تأتي زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي في جولة لعدد من الدول الإفريقية، اليوم الإثنين، لتعكس عمق الرؤية المصرية تجاه أهمية التوغل في القارة السمراء، والأولوية التي تمنحها السياسة الخارجية المصرية تجاه القضايا الأفريقية، والتي غابت مصر عنها طويلًا، علي المستوى الرئاسي، لاسيما مذ منتصف تسعينيات القرن الماضي، في الوقت الذي كانت تشهد فيه تلك القارة تقاربات دولية وتباعد مصري. وتترجم زيارات الرئيس السيسي المتواصلة لعدد من الدول الإفريقية شملت في السابق منذ عام 2014 دول "غينيا الاستوائية، السودان، إثيوبيا أوغندا"، بجانب القمم الإفريقية المتعاقبة، بالاضافة لجولته الحالية التي تشمل كلًا من "تنزانيا ورواندا والجابون وتشاد" لتأسيس علاقات فاعلة مع دول إفريقيا، على كافة الأصعدة والمستويات والمجالات الإقليمية والأمنية والاقتصادية، وجدية الدولة المصرية في العودة بقوة للجسد الإفريقي. “مصر ترحب بعودتها للاتحاد الإفريقى واستئناف عملها فى أنشطة الاتحاد، وأعلن عن إنشاء وكالة مصرية للشراكة من أجل التنمية فى إفريقيا”.. رسالة قوية بعث بها الرئيس السيسي في أثناء أعمال الدورة العادية الثالثة والعشرين لقمة الاتحاد الإفريقى، بغينيا الاستوائية، والتى عقدت تحت شعار “الزراعة والأمن الغذائى بالقارة الإفريقية”، وكانت بداية قوية لبداية عهد جديد في ظل الرئيس السيسي قائمة على الشراكة والتنمية المتبادلة بين مصر وأشقائها في إفريقيا، بعد فترة قصيرة من اتجاه الاتحاد الإفريقى لتجمد عضوية مصر عقب سقوط نظام الإخوان بعد ثورة 30 يونيو، وعادت مصر مجددًا لأحضان القارة السمراء. دبلوماسيون وخبراء في الشأن الإفريقي، يؤكدون على أهمية هذه الزيارة التي تحمل في محتواها أبعادًا هامة للجانبين معًا، وإن اتفقا على ضرورة التواجد الدائم للدولة المصرية في تلك الدول من خلال الاستثمارات وتدشين مشاريع من شأنها أن تؤكد على عمق التوجه الجديد للدولة المصرية تجاه الدول الإفريقية. لكن محاولات البعض تفسير العلاقة بين مصر وإفريقيا في العهود السابقة، لاسيما فترة الرئيس الأسبق حسني مبارك، وتوصيفها بالفتور، لا تروق لكثير من الدبلوماسيين، بينهم السفيرة منى عمر، المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري للشئون الإفريقية، التي تفسر تلك العلاقة بالجيدة على طول الخط، فقط كانت ضعيفة على المستوى الرئاسي في أعقاب محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس الأسبق مبارك، لكنها على مستوي الوزراء كانت جيدة، وقدمت مصر خلال الفترات السابقة منذ عهد عبدالناصر إلى الآن الكثير والكثير للقارة الإفريقية وما زالت، وبجولات الرئيس السيسي فإن أطراف العلاقة مع الأشقاء الأفارقة عادت من جديد. "أهمية هذه الزيارات والجولات للرئيس السيسي تتمثل في توطيد العلاقات بين مصر والبلدان الإفريقية وتحمل أكثر من هدف في داخلها أهمها إعلاء المصالح الاقتصادية وتحقيق صيغة ربحية للجانب المصري وتحقيق استفادة على الجانب الآخر للأفارقة تتمثل في فتح أسواق لاسيما فيما يتعلق بالأمن الغذائي وكذلك نقل الخبرات وتدريب الكوادر وتشغيل العمالة، تقول "عمر"، وتضيف: وتعكس تلك الزيارة الكثير من الأبعاد في الملفات الأمنية والتنسيق بين القضايا الإفريقية لاسيما الجانب الأمني ومناقشة الوضع في ليبيا تحديدًا مع قادة تشاد التي تقع على الحدود معها، وأهمية ذلك في مواجهة مافيا التهريب "السلاح والمخدرات والبشر". كذلك ستتناول الزيارة الحديث عن الأوضاع في الكونغو خلال زيارة الرئيس في تنزانياوتشاد، وكذلك الأوضاع في الصومال وتنظيم بوكو حرام في نيجيريا وارتباطه بالعديد من المنظمات الإرهابية، بحسب " المساعد الأسبق لوزير الخارجية المصري للشئون الإفريقية"، التي تستطرد بالقول: إفريقيا هي المجال الوحيد التي من الممكن أن تحقق خلاله مصر أرباحًا هائلة ويستدعي ذلك دراسات للعمق الاقتصادي للدول الإفريقية والتواجد المستمر لنا هناك بجانب الدور الذي لابد أن يقوم به رجال الأعمال المصريين مقبل الأيام. في السياق ذاته، يرى السفير علي الحفني، النائب الأسبق لوزير الخارجية المصري للشئون الإفريقية،أن جولة الرئيس الحالية تؤكد مرة أخرى مصداقية التوجه الإفريقي للدولة المصرية بعد ال30 من يونيو، والتي شهدت محطات هامة ما أتاح مزيدًا من الفرص، وما يدفع بطفرة العلاقات الثنائية في الفترة المقبلة، مشيرًا إلى أن القيادة المصرية كانت حريصة على توجيه الدعوات لعدد من الزعامات الإفريقية التي قام عدد هام منها بزيارة مصر، كما حرصت على دعوة الدول الإفريقية للمشاركة في عدد من أهم الأحداث التي شهدتها مصر في السنوات الماضية بينها المؤتمر الاقتصادي وافتتاح قناة السويس، وكذلك استضافة مصر قمة التكتلات الاقتصادية الثلاث، وكل هذه الأمور تعكس الرؤية المصري تجاه الدول الإفريقية وصدق النوايا في تعميق العلاقات. أضاف الحفني، أن علاقات التعاون الأمني والعسكري شهدت طفرة مع عدد من الدول الإفريقية وخاصة الأعضاء في دول الساحل والصحراء، حيث قامت مصر باستضافة اجتماع وزراء الدفاع لدول اتجمع وتم الاتفاق في إطاره على تأسيس علاقات التعاون الأمني والعسكريوخاصة فيما يتعلق بمكافحة العنف والإرهاب، وحاز اقتراح مصر باستضافتها مركزًا للتجمع لمكافحة الإرهاب، بتأييد الدول المشاركة في ذلك الاجتماع. وبحسب الدكتورة أماني الطويل، مدير وحدة الدراسات الإفريقية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، فإن زيارات الرئيس السيسي لإفريقيا، تعكس الملفات الساخنة وأولوياتها للدبلوماسية المصرية، وعمق أجندة التعاون على المستوى الاقتصادي وتنمية الموارد المائية لمياه نهر النيل، وتوطيد العلاقات الثنايئة بين مصر ودول حوض النيل. وأفردت "الطويل"، أهمية الزيارة لكل دولة على حدة من الدول التي يزورها الرئيس السيسي، فزيارة الجابون بالأساس اقتصادية ويحاول الجانب المصري الاستفادة المتبادلة معها، أما فيما يتعلق برواندا وتنزانيا تحمل أهمية كبرى في توطيد العلاقات الناةوالدفع بالملفات الاقتصادية والتنموية قدمًا، والتطرق للملفات الأمنية لدولتي ليبيا التي تعاني أزمات أمنية كبير واضطرابات دائمة، كذلك السودان لاسيما إقليم دارفور، من خلال زيارة تشاد.