تجرع كوب ماء، وصلى الفجر، واقتيد بعدها لتنفيذ حكم الإعدام؛ لتنتهي حياة سيد قطب على منصبة عشماوي؛ وتبقى أفكاره ترسم الطريق للسلفية الجهادية، التي خرجت من عباءتها، جماعات التطرف الديني، التي أرهقت العالم وأراقت الدماء. منذ 51 عامًا، في فجر الإثنين، 29 أغسطس 1966، تم تنفيذ حكم الإعدام على سيد قطب، منظر ومفكر السلفية الجهادية، التي خرجت من عباءتها الجماعات الإسلامية، بداية من تنظيم الإخوان المسلمين، وجماعات الجهاد بمصر، ونهاية بداعش وغيرها من الجماعات الإرهابية. حيث يعتبر كتاب "معالم في الطريق"، النواة الأولى والمصدر الرئيسي، التي استمدت منها هذه الجماعات، الأفكار والفتاوى لحمل السلاح، ومواجهة الأنظمة السياسية، وهو ما أرهق العالم، وأراق الكثير من الدماء، جراء العمليات الإرهابية. اسمه بالكامل سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي، ولد في قرية "موشا" بمحافظة أسيوط، في 9 أكتوبر 1906. تلقى تعليمه الأول، وحفظ القرآن الكريم، بالقرية مثل آلاف المصريين في هذا الوقت، ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية بالقاهرة، ثم التحق بكلية دار العلوم، نفس الكلية التي تخرج فيها مرشد الإخوان الأول حسن البنا. عمل قطب بوزارة المعارف، وسافر في بعثة إلى أمريكا لمدة عامين، عاد منها في 1950، ليخوض غمار السياسية، ويشهد ثورة الضباط الأحرار، ونهاية الحكم الملكي بمصر، فكان المدني الوحيد، الذي يحضر اجتماعات الضباط الأحرار. ولكن بعد انتهاء دور محمد نجيب في الثورة اختلف معهم، وانضم لجماعة الإخوان المسلمين في عام 1954، فكانت أفكار قطب، هي المحرك الأساسي لتنظيم الإخوان، الذي تم كشفه بالمصادفة، وكان يخطط لإسقاط النظام، بتنفيذ عدة تفجيرات عام 1965. الطريق لمنصة عشماوي قضى قطب عامًا واحدًا، حرًا طليقًا بعد خروجه من المعتقل، الذي ظل فيه لمدة 15 عامًا، ضمن المتهمين في حادثة المنشية، ذاق خلالها ألوانًا من العذاب والتنكيل، وفقًا لعدة شهادات من زملائه بالسجن. وذلك قبل أن يتم الإفراج عنه، بموجب العفو الصحي، في عام 1964، وكان فكره وقتها يتبلور كما قال:" أن إقامة النظام الإسلامي تستدعي جهودًا طويلة في التربية وأنها لا تجيء عن طريق إحداث انقلاب". ولكن أخطر ما قام به قطب، هو التواصل مع عدد من أعضاء جماعة الإخوان وقتها، للتخطيط لقلب نظام الحكم، وإقامة الدولة الإسلامية، وبدأ التنظيم في جمع السلاح والتدريب، وصنع المتفجرات، وخطط لعدة اغتيالات تشمل جمال عبدالناصر، والمشير عامر ومجموعة من الضباط الأحرار، وعددًا من نجوم الفن والإعلام. وكانت الخطة تقضي بنسف عدد من المصانع والمصالح الحكومية، وحرق دور السينما ومحطات الكهرباء، بهدف إحداث شلل تام بالدولة وإسقاطها، ولكن عمليات التمشيط والبحث التي تقوم بها أجهزة الأمن وقتها، قادت لاكتشاف التنظيم. وكان سيد قطب وقتها يقضي إجازة الصيف في رأس البر، وعندما ذهب إليه بعض أفراد التنظيم لاستشارته، بعد شن الأجهزة الأمنية حملة اعتقالات في صفوف أعضاء التنظيم. نصح قطب أعضاء التنظيم، بنسف القناطر الخيرية، من أجل إغراق الدلتا بالكامل، بهدف شغل الحكومة، وعدم استكمالها حملة الاعتقالات، ضد الإخوان المسلمين. ولكن تمكنت الأجهزة الأمنية، من ضبط مجموعة نسف القناطر الخيرية، التي اعترفت بتفاصيل المخطط، وعندما تم اعتقال سيد قطب، أنكر كل الاتهامات الموجهة ضده، وركز على أنه مفكر إسلامي ومريض، ومن يحارب الإسلام فهو يحاربه في صورة سيد قطب. حكم على سيد قطب وآخرين بالإعدام، خلال محاكمة علانية استمرت لمدة عام، وتم تخفيف الحكم على بعض المتهمين، وتم تنفيذ حكم الإعدام على قطب بشكل مفاجئ، بالرغم من توسط قيادات عربية للإفراج عنه. المشهد الأخير في حياة المفكر نقل اللواء "فؤاد علام" المشهد الأخير في حياة سيد قطب، حيث كان وقتها الضابط المكلف باصطحابه لمنصة الإعدام، يقول علام في مذكراته" الإخوان وأنا" عن يوم إعدام قطب: "إن يوم إعدام سيد قطب لم يكن اليوم معلومًا لأحد، وكنت أجلس في السيارة الأولى وبجواري سيد قطب، وفى الثانية كان يجلس محمد يوسف هواش نائب سيد قطب في قيادة التنظيم، وفى الثالثة كان يجلس عبدالفتاح إسماعيل والثلاثة محكوم عليهم بالإعدام". ويكمل علام في مذكراته: "كان سيد قطب يرتدي بدلة داكنة اللون، تحتها قميص أبيض ويبدو بصحة جيدة، فربما لم يتم ضربه أو تعذيبه، كما أنه لم يكن مجهدًا أو مرهقًا". وقال قطب خلال الطريق لتنفيذ الإعدام: "للأسف الشديد لم ينجحوا في تنفيذ عملية نسف القناطر الخيرية التي لو تمت لانتهى النظام". وأضاف قطب وفقًا لشهادة "علام": "إن مشكلتي في عقلي أنا مفكر وكاتب إسلامي كبير، والحكومة تريد القضاء على الإسلام عبر قتلى". "تدمير القناطر ومحطات الكهرباء والمياه كان سيكون بداية الثورة الإسلامية وإنذار شديد للناس لينتبهوا من غفلتهم وسكرتهم بنظام حكم عبد الناصر". عندما بدأت مراسم تنفيذ حكم الإعدام، ارتدى قطب البدلة الحمراء، وسئل إن كان يريد شيئًا، فطلب كوب ماء تجرعه، ثم طلب أن يصلى الفجر، ثم دخل غرفة الإعدام وتم تنفيذ الحكم. كتب مشهد الإعدام نهاية سيد قطب، ولكن ظلت أفكاره أحد المراجع الرئيسية للسلفية الجهادية، التي خرجت من عباءتها الجماعات المتطرفة، التي حملت السلاح وأراقت الدماء.