقبل    جهود قطاع أمن المنافذ بالداخلية خلال 24 ساعة لمواجهة جرائم التهريب ومخالفات الإجراءات الجمركية    إنفوجراف ..فتح باب التظلم من نتيجة الثانوية العامة 2025 الأسبوع المقبل    إصابة رئيس محكمة و3 من أسرته في انقلاب سيارة على طريق الفيوم/ أسيوط الصحراوي    بنسخ خارجية لمختلف المواد.. ضبط مكتبة بدون ترخيص في الظاهر    الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم لتحقيق أرباح غير مشروعة    شهدت التحول من الوثنية إلى المسيحية.. الكشف عن بقايا المدينة السكنية الرئيسية بالخارجة    3 أفلام ل محمد حفظي ضمن الاختيارات الرسمية للدورة ال 82 لمهرجان فينيسيا (تفاصيل)    نقابة المهن السينمائية تشيد بمسلسل "فات الميعاد"    «سعد كان خاين وعبد الناصر فاشل».. عمرو أديب يرد على منتقدي ثورة 23 يوليو: "بلد غريبة فعلا"    عمرو الورداني: النجاح ليس ورقة نتيجة بل رحلة ممتدة نحو الفلاح الحقيقي    لو لقيت حاجة اقعدها وقت قد ايه لحين التصرف لنفسي فيها؟.. أمين الفتوى يجيب    علي جمعة يوضح معنى قوله تعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ}    713 ألف خدمة طبية قدمتها مبادرة «100 يوم صحة» خلال أسبوعها الأول في القليوبية    "السبكي" يبحث مع "Abbott" نقل أحدث تقنيات علاج أمراض القلب    لماذا يستيقظ كبار السن مبكرا؟ إليك ما يقوله العلم    تفاصيل عملية دهس قرب بيت ليد.. تسعة مصابين واستنفار إسرائيلي واسع    مصادر: سول تقترح استثمارات تتجاوز 100 مليار دولار بأمريكا في إطار محادثات الرسوم الجمركية    «تطوير التعليم بالوزراء» وأكاديمية الفنون يطلقان مبادرة لاكتشاف وتحويل المواهب إلى مسارات مهنية    الدفاع الجوي الروسي يدمر 39 مسيرة أوكرانية    غدا.. تامر حسني والشامي يشعلان ثاني حفلات مهرجان العلمين    من اكتئاب الشتاء إلى حرارة الصيف.. ما السر في تفضيل بعض الأشخاص لفصل عن الآخر؟    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    «كتالوج»... الأبوة والأمومة    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    إيران تحذر مدمرة أميركية في خليج عمان.. والبنتاغون يرد    92 % صافي تعاملات المصريين بالبورصة خلال آخر جلسات الأسبوع    اليوم، تعديلات جديدة في مواعيد تشغيل القطار الكهربائي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    هل انتهت الأزمة؟ خطوة جديدة من وسام أبو علي بعد أيام من غلق حسابه على إنستجرام    5 معلومات عن المايسترو الراحل سامي نصير    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    هل يجوز أخذ مكافأة على مال وجدته ضائعًا في الشارع؟..أمين الفتوى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأثيرات أجنبية على الرواية العربية
نشر في صوت البلد يوم 14 - 10 - 2017

وإذا ما كانت الرواية الغربية قد ولدت من “ضحك الله” بحسب الروائي الكبير ميلان كونديرا، فإن الرواية العربية قد ولدت من رحم هذه. ولولا تأثيرات الروائيين الغربيين الكبار من مختلف التيارات لما شهدت الرواية العربية هذه التطورات الهامة في الأشكال والمضامين. ومن المؤكد أن شغف النخب العربية بفن القص والرواية جاء نتيجة اطلاع البعض من رموز هذه النخبة الذين درسوا في الجامعات الأوروبية على هذا الفن.
ولادة السرد
تحت تأثير كتاب غربيين كتبوا سيرهم بطريقة روائية مثل جان جاك روسو، وأرنست رينان، كتب طه حسين بعد أن أمضى سنوات طويلة في فرنسا، سيرته في “الأيام”، وفيها رسم صورة بديعة لسنوات طفولته في صعيد مصر. كما تبرز تأثيرات الروائيين الغربيين على طه حسن في روايته “أديب” التي يروي فيها سيرة مثقف مصري يدفعه شغفه بالثقافة الأوروبية إلى السفر إلى فرنسا للدراسة. وفي النهاية يغرق في ليل الجنون بسبب الصدمة القاسية مع الثقافة المذكورة.
وتتجلى تأثيرات كبار الروائيين الغربيين في أعمال توفيق الحكيم مثل”عودة الروح”، و”عصفور من الشرق”، و”زهرة العمر”. كما تتجلى في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، وفي “سبعون” لمخائيل نعيمة. وأما جبران خليل جبران فقد كتب جلّ أعماله تحت تأثير الرومانسين الغربيين.
ولم يكن الكاتب التونسي محمود المسعدي يخفي تأثره بالفلسفة الوجودية كما تتجلى في الآثار الروائية لكل من جان بول سارتر، وألبير كامو، وغيرهما. وأما التونسي الآخر البشير خريف فلم يكن يخفي تأثره بكتاب فرنسيين أمثال بروسبير ميريمي صاحب رائعة “كارمن” التي ألهمت ولا تزال تلهم كبار الموسيقيين الغربيين.
وقد لعبت الترجمات التي نقلت إلى لغة الضاد آثارا قصصية وروائية دورا كبيرا في تحفيز بعض الكتاب العرب على تجريب كتابة القصة. وهذا ما نعاينه عند المنفلوطي في كتابه “ماجدولين” الذي يتجلى فيه تأثير الكاتب الفرنسي بارنادان دو سان بيار. كما نلاحظه عند محمود تيمور الذي اتخذ من قصص الكاتب الفرنسي الآخر غي دو موباسان مثالا يحتذى به.
أما في تونس، فقد كتب علي الدوعاجي ومحمد العريبي أولى قصصهم التي ظهرت في الثلاثينات من القرن الماضي تحت تأثير قراءاتهم باللغة الفرنسية لقصص تشيخوف، وغوغول، وفلوبير وموباسان وببروسبير ميريمي.
وساهمت آثار كتاب القصة الأوائل مشرقا ومغربا في تطور اللغة العربية لتتحول من لغة محاكاة وانتحال لأساليب بالية وقديمة إلى لغة تعكس نبضات الواقع، وتنطق بما فيه من أحداث وتحولات في جميع المجالات.
ومع تنامي الترجمات وازدهارها، بدأ فن القص والرواية يشهد تطورا ملموسا على جميع المستويات، وبدأت اللغة العربية تتخلى شيئا فشيئا عن الأساليب البلاغية الركيكة، وعن المحسّنات اللفظيّة الموروثة من عصور الانحطاط، لتصبح لغة حيّة متوثبة، قادرة على التقاط تفاصيل الواقع، ورسم تضاريسه، والغوص في أعماقه.
وبعد أن جرب كتابة الرواية التاريخية تحت تأثير رايدر هاغارد صاحب رواية “هي وعائشة”، والبريطاني هوك كين الذي اشتهر بالكتابة عن التاريخ الفرعوني، اهتدى نجيب محفوظ، أبو الرواية العربية الحديثة، إلى حواري القاهرة ليحولها إلى مسرح لأحداث ثلاثيته الشهيرة، ولرواياته الأولى مثل “زقاق المدق”. ولم يتم له ذلك إلاّ بعد أن قرأ ترجمات لروايات كتاب غربيين كبار أمثال شارل ديكنز، وبالزاك، وستاندال، ودستويفسكي، وتورغينييف، وغيرهم. وعن تلك التأثيرات، كتب يقول “عندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق في الأدب الحديث، قل حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الإحساس في داخلي بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع، والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم. ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية”.
وبعد أن ساير التيار الواقعي في ثلاثيته، وفي رواياته الأولى الأخرى، شرع نجيب محفوظ في استخدام التقنيات والأساليب الفنية التي أحدثت ثورة في مجال كتابة الرواية في الغرب، والتي ظهرت في مطلع القرن العشرين. وهذا ما نعاينه في “اللص والكلاب”، وفي “المظلة”، وفي “خمارة القط الأسود”، وفي أعماله الأخرى التي تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
قفزة هائلة
انطلاقا من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، حقّقت الكتابة القصصية والروائية في العالم العربي قفزة هائلة. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ القاصين والروائيين العرب ازدادوا اطلاعا وتمرسا بالأساليب والتقنيات الحديثة في الرواية الغربية. تحقّق لهم ذلك بعد أن قرأوا أعمال كبار الروائيين الطلائعيين في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأميركية أمثال أرنست همنغواي، وجون شتاينباك، وفيرجينيا وولف، وجيمس جويس، وغيرهم.
وكان للترجمة التي أنجزها جبرا إبراهيم جبرا لرواية “الصخب والعنف” لويليام فوكنر تأثير هام على البعض من كتاب الرواية العرب. يبرز ذلك واضحا عند جبرا إبراهيم جبرا نفسه في “البحث عن وليد مسعود”، وعند غسان كنفاني، وآخرين.
وبتأثير من كاتبات غربيات أمثال فرانسواز ساغان صاحبة “صباح الخير أيها الحزن”، ومارغريت دوراس، وفيرجينيا وولف، وأخريات تجرأت كاتبات عربيات على اختراق المحرمات والممنوعات في الدين والجنس، وكانت لهن الشجاعة والجرأة على كسر الحواجز، والجهر بالمكبوت، والمغيب، والمحرم. وهذا ما نلمسه عند ليلى بعلبكي، وعند غادة السمان على سبيل المثال لا الحصر. كما نلمسه عند روائيات من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات في المشرق والمغرب.
وفي آثار الطيب صالح تتجلى تأثيرات العديد من الكتاب الغربيين إلا أنه كان أكثر الكتاب العرب قربا من الروائيين الذين ابتكروا “الواقعية السحرية” في أميركا اللاتينية. وكان لجان جينيه، ولجاك كيرواك، صاحب رائعة “على الطريق”، ولهنري ميللر، وسالينجر، تأثير هام على من استوحوا أعمالهم القصصية والروائية من سيرهم الذاتية، مثل محمد شكري، وصنع الله إبراهيم في “تلك الرائحة”، ومحمد زفزاف في “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، وصموئيل شمعون في “عراقي في باريس”.
وثمة أمر آخر يجدر بنا الإشارة إليه، ويتمثل في أن الروائيين الغربيين هم أول من لفت نظر الكتاب العرب إلى القيمة العالية للتراث السردي العربي الذي يتجلى في”ألف ليلة وليلة”، وفي “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وفي أعمال الجاحظ والتوحيدي والمتصوفة، والرحالة القدماء مثل ابن بطوطة.
وقد سعى بعض الكتاب العرب أمثال التونسي محمود المسعدي في “حدث أبوهريرة قال”، والمصري جمال الغيطاني في “الزيني بركات”، والفلسطيني إميل حبيبي في “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، إلى إحياء هذا التراث، وإعادة الإشراقة إليه.
وخلال السنوات العشر الماضية، ترجمت أعمال روائية هامة من أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الشرقية، والهند، والصين، واليابان، وأفريقيا السوداء، إلا أن تأثيرات هذه الأعمال لا تزال غير واضحة في مجمل ما يكتب في العالم العربي من قصص وروايات.
وإذا ما كانت الرواية الغربية قد ولدت من “ضحك الله” بحسب الروائي الكبير ميلان كونديرا، فإن الرواية العربية قد ولدت من رحم هذه. ولولا تأثيرات الروائيين الغربيين الكبار من مختلف التيارات لما شهدت الرواية العربية هذه التطورات الهامة في الأشكال والمضامين. ومن المؤكد أن شغف النخب العربية بفن القص والرواية جاء نتيجة اطلاع البعض من رموز هذه النخبة الذين درسوا في الجامعات الأوروبية على هذا الفن.
ولادة السرد
تحت تأثير كتاب غربيين كتبوا سيرهم بطريقة روائية مثل جان جاك روسو، وأرنست رينان، كتب طه حسين بعد أن أمضى سنوات طويلة في فرنسا، سيرته في “الأيام”، وفيها رسم صورة بديعة لسنوات طفولته في صعيد مصر. كما تبرز تأثيرات الروائيين الغربيين على طه حسن في روايته “أديب” التي يروي فيها سيرة مثقف مصري يدفعه شغفه بالثقافة الأوروبية إلى السفر إلى فرنسا للدراسة. وفي النهاية يغرق في ليل الجنون بسبب الصدمة القاسية مع الثقافة المذكورة.
وتتجلى تأثيرات كبار الروائيين الغربيين في أعمال توفيق الحكيم مثل”عودة الروح”، و”عصفور من الشرق”، و”زهرة العمر”. كما تتجلى في “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي، وفي “سبعون” لمخائيل نعيمة. وأما جبران خليل جبران فقد كتب جلّ أعماله تحت تأثير الرومانسين الغربيين.
ولم يكن الكاتب التونسي محمود المسعدي يخفي تأثره بالفلسفة الوجودية كما تتجلى في الآثار الروائية لكل من جان بول سارتر، وألبير كامو، وغيرهما. وأما التونسي الآخر البشير خريف فلم يكن يخفي تأثره بكتاب فرنسيين أمثال بروسبير ميريمي صاحب رائعة “كارمن” التي ألهمت ولا تزال تلهم كبار الموسيقيين الغربيين.
وقد لعبت الترجمات التي نقلت إلى لغة الضاد آثارا قصصية وروائية دورا كبيرا في تحفيز بعض الكتاب العرب على تجريب كتابة القصة. وهذا ما نعاينه عند المنفلوطي في كتابه “ماجدولين” الذي يتجلى فيه تأثير الكاتب الفرنسي بارنادان دو سان بيار. كما نلاحظه عند محمود تيمور الذي اتخذ من قصص الكاتب الفرنسي الآخر غي دو موباسان مثالا يحتذى به.
أما في تونس، فقد كتب علي الدوعاجي ومحمد العريبي أولى قصصهم التي ظهرت في الثلاثينات من القرن الماضي تحت تأثير قراءاتهم باللغة الفرنسية لقصص تشيخوف، وغوغول، وفلوبير وموباسان وببروسبير ميريمي.
وساهمت آثار كتاب القصة الأوائل مشرقا ومغربا في تطور اللغة العربية لتتحول من لغة محاكاة وانتحال لأساليب بالية وقديمة إلى لغة تعكس نبضات الواقع، وتنطق بما فيه من أحداث وتحولات في جميع المجالات.
ومع تنامي الترجمات وازدهارها، بدأ فن القص والرواية يشهد تطورا ملموسا على جميع المستويات، وبدأت اللغة العربية تتخلى شيئا فشيئا عن الأساليب البلاغية الركيكة، وعن المحسّنات اللفظيّة الموروثة من عصور الانحطاط، لتصبح لغة حيّة متوثبة، قادرة على التقاط تفاصيل الواقع، ورسم تضاريسه، والغوص في أعماقه.
وبعد أن جرب كتابة الرواية التاريخية تحت تأثير رايدر هاغارد صاحب رواية “هي وعائشة”، والبريطاني هوك كين الذي اشتهر بالكتابة عن التاريخ الفرعوني، اهتدى نجيب محفوظ، أبو الرواية العربية الحديثة، إلى حواري القاهرة ليحولها إلى مسرح لأحداث ثلاثيته الشهيرة، ولرواياته الأولى مثل “زقاق المدق”. ولم يتم له ذلك إلاّ بعد أن قرأ ترجمات لروايات كتاب غربيين كبار أمثال شارل ديكنز، وبالزاك، وستاندال، ودستويفسكي، وتورغينييف، وغيرهم. وعن تلك التأثيرات، كتب يقول “عندما بدأت قراءاتي تتسع وتتعمق في الأدب الحديث، قل حماسي للكتابة التاريخية، بل مات الإحساس في داخلي بعد أن أدركت أن المسألة أخطر وأعمق، وأن الرواية يمكن أن يكون لها دور مؤثر في معالجة قضايا المجتمع، والتعبير عن هموم الناس ومشاكلهم. ومن هنا اتجهت إلى الرواية الواقعية”.
وبعد أن ساير التيار الواقعي في ثلاثيته، وفي رواياته الأولى الأخرى، شرع نجيب محفوظ في استخدام التقنيات والأساليب الفنية التي أحدثت ثورة في مجال كتابة الرواية في الغرب، والتي ظهرت في مطلع القرن العشرين. وهذا ما نعاينه في “اللص والكلاب”، وفي “المظلة”، وفي “خمارة القط الأسود”، وفي أعماله الأخرى التي تعود إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي.
قفزة هائلة
انطلاقا من مطلع النصف الثاني من القرن العشرين، حقّقت الكتابة القصصية والروائية في العالم العربي قفزة هائلة. والسبب في ذلك يعود إلى أنّ القاصين والروائيين العرب ازدادوا اطلاعا وتمرسا بالأساليب والتقنيات الحديثة في الرواية الغربية. تحقّق لهم ذلك بعد أن قرأوا أعمال كبار الروائيين الطلائعيين في أوروبا، وفي الولايات المتحدة الأميركية أمثال أرنست همنغواي، وجون شتاينباك، وفيرجينيا وولف، وجيمس جويس، وغيرهم.
وكان للترجمة التي أنجزها جبرا إبراهيم جبرا لرواية “الصخب والعنف” لويليام فوكنر تأثير هام على البعض من كتاب الرواية العرب. يبرز ذلك واضحا عند جبرا إبراهيم جبرا نفسه في “البحث عن وليد مسعود”، وعند غسان كنفاني، وآخرين.
وبتأثير من كاتبات غربيات أمثال فرانسواز ساغان صاحبة “صباح الخير أيها الحزن”، ومارغريت دوراس، وفيرجينيا وولف، وأخريات تجرأت كاتبات عربيات على اختراق المحرمات والممنوعات في الدين والجنس، وكانت لهن الشجاعة والجرأة على كسر الحواجز، والجهر بالمكبوت، والمغيب، والمحرم. وهذا ما نلمسه عند ليلى بعلبكي، وعند غادة السمان على سبيل المثال لا الحصر. كما نلمسه عند روائيات من جيل السبعينات والثمانينات والتسعينات في المشرق والمغرب.
وفي آثار الطيب صالح تتجلى تأثيرات العديد من الكتاب الغربيين إلا أنه كان أكثر الكتاب العرب قربا من الروائيين الذين ابتكروا “الواقعية السحرية” في أميركا اللاتينية. وكان لجان جينيه، ولجاك كيرواك، صاحب رائعة “على الطريق”، ولهنري ميللر، وسالينجر، تأثير هام على من استوحوا أعمالهم القصصية والروائية من سيرهم الذاتية، مثل محمد شكري، وصنع الله إبراهيم في “تلك الرائحة”، ومحمد زفزاف في “الثعلب الذي يظهر ويختفي”، وصموئيل شمعون في “عراقي في باريس”.
وثمة أمر آخر يجدر بنا الإشارة إليه، ويتمثل في أن الروائيين الغربيين هم أول من لفت نظر الكتاب العرب إلى القيمة العالية للتراث السردي العربي الذي يتجلى في”ألف ليلة وليلة”، وفي “كليلة ودمنة” لابن المقفع، وفي أعمال الجاحظ والتوحيدي والمتصوفة، والرحالة القدماء مثل ابن بطوطة.
وقد سعى بعض الكتاب العرب أمثال التونسي محمود المسعدي في “حدث أبوهريرة قال”، والمصري جمال الغيطاني في “الزيني بركات”، والفلسطيني إميل حبيبي في “الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل”، إلى إحياء هذا التراث، وإعادة الإشراقة إليه.
وخلال السنوات العشر الماضية، ترجمت أعمال روائية هامة من أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة الأميركية، وأوروبا الشرقية، والهند، والصين، واليابان، وأفريقيا السوداء، إلا أن تأثيرات هذه الأعمال لا تزال غير واضحة في مجمل ما يكتب في العالم العربي من قصص وروايات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.