قبل أن يسدل الستار علي عامٍ مر ليس كأي عام.. وكشفت أحداثه عن أن أداء الاقتصاد المصري في أعقاب ثورة يناير - كما أكد خبراء - كان سببا في تراجع العجز في كل من ميزان التجارة وميزان العمليات الجارية والتحويلات، كما كشفت عن تراجع القطاعات التي كان يركز عليها النظام السابق كقوى دفع للاقتصاد. أكدت د.سلوى العنتري عضو مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي, أنه برغم توقعات بعض المؤسسات الدولية أن معدل نمو الاقتصاد المصري لن يتجاوز 1% في أحسن الأحوال، فى ظل ما يقترن بالثورات عادة من هدم وتدمير, إلا أن الاقتصاد المصري استطاع أن يحقق معدل نمو خلال السنة المالية المنتهية فى يونيو 2011 نحو 9ر1% مقابل 1ر5% خلال السنة المالية لعام 2010. وقد أسفر أداء الاقتصاد المصري خلال الفترة يناير – سبتمبر 2011 كما أشارت العنتري وفقا للنشرة الإحصائية الشهرية نوفمبر 2011, الصادرة عن البنك المركزي, عن تراجع العجز في كل من ميزان التجارة وميزان العمليات الجارية والتحويلات. فقد أدت الزيادة الكبيرة فى الصادرات إلى تراجع عجز ميزان التجارة بنحو 2 مليار دولار. كما أدت الزيادة الكبيرة فى تحويلات المصريين العاملين فى الخارج بنحو 1.1 مليار دولار, وزيادة إيرادات قناة السويس بنحو 0.4مليار دولار إلى تخفيف أثر الانخفاض الحاد في إيرادات السياحة, والذي بلغ ما يقرب من 3 مليارات دولار بنسبة 5ر31%، الأمر الذي أدي إلي تراجع عجز ميزان العمليات الجارية والتحويلات, ليقتصر على 5ر3مليار دولار مقابل 3ر4 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. وأضافت عضو مجلس إدارة بنك ناصر الاجتماعي, أن قيام الأجانب ببيع ما فى حوزتهم من أذون خزانة وأوراق مالية متداولة فى سوق الأوراق المالية قد أسفر عن تدفقات رءوس أموال إلى الخارج خلال الفترة يناير – سبتمبر 2011 بنحو 9ر8 مليار دولار، مقابل تدفقات للداخل بنحو 2ر12 مليار دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. كما تراجعت تدفقات الاستثمار المباشر لتقتصر على 375 مليون دولار مقابل نحو 7ر5 مليار دولار خلال فترة المقارنة. الأمر الذي أدي في النهاية إلي العجز الكلي لميزان المدفوعات خلال الفترة يناير – سبتمبر 2011 بلغ قيمته 7ر12 مليار دولار مقابل فائض بنحو 719 مليون دولار خلال الفترة المماثلة من العام السابق. التراجع فى معدل نمو الاقتصاد المصري وفقا للعنتري كان سببه الرئيسي الانفلات الأمني, وسوء إدارة الفترة الانتقالية. فقد أدى استمرار الانفلات الأمني إلى التأثير بالسلب على حركة نقل البضائع, ومستلزمات الإنتاج، وحال دون انتظام العمل فى العديد من المصانع والمنشآت التي أغلقت أبوابها أو خفضت معدلات التشغيل. وفاقم من الأمر استمرار الاحتجاجات بين صفوف الطبقة العاملة والعديد من فئات المجتمع محدودة الدخل، فى ظل عدم استجابة الحكومات المتعاقبة لمطالب وضع حد أدنى كريم للأجور, وانعدام القدرة على ضبط الأسواق والأسعار، أو حتى ضمان حصول الجماهير العريضة على السلع الأساسية كرغيف الخبز أو أنبوبة البوتاجاز. وكان من الطبيعي كما أكدت العنتري, أن تسفر تلك التطورات عن انكماش طفيف فى قطاع الصناعة التحويلية بنحو 9ر0%, وتراجع معدل نمو قطاع النقل والتخزين ليقتصر على 8ر2% مقابل 8ر6% خلال العام السابق. ويوضح د.أحمد غنيم أستاذ كلية الاقتصاد جامعة القاهرة أن القطاعات التي تم التركيز عليها خلال السنوات الماضية من قبل النظام السابق كقوى دفع للاقتصاد المصري هي أبرز القطاعات التي شهدت تراجعا حادا. وكان أكبر تراجع من نصيب قطاع السياحة الذي سجل معدل نمو سالب 9ر5% مقابل معدل نمو 12% خلال العام السابق. هذا التراجع الحاد كما أكد غنيم, نتيجة للانفلات الأمني وسوء الإدارة من جهة, والأثر السلبي لتصريحات الاتجاهات الإسلامية المتطرفة فى شأن الآثار المصرية وسياحة الشواطئ من جهة أخرى. كما تراجع معدل النمو فى قطاع الاتصالات من 2ر13% إلى 7ر6% وقطاع التشييد والبناء من 2ر13% إلى 7ر3%، مشيرا أن الجزء الأكبر من نمو ذلك القطاع خلال السنوات القليلة السابقة على الثورة قد اقترن بدخول العديد من شركات المقاولات الخليجية التي كانت تركز بشكل أساسي في مجال الإسكان الفاخر. وفيما يتعلق بأداء الاقتصاد المصري من حيث معدلات الادخار والاستثمار يوضح د.أسامه عبد الخالق الخبير الاقتصادي بجامعة الدول العربية, أنه على الرغم من تراجع معدل الاستثمار إلى الناتج المحلى الإجمالي من 5ر19% فى يونيو 2010 إلى 1ر17% فى يونيو 2011، وفقا للنشرة الإحصائية الشهرية نوفمبر2011, الصادرة عن وزارة التخطيط, إلا أن هذا التراجع يعود بالأساس إلى انخفاض الاستثمار الأجنبي المباشر، أما معدل الاستثمارات المحلية إلى الناتج المحلى الإجمالي فلم تشهد سوى تراجع طفيف من 4ر16% إلى 2ر16% فيما بين تاريخي المقارنة. أما معدل الادخار إلى الناتج المحلى الإجمالي كما أشار عبد الخالق, فقد تراجع من 3ر14% إلى 2ر13%، لكن هذا التراجع يعود بالكامل إلى تزايد عجز الموازنة العامة للدولة, أى إلى الإدخار السالب من جانب الحكومة, وليس نتيجة لتراجع معدلات إدخار القطاع العائلي.