"معدي الناس" ليس مجرد عنوان ألبوم لواحد من أبرز مطربي الشرق الأوسط، الذي نال جماهيرية ضخمة، ربما لم يحظ بها أي فنان مخضرم آخر، لكن المتأمل في الكلمة التي يحملها هذا العنوان، يتأكد أن الأمر يرتبط بحالة فنية استثنائية، جعلت صاحب لقب "الهضبة" خارج أفق الرتابة، التي لربما أطاحت بزملاء له في نفس المرحلة العمرية، مما جعله طوال الوقت متفوقًا بخطوات فنية، سبقت الجميع على مختلف الأصعدة، ولكن رغم أن عبارة "معدي الناس" من الممكن أن تظلم الكثيرين، ممن يحاولون الاجتهاد والحفاظ على هيبتهم الغنائية، لكن تبقى منظومة عمرو دياب بالفعل، هي سابقة في خطواتها للكثيرين. من منطلق عنوان ألبومه الجديد "معدي الناس" الذي لم يكن اختياره مجرد وليد صدفة لاسم أغنية يحملها الألبوم، تتعدد الأسباب التي جعلت النجم في مقدمة الصفوف العالمية، والتي نسرد منها ما يلي: عمرو دياب، هو بحق صاحب انطلاقة الأغنية الشبابية، التي ولدت مع مولده كفنان بدأ انطلاقته منذ مرحلة الثمانينات، وكانت الانطلاقة مع روح موسيقية شابة، وهو الموسيقار هاني شنودة، والذي تتمتع موسيقاه دائمًا بروح مرحة وجاذبة للأذن، وتلاها بعد ذلك العمل مع حميد الشاعري، ليبدأ عمرو دياب واضعًا اسمًا للمرحلة الغنائية، التي تشكلت عقب حرب أكتوبر بسنوات قليلة، ومع دخول الجماهير مرحلة سياسية جديدة تملكها الاستقرار انقطع ظل الأغنية الوطنية، وبدأ المستمع يبحث عن هويته في نوع آخر من الفنون الغنائية بصوت شاب عذب، ينتقي كلماته وألحانه بعناية بشكل يجذب إليه المستمع الصغير قبل الشباب والأطفال. اختيار عمرو عام 1990 للغناء في افتتاح بطولة الأمم الإفريقية الخامسة، وغناؤه باللغات الإنجليزية والفرنسية، منحه الفرصة للاحتكاك بالعالم الخارجي، وهو ما جعل أغانيه تتردد فيما بعد في المجتمعات الغربية، وليس على مستوى الشرق الأوسط فقط، بعد أن شاهده الملايين خلال افتتاح هذه الدورة. عمرو دياب، نجح في الاقتراب من الجماهير بتواجده، وحضوره المستمر، والمنتظم في كل عام، من خلال إصداره لألبوماته المنتظمة، تحديدًا في فصل الصيف، في أغلب الأوقات، اللهم إلا ألبومات قليلة، تم صدورها في موسم الشتاء، مثل علم قلبي، كمل كلامك، هذا التوقيت شديد الذكاء، الذي يمثل مرحلة صفاء للذهن للكثيرين، خلال إجازاتهم الصيفية، وحتى هذه اللحظة، تبقى ألبومات عمرو دياب القديمة، والحديثة، هي شعار ترفعه الأماكن السياحية، وقد بدأ ذلك بقوة مع صدور ألبومه الشهير "نور العين" الذي تم تصويره بإحدى القرى السياحية، وحقق أعلى المبيعات في سوق الكاسيت في الشرق الأوسط، وامتد نجاحه عالمياً أيضاً، مع النسخة الإنجليزية التي حملت اسم "حبيبي". التجدد لدى النجم لا ينتهي، فالحرص في تقديم دويتوهات غنائية مع نجوم مختلفين على الساحة، مثل الشاب خالد، وإنجلينا، ومؤخرًا محمد منير في "القاهرة" هذا التنوع الذي صاحب الأشكال الموسيقية التي قدمها من عمل لآخر، جعل أعماله يتم سرقتها وتقليدها في العديد من الدول. عمرو دياب، هو أكثر المطربين الحاصلين على جوائز، أشهرها جائزة الميوزك أوورد World Music Award سبعة مرات عام 1996 عن ألبوم "نور العين"، وعام 2001 عن ألبوم "أكتر واحد"، وعام 2007 عن ألبوم "الليلة دي" وعام 2014 عن البوم" الليلة " والذي حصل فيه على ثلاث جوائز: أفضل مطرب فى مصر، أفضل مطرب فى الشرق الأوسط رجال، وأفضل فيديو كليب. الاهتمام باللوك والملامح الجسمانية، كانت علامة فارقة في مشوار دياب، ففي كل مرة يحرص على تغيير في شكل تصفيف شعره، وارتداء ملابس، الذي يصبح علامة وماركة مسجلة في تقليد الشباب الصغير له، وكان أشهر مثال على ذلك البلوفو، الذي تم ارتداؤه في أغنيته الشهيرة "أنا عايش" وارتدته الملايين بعده، هذا الأمر الذي لا يستهان به، ويبرز مدى التأثير والتأثر بالنجم. يبقى عمرو دياب، صاحب المغامرات المختلفة في تصويره أغانيه، التي لم تتخذ شكلًا تقليديًا، اللهم في السنوات الأخيرة، فكان دائمًا حديث الجماهير بتصوير أغانيه المختلف، والمتجدد، بداية من استخدام الأبيض والأسود فقط، في تصوير أغنية "حبيبي" ثم المزج بين الألوان والأبيض والأسود في "ويلوموني" ثم "راجعين" والتي غامر بها بالصعود أعلى أسطح إحدى العمارات التي جلس بجوار إحدى إعلانات "الأوت دور" الخاصة بها، وأيضًا "كان عندك حق" والتي تم تصويرها على صخرة جبل عالية وأخرى. منح عمرو دياب الفرصة للعديد من المواهب الشابة في الشعر، والتلحين، للعمل معه دون تخوف، وهو ما لم يتداركه عدد من مطربي جيله، الذين حبسوا أنفسهم مع مجموعة معينة، ولم يؤمنوا بأن التغيير سنة الحياة، وهو ما بدأ يتداركه بعضهم مؤخرًا ليجدد دماؤه. تمسك عمرو، أن يحتفظ بالإيقاعات الشرقية الموسيقية في العديد من ألبوماته، بالرغم من العالمية التي وصل لها، وكان من الممكن أن تسيطر عليه، وتغير من ملامح أغنياته، متجهًا بها للجمهور الغربي، وإن كان هذا الأمر يحمل قدرًا من الذكاء لدى الفنان، الذي حفظ ماء الوجه في التوازن بين الموسيقى الشرقية والغربية. بالرغم أن ابتعاد عمرو دياب عن الحديث في الوسائل الإعلامية، أمر قد يثير حفيظة الكثيرين، لكنه على الجانب الآخر، حفظ الفنان من معترك الدخول في تصريحات، وأقاويل، قد تفسد ما أسسه لسنوات مضت، خصوصًا مع توسع أفق التكنولوجيا الإعلامية الحديثة. الأسباب ليكون عمرو دياب "معدي الناس" لا تنتهي، ولا تسع هذه السطور للإفادة عنها، وتحتاج لمقالات عدة تفند لتاريخ هذه المنظومة، ولكن حتى وإن كان للبعض ملاحظات ووقفات، نحو مشوار عمرو دياب، فإنه يبقى حالة استثنائية متفردة، قادرة على الجذب الجماهيري، والامتاع بمرور السنوات.