جاكلين عازر تهنئ الأنبا إيلاريون بمناسبة تجليسه أسقفا لإيبارشية البحيرة    المستشار محمود فوزي: تصنيف الإيجار القديم لن يكون مقاسا واحدا.. وسيراعي هذه الأبعاد    حملات لمتابعة مواعيد الغلق الصيفية وترشيد الكهرباء بالبحيرة (صور)    تموين دمياط يضبط 7.5 طن مخللات غير صالحة للاستهلاك    إيران: هناك مفاجأة الليلة سيتذكرها العالم لقرون عديدة    إعلام عبري: أنباء عن سقوط صواريخ في مواقع وسط إسرائيل    تشكيل صن داونز لمواجهة أولسان هيونداي في كأس العالم للأندية    ريفر بليت يضرب أوراوا بثلاثية في كأس العالم للأندية    ضربة موجعة للهلال قبل مواجهة ريال مدريد في كأس العالم للأندية    عصام الحضري: بيكهام توقع فوز الأهلي على إنتر ميامي في مونديال الأندية    إصابة 7 أشخاص في انفجار أسطوانة غاز داخل منزل بالبحيرة    إنقاذ طفل احتجز داخل مصعد بمساكن دهشور    المؤبد والمشدد ل11 متهمًا بقتل أبًا والشروع في قتل طفله بمصر القديمة    أعمال الموسيقار بليغ حمدي بأوبرا الإسكندرية.. الخميس    تشكيل مانشستر سيتي المتوقع أمام الوداد في كأس العالم للأندية    إعلام عبرى: سقوط صواريخ فى وسط إسرائيل    ألونسو: مواجهة الهلال صعبة.. وريال مدريد مرشح للتتويج باللقب    أسعار الزيت والسلع الأساسية اليوم في أسواق دمياط    نجم سموحة: الأهلي شرف مصر في كأس العالم للأندية وكان قادرًا على الفوز أمام إنتر ميامي    عليك اتخاذ موقف مع شخص غير ناضج.. توقعات برج الحمل اليوم 18 يونيو    توقف عن تضييع الوقت.. برج الجدي اليوم 18 يونيو    تجنب التسرع والانفعال.. حظ برج القوس اليوم 18 يونيو    «القطة العامية» للكاتبة رحاب الطحان في مكتبة القاهرة الكبرى.. الخميس    الشيخ أحمد البهى يحذر من شر التريند: قسّم الناس بسبب حب الظهور (فيديو)    الجبنة والبطيخ.. استشاري يكشف أسوأ العادات الغذائية للمصريين في الصيف    وزير الرياضة يناقش مع اتحاد التبادل ترتيبات استضافة البطولة الدولية    عيار 21 الآن يسجل رقمًا جديدًا.. سعر الذهب اليوم الأربعاء 18 يونيو بعد الانخفاض بالصاغة    مصطفى الفقي: إيران تحارب باسم الفارسية لا الإسلام ونظامها عقائدي يصعب إسقاطه    الأردن: نتعامل مع الأوضاع الإقليمية من منطلق الحفاظ على سيادتنا    تعليم الغربية: 30 يونيو آخر موعد للتقديم فى رياض الأطفال والصف الأول    أخبار 24 ساعة.. مجانا برقم الجلوس.. اعرف نتيجة الشهادة الإعدادية بالقاهرة    ضبط 3 أطنان أعلاف حيوانية غير صالحة بكفر الشيخ    جرح قطعي بالرأس.. إصابة طالب في مشاجرة ببني مزار بالمنيا    «الربيع يُخالف جميع التوقعات» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الأربعاء    ماكرون: تغيير النظام في إيران عسكريا سيكون خطأ كبيرا    الغرفة التجارية تعرض فرص الاستثمار ببورسعيد على الاتحاد الأوروبى و11 دولة    النفط يقفز 4% عند إغلاق تعاملات الثلاثاء بدعم من مخاوف ضربة أمريكية لإيران    ضعف مياه الشرب ب 9 قرى بمركز المنشأة في سوهاج لهذا السبب (اعرف منطقتك)    رسميًا.. فتح باب التقديم الإلكتروني للصف الأول الابتدائي الأزهري (رابط التقديم وQR Code)    علي الحجار يؤجل طرح ألبومه الجديد.. اعرف السبب    «إيد واحدة».. قوافل التحالف الوطني ركيزة أساسية لتنمية المجتمع    الأبيدى: الإمامان الشافعى والجوزى بكيا من ذنوبهما.. فماذا نقول نحن؟    العدل يترأس لجنة لاختبار المتقدمين للالتحاق بدورات تدريبية بمركز سقارة    11 عملية إزالة مياه بيضاء ناجحة داخل مستشفى رمد المنيا بعد التطوير    افتتاح مؤتمر معهد البحوث الطبية والدراسات الإكلينيكية للارتقاء بالبحث العلمي    اللواء نصر سالم: الحرب الحديثة تغيرت أدواتها لكن يبقى العقل هو السيد    أرنولد: التدريبات في ريال مدريد عالية الجودة    زعماء مجموعة السبع يحاولون إنقاذ قمتهم بعد مغادرة ترامب المبكرة    ثقافة بورسعيد تناقش أثر التغيرات المناخية وتُفعّل أنشطة متنوعة للأطفال احتفالًا بالبيئة والعام الهجري    القصة الكاملة لأزمة هند صبري بعد مطالبات ترحيلها من مصر    فضل صيام رأس السنة الهجرية 2025.. الإفتاء توضح الحكم والدعاء المستحب لبداية العام الجديد    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    أمين الفتوى يكشف عن شروط صحة وقبول الصلاة: بدونها تكون باطلة (فيديو)    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جورج طرابيشي
نشر في البوابة يوم 21 - 03 - 2016

من بين كتب النقد الأدبى التى قرأتها فى حياتى يظل أكثرها تأثيرا أعمال الناقد والمترجم والمفكر السورى الكبير، جورج طرابيشى، الذى رحل الأسبوع الماضى عن عمر 77 عامًا وعشرات الكتب المهمة التى تركت بصمات لا تمحى على الثقافة العربية.
كان بداية تعرفى على أعمال جورج طرابيشى من خلال كتابه «عقدة أوديب فى الرواية العربية» الذى قرأته فى نهاية الثمانينيات. كنت وقتها معجبًا بمدرسة التحليل النفسى، وقرأت بعض كتب سيجموند فرويد التى ترجمها إلى العربية محمد عثمان نجاتى، وكتاب «تفسير الأحلام» الذى ترجمه الدكتور مصطفى صفوان وصدر عن دار المعارف.
كتاب «عقدة أوديب فى الرواية العربية» يسير على نهج فرويد فى تحليل النصوص الأدبية والأعمال الفنية باعتبارها تجليات للاوعى الفنان، كما فعل فى تحليله الشهير لمسرحيتى «أوديب» لسوفكليس و«هاملت» لشكسبير ولوحات الفنان ليوناردو دافنشى. فى كتاب «عقدة أوديب» يحلل جورج طرابيشى أعمال أربعة أدباء هم إبراهيم عبدالقادر المازنى وتوفيق الحكيم وأمينة السعيد وسهيل إدريس، ويستخلص من هذا التحليل أن الدافع النفسى السرى وراء معظم هذه الأعمال هو العلاقة المضطربة بالأب والأم التى تتجسد فى مثلث عقدة أوديب.
فيما بعد لم أترك كتابا لجورج طرابيشى لم أقرأه، من أعمال فرويد التى ترجمها عن الفرنسية، إلى كتبه التالية التى واصل فيها عمله فى التحليل النفسى الأدبى مثل «الرجولة وأيديولوجيا الرجولة فى الأدب العربى» و«أنثى ضد الأنوثة دراسة فى أدب نوال السعداوى على ضوء التحليل النفسى»، و«رمزية المرأة فى الرواية العربية»، و«الله فى رحلة نجيب محفوظ الرمزية»، و«شرق وغرب رجولة وأنوثة.. دراسة فى أزمة الجنس والحضارة فى الرواية العربية».
فى الجملة الافتتاحية للكتاب الأخير مثلًا يقول طرابيشى:
«فى مجتمع أبوى شرقى، متخلف ومتأخر، مشحون حتى النخاع بأيديولوجيا طهرانية، متزمتة وحنبلية، يغدو مفهوم الرجولة والأنوثة مفهومًا موجهًا لا للعلاقات بين الرجل والمرأة فحسب، بل أيضًا للعلاقات بين الإنسان والعالم».
ومن خلال تحليله لسبع روايات منها «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم و«موسم الهجرة إلى الشمال» للطيب صالح و«الحى اللاتينى» لسهيل إدريس، يبين جورج طرابيشى كيف أن العقلية الشرقية تنظر لعلاقتها بالغرب من خلال مفهوم الذكورة والأنوثة، وبالتحديد من خلال تحويل الجنس إلى أداة للهيمنة والانتقام وتفريغ النزعات السادوماسوشية، وليس باعتباره تعبيرًا عن الحب والتفاهم.
هذا المنهج فى تحليل النصوص الأدبية يشبه إلى حد كبير ما فعله المفكر الفلسطينى إدوارد سعيد فى كتابه «الاستشراق» الذى أسس فيه لعلم «الاستشراق»، حتى يمكن أن نصف منهج طرابيشى ب«الاستغراب»، أى تحليل الصور التى ينظر بها الشرق إلى الغرب.
وأعتقد أنه لا يمكن الحديث عن الاستشراق، الذى يهدف إلى نقد التفكير الغربى، بدون الحديث عن الاستغراب، الذى يهدف إلى نقد الذات، وطريقتنا فى رؤية العالم والتعامل معه، وهى المهمة التى كرس جورج طرابيشى لها سنوات طويلة من عمره وآلافًا من الصفحات من كتبه، ولا أعتقد أن أى مثقف عربى حقيقى يمكن أن يفوته قراءة كتابه «المثقفون العرب والتراث.. التحليل النفسى لعصاب جماعى»، بالإضافة إلى مشروعه الكبير «نقد نقد العقل العربى» الذى يتكون من أربعة أجزاء، والذى يمكن اعتباره أكمل وأشمل تأريخ للعقل العربى وعلاقته الممتدة بالعقل الأوروبى تأثيرا وتأثرا وتبادلا وتنافرا.
أعتقد أن منهج طرابيشى فى تحليل الأدب العربى والثقافة العربية ترك أثرا كبيرا علىّ كناقد سينمائى، رغم أنه ظل مخلصا ومكتفيا بأفكار فرويد، التى تطورت كثيرًا على يد تلاميذ مثل كارل يونج وإيريك فروم وجاك لاكان وغيرهم، وقد قمت بتحليل العديد من الأفلام والظواهر السينمائية على طريقة التحليل النفسى ودائما كان فى خلفية عقلى كتابات طرابيشى الرائدة والفريدة فى «عقدة أوديب» و«الرجولة وأيديولوجيا الرجولة» و«شرق وغرب» وغيرها.
عندما توفى جورج طرابيشى يوم الأربعاء الماضى (16 مارس) أعادت بعض الصحف والمواقع نشر مقاله الأخير «ست محطات فى حياتى»، وهو مقال وداعى يتحدث فيه عن أهم الأيام والمواقف فى حياته التى حددت مساره ومصيره وتفكيره وينتهى المقال بالفقرة التالية التى يبدو أنه كان يودع بها حياة طويلة كرسها للكتابة فى سبيل أمته:
«يبقى أن أختم فأقول إن شللى عن الكتابة، أنا الذى لم أفعل شيئًا آخر فى حياتى سوى أن أكتب، هو بمثابة موت. ولكنه يبقى على كل حال موتًا صغيرًا على هامش ما قد يكونه الموت الكبير الذى هو موت الوطن».
وكأن طرابيشى لا ينعى نفسه فحسب، بل الوطن كله الذى مزقته الحروب الأهلية والقلاقل والاستبداد، وكأنه يقول إن جهد حياته ضاع هباء، وإن شيئا لم يبق من أعماله وأعمال زملائه من المفكرين الذين شخصوا أمراض المجتمع العربى وقدموا «روشتة» علاجها دون جدوى.
لا أعلم.. هل أصدق تشاؤم جورج طرابيشى الذى ينضح من مقاله الأخير، أم أتمسك بالتفاؤل الذى أشاعته كتاباته فى حياتى وحياة الآلاف غيرى ممن تربوا على قراءته والتعلم منه واستلهام بصيرته واجتهاده؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.