حالة من التذمر أصابت المصريين بعد رفع أسعار البنزين للمرة الثانية، وذلك لأنهم يعرفون تمام المعرفة أن الخطوة التي تليها، رفع أسعار السلع الأساسية وغير الأساسية، والنقل، في الوقت الذي يعاني فيه الناس من الضغوط المالية الكبيرة، بسبب الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد نتيجة للإصلاح الاقتصادي الجذري الذي تتولى تنفيذه الحكومة. الأمر الذي قد لا يعرفه الكثيرون أن حمى رفع الأسعار أصابت الدول العربية مثل السعودية والبحرين وعٌمان والكويت والإمارات، وذلك بسبب انخفاض سعر برميل البترول، وبالتالي ارتفاع العجز المالي والتخوف من الاتجاه للاقتراض، حيث قامت هذه الدول بتقليص دعمها ورفع أسعار البنزين. فقد اتجهت الكويت على سبيل المثال، لمراجعة أسعار البنزين كل 3 أشهر لتتواءم مع أسعار النفط العالمية، وإعادة ترشيد الدعم، ليرتفع سعر البنزين الممتاز بنسبة 40%، فيما ارتفع سعر البنزين الخصوصي 60%، أما البنزين الألترا فيشهد زيادة بنحو 80%. بينما بلغ الارتفاع في سعر البنزين في البحرين ل50%، وقطر والإمارات أقرتا تحديد أسعار الوقود شهريًا وفقًا للمتغيرات التي تطرأ على السوق العالمية، وفي الكويت فقد تراوحت نسب الزيادة من 41% إلى 83%، وفي السعودية بلغت الزيادة في أسعار البنزين 55-60%. وأكد نادي عزام، خبير الاقتصاد وسوق المال، اعتاد المواطنون في مصر أن توفر لهم الدولة المتطلبات المعيشية مدعمة منذ ثورة 23 يوليو، والمحروقات واحد من المنتجات التي تدعمها الدولة، بينما تتجه الدولة لإلغاء الدعم بشكل تدريجي، للتخلص من اعتماد المواطن على القطاع العام، واستبداله بالدعم النقدي، ونوه بأننا تأخرنا كثيرًا في تطبيق رفع الدعم عن المحروقات. وأوضح أن إلغاء دعم البنزين يعني خروج الدولة من عباءة النظام الاشتراكي للنظام الحر وهي خطوة متأخرة، وهو أيضًا النظام الذي تتجه إليه الدول العربية، فهو قائم على العرض والطلب. وصرح عزام بأنه يؤيد رفع الدعم وتحرير الإدارات في الهيئات والمؤسسات الحكومية، مع التحول لنظام التحرير بمعنى التخلص من الدعم والقطاع العام والاتجاه لتطوير القطاع الخاص لخدمة المواطن، فالقطاع العام لا يكسب فالمنتج الذي تتكلف صناعته 10 جنيهات يبيعه للمواطن ب 10.50 جنيه، بينما نظام التحرير يواكب فيه السعر المحلي السعر العالمي، إضافة إلى تقديم مميزات للمواطن الفقير الذي يستحق الدعم، فعلى سبيل المثال نجد بطاقة التموين التي رفعوا مستواها منذ أيام بالتزامن مع رفع الأسعار، وكذلك تقديم العلاوات لموظفي القطاعين الحكومي والخاص. وأشار إلى أن في دول الخليج الوضع يختلف في رفع الدعم، لأن المستفيدين منه أعداد الأجانب الذين يفوقون أعداد المواطنين، وبالتالي ترفع الحكومة أسعار الوقود لأن المستفيد الأجنبي، وعند ارتفاع سعره على المواطن الخليجي تقدم له الحكومة أراضي ومساكن حديثة مجانًا أو مدعمة بشكل كبير، ليستفيد بها المواطن الخليجي فقط. وقالت رانيا يعقوب، خبيرة الاقتصاد وأسواق المال، فكرة دعم أي دولة للمحروقات في الرخاء أو الشدة لا يؤثر سلبًا على الموازنة العامة ولكن في 2008 ومع مرور دول العالم بالأزمة العالمية الاقتصادية، وانخفاض أسعار البترول تأثرت اقتصاديات دول الخليج، التي تعتمد على البترول كأساس لصادراتها وبالتالي إيراداتها وبدأ يظهر عجز الموازنة لهذه الدول، مما دعا أغلب الدول الخليجية للبدء في إعادة هيكلة منظومة الدعم على المحروقات والطاقة. وتابعت: بدأ الخليج في إعلان حالة التقشف لمعالجة الآثار السلبية التي انعكست على اقتصادياتها، كما حدث في مصر مؤخرًا حيث اتجهت لمعالجة منظومة الدعم الذي أهدر مبالغ طائلة للدولة في ظل انخفاض إيراداتها، وارتفاع المصروفات، مما أدى لعجز الموازنة، الذي اتخذت الدولة على إثره قرارًا جريئًا برفع الدعم عن المحروقات. فبالرغم من ارتفاع معدلات التضخم، إلا أنه سيساعد على خفض عجز الموازنة، وإعادة هيكلة الدعم ليقدم لمحدودي الدخل، من خلال برامج الحماية التي تقدمها الحكومة، لتوفير الدعم لمستحقيه ورفع المعاناة عن المواطن. وصرحت بأن إجراءات رفع الدعم ليس على المستوى المحلي أو العربي فقط بل على مستوى العالم، حيث تتجه هذه الدول لمعالجة منظومة الدعم، ولا يعني الأمر بمستوى المعيشة، أو بمعدلات الدخل، خاصة مع ظهور الأزمات العالمية في السنوات الماضية، وتغير موازين القوى على مستوى العالم، مما أدى لتغير مستويات الاقتصاد في الدول المتقدمة اقتصاديًا، مثلها مثل الدول الناشئة، ومواجهة المشكلات المتراكمة، مثل الأجور، والدعم، وترشيد الاستهلاك الحكومي، للوصول للاستقرار الاقتصادي للمنطقة. ولفت محمد سعيد، خبير الاقتصاد وأسواق المال، إلى أن رفع أسعار البنزين تحرك عام في كل دول العالم وليس مصر فقط، وذلك لترشيد الإنفاق العام على المحروقات، بسبب الظروف الاقتصادية التي تعاني منها وهي تختلف من دولة لأخرى، ففي حين تلجأ مصر لهذا الإجراء كواحد من متطلبات برنامج الإصلاح الاقتصادي بهدف تخفيض عجز الموازنة، تلجأ الدول الخليجية لهذا الإجراء، بالرغم من أنها دول منتجة للنفط بسبب صعوبة ميزانياتها بعد تراجع عائداتها على إثر انخفاض أسعار النفط، وهو المصدر الأساسي للدخل في كافة الدول الخليجية. واستطرد: وعلى الرغم من تباين مستويات الدخل بشكل واضح بين مصر والدول الخليجية، إلا أن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنتهجه مصر يهدف في مراحله النهائية إلى إصلاح سوق العمل، وضبط هيكل الأجور في مراحل لاحقة مستفيدًا بمعدلات النمو التي يتوقع أن يحظى بها الاقتصاد المصري، على أثر الميزة التنافسية التي يحظى بها المنتج المصري بانخفاض قيمة العملة، وبالنظر إلى ارتفاع أسعار البنزين في المرتين الأخيرتين فإنه بالكاد يعادل قيمة التضخم الذي نتج عن انخفاض قيمة العملة إلى أكثر من النصف بعد تحرير سعر الصرف، وهذا يعني انخفاض قيمة الجنيه وليس ارتفاع البنزين.