طالب عشرات الخبراء والحقوقيون الأوروبيون الحكومات الأوروبية بوضع سياسات فورية عاجلة لمواجهة الإيديولوجية الفكرية غير العنيفة التي تروج لها جماعات الإسلام السياسي. وحذروا بقوة من مخاطر التردد في إغلاق المجال أمام هذه الجماعات كي لا تستغل الحريات والتعدد الثقافي في أوروبا لإقناع الشباب المسلم في الدول الأوروبية بتبني الأفكار المتطرفة التي تؤدي في النهاية إلى أعمال إرهابية تهدد المجتمعات وأمنها. وجاء التحذير خلال ندوة في مقر البرلمان الأوروبي نظمها مركز "تريندز" للبحوث والاستشارات بالتعاون مع المؤسسة الأوروبية للديمقراطية. ولفتت ماريانا بيتر، عضو البرلمان الأوروبي عن كرواتيا، الانتباه إلى كيفية استغلال الجماعات المروجة للإسلام السياسي في مناطق البلقان الفقر في البوسنة والهرسك لنشر أفكارها المتطرفة. وقالت إن هذه الجماعات تعمل أيضًا على بث أفكار التطرف في عقول الشباب الذين يمكنهم دخول دول الاتحاد الأوروبي عبر كرواتيا، مما يشكل تهديدا لكل القارة الأوروبية. وعبرت عن اعتقادها بأن "الفقر أو الظروف الاجتماعية الاقتصادية الصعبة لا تكفي لتفسير الأسباب التي تؤدي إلى التطرف". وقالت إنه من الضروري تحديد سبب التطرف وهو الأيدولوجية التي يروج لها المروجون لأفكار الإسلام السياسي. وبحث الخبراء عددا كبيرا من الأمثلة على نشاط جماعات الإسلام السياسي في أوروبا حيث يتضح بجلاء أن منظمات مثل الإخوان المسلمين تروج لأيدولوجية تقول إنها تستند، زورا، إلى أفكار مستقاة من الإسلام بهدف إثارة الاستقطاب والفرقة في المجتمعات. ونبه الخبراء إلى أن أساليب التلاعب بالدين تشمل الترويج لأفكار تغذي الشعور بالاضطهاد وتقوي الميل إلى العزلة عن المجتمع. وأشاروا إلى أن هذه الجماعات تقول للمسلمين إن أوروبا ضد الإسلام، وهذا يخالف الواقع لأن الجميع لديهم القدرة على ممارسة حرياتهم في اتباع تعاليم أديانهم فضلا عن حقوقهم الأخرى في أوروبا دون أي صعوبة. وحضر الندوة قرابة 50 من أعضاء البرلمان الأوروبي وباحثين ومستشارين لأعضاء بالبرلمان ومحللين سياسيين وسائل الإعلام. ومن بين المتحدثين الدكتور ريتشارد بيرتشل، مدير البحوث في مركز تريندز للبجوث والاستشارات، والدكتور مانوس نوريل، كبير الباحثين في المؤسسة الأوروبية للديمقراطية، وويلي فوتر ، مدير منظمة حقوق الإنسان بلا حدود، وفيزلين فولكانوف، مدير مكتب مجلس التعاون الإقليمي في بروكسل. ونبه بيرتشل إلى ضرورة عدم الانشغال فقط بالسلوكيات والأعمال الإرهابية عن الفكر المتطرف غير العنيف. وطالب، رئيس إدارة البحوث في مركز تريندز، صناع القرار وواضعي السياسات بالتركيز على التطرف غير العنيف الذي يغذي الأفكار التي تؤدي في النهاية إلى أعمال إرهابية. ودعا إلى زيادة التوعية بتهافت حجج جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين القائلة بأن السياسات الخارجية والداخلية في الدول الأوروبية تهدف إلى محاربة الإسلام. وقال مركز تريندز إنه استهدف من المشاركة في تنظيم الندوة إلقاء الضوء بشكل خاص على الأيديولوجية التي تستخدمها جماعات بعينها مثل الإخوان المسلمين والمنظمات المشابهة. وناقش المشاركون تقريرا صادرا عن البرلمان البلجيكي عن الهجوم الإرهابي الذي وقع في شهر مارس عام 2016. ويكشف التقرير الوسائل التي يستخدمها الإخوان المسلمون وغيرهم من الجماعات التي تعنتق فكرها في اختراق المجتمع المسلم وتغذي الأفكار العنيفة. وركز الباحثون على كيفية استخدام الإخوان المسلمين لغة لها معاني مزدوجة تهدف لأن تظهر للحكومات أنهم ليسوا المشكلة التي يجب التعامل معها. غير أنهم في الواقع، يثيرون الفرقة في المجتمع والآراء التي تؤدي إلى الاستقطاب وتغذي التطرف والعنف. وقد ناقش الباحثون أيضا تقرير الحكومة السويدية حول تأثير الإخوان المسلمين في السويد. ويتحدث التقرير عن رفض الحكومة السويدية مواجهة نمو الإسلام السياسي في البلاد. وقد سمحت الحكومة السويدية باسم التعددية الثقافية لجماعات الإخوان المسلمين بأن تتحكم في كيفية فهم الإسلام والتعامل معه. ورغم أن الدلائل على وجود المشكلة واضحة منذ سنوات، فإن الواقع يزداد سوءًا مع تعرض جيل من الشباب للتلاعب بعقولهم بفعل هذه الأيديولوجية. ودعا الخبراء إلى العمل على التأكد من أن أنصار الإسلام السياسي لا يُمنحون فضاء ليكون هم الصوت الوحيد الممثل للمسلمين في أي مجتمع. واتفق الخبراء جميعا على ضرورة مواجهة هذه الجماعات، خاصة الإخوان المسلمين، لتفنيد أفكارهم من أجل الكشف عن معتقداتهم الحقيقية وكيفية تصويرهم للمجتمع والدين. في هذا السياق جرى التأكيد على أن الإسلام دين يلقى الاحترام في أنحاء أوروبا، كما أنه لابد أن يُسمح للمسلمين في أوروبا بأن يكون مسلمين حقيقيين يفهمون حقيقة دينهم. في الوقت نفسه، فإنه بينما تحتاج أوروبا لأن تكون ذات عقل متفتح تجاه الإسلام، فإنها يجب أن تبقي عيونها مفتوحة على الجماعات التي تدعي أنها تمثل الإسلام، فهذه الجماعات تتحدث وجهة النظر الأوروبية العالمية التي تسمح بالتنوع والتسامح غير أن التنوع والتسامح يجب أن يكون للجميع بغض النظر عن المعتقدات الدينية. وطالب الخبراء بضرورة مواجهة الجماعات التي تحاول دعم وترويج الفكرة التي تشيع أن الاسلام فقط يمكنه ضبط وتنظيم المجتمع. وفي هذا السياق، لا بد من المواجهة بالقانون عندما تندرج خطابات وأنشطة هذه الجماعات ضمن الأعمال الإرهابية. ويجب أن يتزامن ذلك مع تحدي الأفكار التي تسعي إلى تعميم رؤيتهم المنفردة للإسلام والتي تؤدي إلى الفصل بين المجتمعات وتهميشها. وفيما يتعلق بوسائل تحقيق هذه الغاية ، اتفق الخبراء على ضرورة تعزيز التعليم والوعي والمعرفة التي تمكن الشباب من تفنيد أفكار هذه الجماعات. ونصح الخبراءُ السياسيين بأن يكونوا أكثر وعيا بما تفعل جماعات مثل الإخوان المسلمين وتأثير تسييسهم للدين. وبينما قد لا تكون أنشطتهم غير عنيفة، فإنه ثبت، وكما ظهر في التقرير البلجيكي، أن أيدولوجية هذه الجماعات تؤيد وتلهم هؤلاء الذين يستخدمون العنف. ودعا الخبراء أيضا إلى أن يتمكن السياسيون من امتلاك القوة لمطالبة كل الجماعات بالالتزام بقوانين المجتمع الأوروبي، وبعدم تمكينهم من ترويج منظومتهم العقائدية التي تسمح لهم بأن يُستثنوا من قوانين أوروبا. وعبر الخبراء عن اعتقادهم بأن تفنيد الأفكار والحجج التي يروج لها مؤيدو الإسلام السياسي، يمكن من الفهم الأفضل لما يريد هؤلاء تحقيقه وتطوير إجراءات وقائية أكثر فعالية لمواجهة التطرف.