كانت تنظر له وهي تكتم أنفاسها فربما لاحظ تلاحق أنفاسها فيدرك مدى ضعفها وقوة صدمتها. صمتت وهي ترفع رأسها في شموخ وكأن الأمر لا يعنيها.عجيب أمر تلك المرأة تتألم في وجع وتتوجع في ألم ولكنها ترفض إظهار أي لحظة ضعف لها! ألا يعلم هذا المتعجرف أن المرأة متى باعت عالمها وأصبحت بلا سند كانت هشة رقيقة قابلة للكسر؟ عكس الرجل تمامًا وقتما باع عالمه بدأ تجربه جديدة تجدد من شبابه وتزيد من تجاربه. خرجت من مكتبه أمام كل العاملين وهي تصيح في وجهه: سأبدأ من جديد وأعدك بأنه لن يكون لك وجود في حياتي. سأعود تلك القوية التي ستجعلك تندم طوال حياتك على تركك لها وسط أزمة تمر بها. ثم فوجئ الجميع بها تعود وهى تضرب الباب لتأخذ حقيبتها التي كانت قد سهت عنها وهي تصيح: سأستمر بينما أنت ستتوقف؛ لأنك لم تصن ما بيدك من نعمة. وشرعت تجرى لتستقل أول سيارة أمامها تحادث نفسها: لن أنظر للخلف ,لا أهتم إن كان سيتبعني أم لا. بينما هي تصيح من النافذة: ستمر بك أيام تتوسل كي أترفق بك وأمنحك فرصة جديدة ولكنك لن تحصل عليها. وفي لحظة لكزت السائق صارخة: فلتسرع، فوقتي ليس لهؤلاء الفاشلين. وعلى الرغم من ظلام الليل الدامس فإنها ارتدت نظارتها الشمسية وألقت برأسها للأسفل. وفجأة أخذت تصرخ وهي تضرب الكرسي الأمامي الذي يجلس عليه السائق :لماذا؟ لماذا؟ ماذا فعلت حتى أجني هذه الثمار؟ وكان السائق يهمس بهدوء:أرجوك سيدتي فلتخبريني ما وجهتي لم تجب. إنما راحت تتسابق دمعاتها متألمة تتخبط على وجهها البريء الملائكي. تتألم وهي تتمتم: سيبدأ من جديد, سيبدأ حياة جديدة لأنني ومشاكلي أكبر كثيرًا من أن يتحملهم حتى إنه يتذرع بأنه يخشى علي من التحمل أكثر من ذلك فربما أمرض، وأي تحمل سأتحمله أكثر من أن أمنع جسدي عن السقوط أمامه؟ وأي مرض سأمرضه أكثر من مرض عشقي له؟ وأي ألم سأتألمه أقوى من ألم فراقه. تصيح وتصرخ وتتساءل وتجيب دون أن تنتظر إجابة، بينما السائق يهمس: ءأتجه يمينًا أم يسارًا؟ تتنفس بصعوبة وهي تهمس: ألق بي من أي كوبري علوي في طريقك, فأنت عندما تلقيني ستكون قتلتني ولا يحتسب انتحارًا، نعم، سيكون قضاءً وقدرًا. همس السائق متجاهلًا حديثها: لقد اتجهت يميناً بالفعل، لم يعد في وسعي الاختيار، فأي طريق أسلك هذا أم ذاك؟ فترد بانتباه: هذا وذاك فلتجعل السيارة في منتصف الشارعين فتضربها كافه السيارات القادمة، وعندها سيكون حادثًا بالطريق وأكون مت قضاءً وقدرًا. أوقف السائق السيارة ونطق: وماذا عني أنا؟ ثم صاح:سيدتي. أمن الممكن أن تتوقفي لحظات؟ وعندما لم تجب همس متوجهًا برأسه للخلف: ألم تكوني تلك المرأة التي كانت تهدد بأنه حتى وإن توسل فإنها لن تمنحه فرص.ة نظرت له وضربت برأسها المقعد عدة مرات صارخة: ولكنه لن يتوسل, لن يتوسل. فتمتم السائق في سره: أهو مجنون لكي يتوسل؟ وعندما لاحظ دموعها التي تتوالى من تحت النظارة الشمسية همس: سيدتي إن هناك من الرجال من لا يعلمون ما يحملون من نعم، هناك من الرجال لا يدركون ما وهبهم الله، ولكن سيأتي الوقت الذي يندمون فيه على تلك المنح التي لم يدركوها. بكت متأوهة: لقد كنت أحلم به, كنت أتمنى سكناه، كنت أنوي أن أعيش له وأتنفس به. فهمس السائق: إنه لم يتركك.لا يمكن أن يرى الرجل امرأة تعشقه بتلك الصورة ويدعها تغرب عن قلبه، ولكنه ضعيف، ضعيف على أن يتحمل ما تطلبين, ضعيف على أن يتحمل مسئولية مثل تلك. همست وملامح وجهها تتوجع: لم أكن لأطلب شيئًا. فرد السائق: من يحبك حقًا هو من يفعل دون أن تطلبي. هو من يحقق دون أن تحلمي. هو من يدرك دون أن تخبري. نظرت له وهي تمحو آثار ألامها وكسرة قلبها محاولة النظر للطريق وهمست : أين أنا؟ فأجابها: فوق الكوبري الذي ترغبين أن ألقيكِ منه ردت متعجلة: وما تلك الطرق؟ فأجابها منتصف الطريقين حتى تتقاذفنا السيارات كما طلبت تمتمت: من أنت؟ فأجابها: رجل كنت أنتظر نزول شقيقتي من مسكنها لأخذها معي للمستشفى حيث عملي حتى أجري لها بعض التحاليل لأجد شابة جميلة تستقل سيارتي وتلكزني بيدها كي أسرع وهي تهدد وتصيح وتتوعد وتصرخ. عضت بأسنانها شفتها السفلى وهمست: ألست قائد سيارة أجرة؟ فرد بتعجب: وهل الأجرة أصبحت ذات لون أحمر؟ أغمضت عينيها وكأنها تعاتب الأيام التي توقعها في حفرة لتقوم على أكبر منها، في حين همس هو متسائلًا: والآن أمن الممكن أن تعودي برفقتي للمستشفى لأضمد جبهتك التي أصبحت تشبه الكرة جراء ضربك لها؟ ردت متحسسة جبهتها: ألن تلقيني من الكوبري؟ فأجاب بضحكة عالية متراجعًا برأسه للخلف: كلا فإنني سأتركك تعيشين حتى تلقني ذلك المتعجرف درسًا. وقتها سأقرر.