هذه قضية صدر فيها حكم قضائي.. مطلوب من عزيزي القاريء ان يتوصل للحكم الصحيح من بين الاختيارات المطروحة في نهاية كل قصة، فقد يسعدك أكتب الينا علي عنوان أخبار الحوادث شارع الصحافة مبني الاعلانات أو بالفاكس أو علي الايميل ترك سيارته للسائق يعود بها للقاهرة بينما دخل هو محطة القطار! ..كان الأستاذ عمر في أمس الحاجة إلي تغيير النمط اليومي في حياته ربما ابتعدت عنه الكآبة أو ابتعد هو عنها.. في الفترة الأخيرة كان اليأس يغلب عليه من كل محاولات الإصلاح، فالأوضاع الخاطئة أصبحت تجري في عروق بعض الناس مجري الدم مثلما تجري المثالية في عروق الأستاذ عمر: وقف الأستاذ عمر ينتظر القطار فوق رصيف المحطة وقد أطلق العنان لتأملاته وتجلياته دون ترتيب مسبق.. الموظفون العاملون تحت رئاسته لابد وأنهم أهملوا أداء واجباتهم أثناء اجازته السريعة بالصعيد، فلم يعد لديهم الانتماء المقدس للوظيفة التي تفتح بيوتهم.. بعضهم كان يبذل جهدا خارقا في العمل الخارجي مثلما تخون الزوجة رب أسرتها!.. وبعضهم تفرغ للشكاوي الكيدية وكتابة تقارير الحقد بث السموم.. وبعضهم الثالث ضحايا الطموحات المريضة واستعجال النجاح.. أما الأقلية المخلصة فكان وقتها ضائعا في معارك دفاعية من أجل إثبات الذات ورد المؤامرات وأداء الرسالة الوظيفية في أصعب الظروف! نظر الاستاذ عمر إلي ساعاته وتنهد بحرقة.. تأخر القطار عن موعده كالعادة.. أشعل سيجارة جديدة وهمس لنفسه: اولماذا ينضبط القطار ويأتي في موعده فيصبح شاذا وحده وسط لحن التسيب.. ولماذا نظلم القطار طالما ان المسئولين عن تشغيله وصيانته وتأمينه أشخاص يعيشون نفس السلوك الذي يعيشه مرؤوسون ويعيشه أخرون في قطاعات أخري.. لم يعد مطلوبا غير الصبر وانتظار الفرج ربما يعود الزمن الجميل وتعود معه طبائعه وعاداته وقيمه الرائعة! الوقت يمضي.. القطار لم يصل بعد.. الأوضاع الخاطئة تتحول إلي صور ومشاهد نابضة بالحياة.. التأملات تجري أمام عيني الأستاذ عمر وكأنها تحاصره من كل الاتجاهات.. استرعي انتباهه شيخ ضرير يعبر الطريق بين أرصفة المحطة دون أن يتطوع أحد لمساعدته.. تذكر أيام كان طفلا يحرضه أبوه علي الخير ومساعدة الضعفاء.. الآن كان يمضي في طريقه غير عابئ بالشيخ الضرير الذي يضرب بعصاه يمينا ويسارا.. مشهد آخر شد نظراته إليه.. مشاجرة بين مجموعة من الشبان احدهم تنزف دماؤه بشدة بينما الناس يلتفون حولهم في حلقة كبيرة للفرجة والمشاهدة دون أن يتدخل أحدهم لإنقاذ المصاب أو الإمساك بالجاني أو حتي طلب الشرطة تليفونيا!.. وفجأة.. يعلو الصراخ والعويل وصيحات الاستغاثة. في الجانب الأيمن من المحطة.. بالوعة مفتوحة اصطادت طفلا كان بصحبة أمه.. البعض يلعن الأم المهملة والبعض يلعن المسئول عن ترك حفرة الموت مفتوحة.. الجميع في حالة غضب وكأننا جميعا أصبحنا ملائكة نلوم ونعتب ونهاجم الشياطين ونعلق اخطاءنا عليهم! انها نفس الأوضاع الخاطئة التي بدأت تسود العالم كله بنسب مختلفة ومتفاوتة وإن بدت أكثر وضوحا في بلدان العالم الثالث. القطار مازال في مكان آخر غير المكان الذي يجب أن يكون فيه.. والفرصة تتزايد لتأملات أكثر عمقا وربما أكثر قسوة.. فالمشاعر أصابها هي الأخر ما أصاب الحواس المادية.. الأحاسيس تراجعت وتسلمت االمادةب عصا القيادة فتشقلبت القيم واهتزت وتداخلت وأصابها الوهن.. ها هي حبيبته التي منحها صوته لتكون أول وآخر النساء في قلبه لم تكن أبدا من نصيبه.. اقتحم حياتها غير عابئ بأنها زهرة بريئة وسط حقل من الأشواك والألغام.. أصر علي أن يصل إليها فأدمت الأشواك قلبه وانفجرت الألغام في عواطفه فلم يزد إلا إصرارا علي الوصول إلي زهرته.. وبعد أن شاهدته يحترق وينزف ويتألم ويتوجع.. مما يحيطها من أشواك وألغام تركته لدموعه وطارت مع أول نسمة نحو شخص آخر لم تجرحه الأشواك ولم تصبه الألغام.. عاش عمر سنوات يغني لها شعرا حتي حان وقت قطافها فسقطت في يد الجلاد.. كانت الزهرة الجميلة بريئة من كل اتهامات عمر وكان عمر بريئا من كل ظنون الزهرة.. فلا هو كان يملك نفقات الزواج ولا هي كانت تستطيع الانتظار فوق الأغصان سنوات أخري! وراح عمر يهمس لنفسه: - الأوضاع الخاطئة موجودة من عمر التاريخ والدنيا.. المهم ألا نستسلم أمامها ولا أن نقف مكتوفي الأيدي.. المهم أن نقاومها.. أن نحاول ألا تطغي علي حياتنا.. ألا نخاف من الأشواك وترهبنا الألغام أو سياط الجلاد.. المهم أن تستمر في المعركة حتي نسترد الزمن الجميل ونزيل الأشواك ونطهر الألغام. أخيرا.. وصل القطار.. صعد الأستاذ عمر إلي مقعده.. استرخي مستسلما لتأملاته.. لكن إرهاق الرحلة السريعة أوقعه فريسة لنوم طويل فوق المقعد المريح في العربة المكيفة. بعد ساعات وصل إلي محطة القاهرة.. خرج من المحطة يملؤه النشاط بعد ثلاث ساعات من النوم المتواصل.. فجأة.. يسود هرج ومرج.. تنطلق أعيرة نارية في اتجاه شخص إلي جوار عمر.. ينتبه الجميع.. الرصاصات أصابت عمر بينما أفلت الشخص المقصود من الموت المحقق. التف الناس حول عمر.. نزيف الدماء لا يتوقف.. همسات الناس تؤكد ان الجاني وقع في قبضة الشرطة وتبين انه أراد قتل أحد أبناء قريته لثأر قديم.. لكن الرصاصات أصابت عمر الذي همس بصعوبة لمن حوله: ». نفس الأوضاع الخاطئة«.. نطق بها عمر ثم أسلم الروح! وقف الجاني أمام محكمة الجنايات يطلب دفاعه محاكمته علي أنه ارتكب جريمة قتل خطأ.. وطالبت النيابة بمعاقبته بتهمة القتل عمدا. عزيزي القارئ بماذا تحكم لو كنت القاضي في هذه الدعوي: إدانة الجاني بتهمة القتل عمدا. إدانة الجانبي بتهمة القتل خطأ. حل مسابقة العدد الماضي كان حل مسابقةالعدد الماضي بعنوان اسوق الحلاوة ا.. هو محاكمة الستة بتهمة القتل عمدا.