تتعدد جهات الإفتاء في روسيا الاتحادية التي تضم ما يقرب من 85 كيانًا فيدراليًا، وتتسع مساحتها لأكثر من 17 مليون كيلو مترًا مربعًا، وداخل كل جمهورية وولاية ومحافظة وإقليم ومدينة وقرية قد تجد أكثر من مُفتٍ، والمفتى هناك ليس مخولًا له إصدار الفتوى، وإنما إدارة كل المساجد والمراكز والجمعيات الخيرية الإسلامية. هذا ما أطلعنا عليه الشيخ إلدار علاء الدينوف مفتي موسكو في حواره مع "بوابة الأهرام" عبر "واتس آب" وإليكم نص الحوار: • حدثنا عن الشيخ إلدار علاء الدينوف؟ أنا مواطن روسي ولدت في موسكو عام 1978 م، أنتمي إلى قومية التتر البولغار، بعد الثانوية سافرت إلى مصر للدراسة في الثانوية بمدينة البعوث الإسلامية ثم التحقت بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، وتخرجت فيها عام 2001، ثم درست سنوات الماجستير التمهيدية، رجعت بعدها إلى روسيا وتزوجت وأنجبت ثلاثة أبناء وبنتًا، ومكثت فيها ولم أرجع للقاهرة حيث عملت إمامًا ومدرسًا وخطيبًا بمسجد الشهداء بموسكو، ثم أصبحت الإمام الأول للمسجد الجامع الكبير بموسكو، بالإضافة إلى اختياري مفتيًا للعاصمة الروسية عام 2013. • هل لكم نشاطات غير الفتوى والإمامة؟ أرأس جمعية الزكاة الخيرية وهي من كبرى الجمعيات الخيرية الإسلامية في روسيا التي تقدم المساعدات لمسلمي روسيا واللاجئين، وافتتحت جمعية رجال الأعمال المسلمين وأسبوعيًا نلقي عليهم المحاضرات لشرح النشاطات التي نقوم بها، كما أنشأت مواقع للمراجع الإسلامية على الإنترنت، بجانب تأليف بعض الكتب أكثرها رواجًا كتاب "دليل الإسلام" بالاشتراك مع علماء من روسيا والوطن العربي، فضلًا عن استمراري في التدريس بالمسجد المركزي بموسكو والمساجد والمراكز والجمعيات خارج العاصمة. • اشرح لنا طبيعة عمل المفتي في موسكو؟ أنا لا أصدر الفتاوى، فوظيفة المفتي في روسيا تختلف في طبيعتها عن منصب المفتي في الدول العربية؛ حيث إنها تعني عندنا الشخص الذي يتولى رسميًا رئاسة المساجد والجمعيات والإدارات الدينية الإسلامية في الولايات الروسية، أما الفتوى فأنا لا أقوم بها بالمعنى المتعارف عليه لديكم، بل نعقد مجلس العلماء أسبوعيا بحضور الأئمة والعلماء الملمين بالعلوم الشرعية في كل روسيا ونقرأ الكتب للبحث عن المسائل الشرعية المعاصرة والملحّة، ثم نعقد الاجتماع العام كل ثلاثة أشهر لإصدار الفتاوى بإجماع العلماء. • لماذا تتعدد جهات الإفتاء في روسيا، وما هدف ذلك؟ للأسف، هذا واقعنا الحالي؛ حيث يوجد العديد من الإدارات الدينية في المدن والجمهوريات والأقاليم المختلفة بروسيا الاتحادية والسبب أن الدولة لا علاقة لها بالإدارات الدينية سوى الارتباط السياسي، فكل المساجد والجمعيات مستقلة ذاتيًا وماديًا وغير مدعومة رسميًا، لذلك الإدارات غير موحدة في جهة واحدة، وتجد أكثر من مُفتٍ في المدينة والإقليم الواحد، وما نتمناه أن نكون على قلب رجل واحد ولا تنشأ الصراعات بين العلماء. • كيف يجري اختيار المفتين عندكم، بالتعيين أم الانتخاب؟ ليس لدينا نظام معين في اختيار المفتين؛ أحيانا ينصِّب شخص نفسه مفتيًا لمنطقة أو رئيسًا لجمعية إسلامية، أما مجلس شورى المفتين بروسيا الاتحادية برئاسة سماحة الشيخ راوي عين الدين فهو الجهة الأقرب للرسمية والأكثر نظامًا واتزانًا وانتشارًا في ربوع روسيا والأوسع اتصالًا وتعاونًا مع المؤسسات الدينية الرسمية بالدول العربية والإسلامية، ويختص رئيس المجلس بتعيين المفتين بالمناطق المختلفة بعد انتخابهم من العلماء والأهالي. • هل هناك تعاون بينكم والمؤسسات الدينية والمنظمات بالدول الأخرى؟ بالطبع، لدينا قسم العلاقات الخارجية بالإدارة الدينية ولنا علاقات وثيقة بالمنظمات العالمية والإسلامية وسنويا تجمعنا الندوات والمؤتمرات ونستمع للآراء، وكل عام أُدعى لمؤتمر الفتوى في مصر تحت رعاية رئيس الجمهورية، كما نرسل الطلاب إلى الدول الإسلامية للدراسة بجامعاتها خاصة الأزهر الشريف بمصر الذي تخرج فيه الكثير من الدعاة والواعظين والعلماء بروسيا فهو المنارة التي تنير لنا الطريق، كما نستقبل الطلاب العرب والمسلمين للدراسة بجامعاتنا. • ما أشكال الدعم المقدمة للدعاة والواعظين لديكم؟ بالنسبة للدعاة والواعظين، نعقد لهم الندوات والدورات أكثر من مرة في العام بكل الولايات الروسية، ويحاضر فيها الكثير من العلماء في شتى العلوم التي تفيدهم في عملهم وليس العلوم الشرعية فقط، كذلك نطبع الكتب وننشر المراجع على الإنترنت لنيسر عليهم الاطلاع والتثقيف. • اعطنا نبذة عن المساجد في موسكو خاصة المسجد الكبير؟ للأسف المساجد في موسكو قليلة جدًا لا تتعدى أربعة مساجد؛ لأنها كما ذكرت مستقلة وغير مدعومة من الحكومة، وهي لا تكفي المسلمين الذين يصل عددهم للمليونين في موسكو فقط، أما المسجد المركزي فقد افتتح العام الماضي بحضور رئيس الدولة فلاديمير بوتين وبعض رؤساء وعلماء الدول العربية والإسلامية، وهو من أكبر مساجد أوروبا، يسع عشرة آلاف مصلٍّ، ويصل عدد المصلين في العيد لمائة ألف بالداخل والخارج، وقد بُني ممزوجًا بعدة طُرز وليس الطراز الإسلامي أو العربي فقط، كما أنه مسجد جامع يضم حلقات العلم والدراسة ومسابقات القرآن الكريم السنوية، وبه قاعة للمؤتمرات المشتملة على الأجهزة التعليمية والتثقيفية الحديثة، فضلًا عن أنه يجذب الناس من العالم كله مسلمين وغير مسلمين ليروا هذه التحفة المعمارية الإسلامية، كما نقيم به يوم "الباب المفتوح" لمسابقات القرآن الكريم ومعارض فن الخط. • كيف ينظر غير المسلمين لمسلمي موسكو، وهل هناك إقبال من جانبهم على دخول الإسلام؟ للأسف ينظر غير المسلمين في معظم الأحيان للمسلمين على أنهم إرهابيون ويخافون منهم، وهذا بسبب السياسة والتلفاز والأخبار التي تأتي من "داعش" الإرهابي، ونحن أيضًا السبب في ذلك فهناك مشكلات أخلاقية كبيرة يرتكبها قطاع كبير منا تسيء للدين وتنفر غير المسلمين من الإسلام، ونسينا قول الرَسُولَ "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ": "خَيْرُكُمْ مَنْ يُرْجَى خَيْرُهُ وَيُؤْمَنُ شَرُّهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ لَا يُرْجَى خَيْرُهُ وَلَا يُؤْمَنُ شَرُّهُ" فمعظم المسلمين في وادٍ والإسلام في وادٍ آخر، وبرغم ذلك هناك إقبال كبير من غير المسلمين على دخول الإسلام، ويوميًا يأتي للمسجد الجامع معتنقون جدد 70% منهم نساء، ثم نعطيهم شهادة اعتناق الإسلام ونتصل بهم شهريًا لإلقاء المحاضرات لتعريفهم بالإسلام الصحيح وندعوهم للدراسة بمراكزنا الإسلامية. • ما أبرز المشكلات التي يعاني منها الشباب المسلم في موسكو؟ مشكلاتنا واحدة في العالم الإسلامي، ولكن مشكلات شبابنا أقل من مشكلات الشباب العربي، برغم توافر المغريات في روسيا، فمعظم الشباب لديهم غايات وأهداف، ولكن من أبرز المشكلات: الفقر، والبطالة، والجهل بالمسائل الدينية، فالدنيا تغلب عليهم فهم يهرولون وراءها، وهذا بسبب ضعف الإيمان، وقلة المدارس الإسلامية وتعلمهم في المدارس الروسية ولهذه المدارس تأثير عميق في نفوس شبابنا؛ حيث يمتزجون بثقافات بعيدة عن الدين الإسلامي. • كيف كان يرى مفتي موسكو الحصار المفروض على المسجد الأقصى؟ هذا هو جرحنا المزمن المؤلم، وأنا عندما زرت المسجد الأقصى تحدثت عبر وسائل الإعلام وقلت إن العالم الإسلامي كله تحت الحصار وليس الفلسطينيون وحدهم، وكسر الحصار يبدأ من عندنا نحن فيجب البدء بأنفسنا، كما أنني رأيت اللانظام عند معظم المسلمين في فلسطين كثير من الناس يدخنون ولا يلتزمون بالصلاة وتعاليم الدين، نسينا ربنا برغم أننا تحت الحصار نعيش لأنفسنا كغثاء السيل وليس لله وللرسول، فعلينا أن نترك كل المحرمات الصغيرة والكبيرة ونلتزم بديننا وندرس ونتعلم حتى نستطيع أن نواجه المحتل الذي هو أكثر منا علمًا ونظامًا، فكل واحد منا هو المسئول عن ذلك الحصار، بل نحن بذنوبنا الحصار الحقيقي على المسجد الأقصى. • كلمة توجهها فضيلة الشيخ للشباب العربي؟ للأسف الشباب في العالم العربي، يسيطر على معظمه اللهو واللامبالاة فهم يعيشون ليوم واحد، وهذا لا يكفي؛ لذلك يجب أن يعيش اليوم ويرى غده ويفهم ما يقدم لمستقبله، لابد أن تكون لديه الأهداف والغايات والمقاصد التي يسعى إليها خطوة بعد خطوة، فيخطط لأهداف شهر ثم سنة ثم عشر سنوات، ولا بد أن تتماشى تلك الأهداف مع ديننا ويكون فيه نور الله ونور الرسول، حتى لا يكونوا سببا في تنفير الناس من الإسلام وهذا كفيل بأن يغضب الله.