وُلد كارلوس أجواساكو عام 1975 بمدينة "بوجوتا" عاصمة كولومبيا، وتخصصَ في الدراسات الأدبية بجامعة كولومبيا الوطنية، وقرر الإقامة بمدينة نيويورك منذ عام 1999. يتنوع نشاطه الفني والأدبي في فروع متعددة، فقد قدم برنامجًا إذاعيًا بنيويورك وعمل بالسينما والمجلات الأدبية، وبالمثل مارس الترجمة فضلًا عن متابعة دراسته العليا بجامعة سيتي كوليج في نيويورك والتي يدرس بها حاليًا في قسم الدراسات البينية والثقافية. نال درجة الدكتوراه من جامعة ستوني بروك، فهو شاعر وباحث وناقد أدبي، قدم من خلال دار النشر التي أسسها "أرتي بوتيكا بريس" (فن الشعر) نصوصًا من الفن القصصي والشعر. وقدم كارلوس في مجموعته "الخالد وأقصوصات أخرى" نماذج من السرديات القصيرة، وأيضًا الرواية القصيرة. وفي إحدى هذه القصص يبدو البطل وكأنه كارلوس نفسه، يعترف قائلا: "لم أرحل عن بلادي لأسباب سياسية، فليس هناك دكتاتور يجعلني ألقي بالذنب عليه بسبب مشقتي وتعاستي، وبالمثل لم أرحل لأسباب اقتصادية، لم أكن غنيًا ولكن كان لدي عمل ثابت ومستقر، لقد أتيت إلى نيويورك لأسباب شخصية، حضرت لأدرس وأصنع مستقبلًا، وقال لي أصدقائي: إنك عنيد، عليك أن تكتب باللغة الإنجليزية وتتحدث عن العناصر المثيرة والإكزوتيكية ببلادك. فالكتاب اللاتينيون الذين يكتبون بالإنجليزية يلقون رواجًا كبيرًا. أعلم أنهم على حق. فالتفاصيل الأجنبية المثيرة أو الإكزوتيكية تحقق أرباحا كبيرة خاصة إذا ما كتبت بالإنجليزية. لكنني قررت أن أكتب بالإسبانية لأن اللغة وطني وفيها أعيش". يطوف الشعر ويصنع نفسه، وفي كل مرحلة من المراحل يلتهم الحدود. فهذه الحدود قد تكون متماثلة أو متضادة ، ولكنها لا تكون متشابهة أبدًا، واثنان من هذه الحدود تحيطان بشاعرنا. الحد الأول يتعلق بمهنته، فهو شاعر شاب معاصر، مثله مثل جميع الشعراء، لديه شعره وأيضًا شعر الكثيرين حوله من كل الأزمان. ربما كان كل من سافو، وشكسبير، وبنراركا، وباشو، وهودرلين ضمن الدوائر المحيطة به. وربما في بعض عصور الشعر المعدودة كان على الشعراء أن يأخذوا في الاعتبار كثافة اللغة المكتوبة نصًا، والسياق الاجتماعي الذي يكتبون خلاله، مثلما يفعل كاتب من أمريكا اللاتينية في هذه اللحظة الراهنة. فالشاعر المعاصر من أمريكا اللاتينية يكتب اليوم بالإسبانية وإن كان يتغذى من الواقع حوله بمجساته الخاصة يتلمس بها الأشياء، والأحداث اليومية والكونية من حوله. فكتابنا اليوم تحت مظلة كبيرة تضم أدب أمريكا اللاتينية بشكل غير مسبوق. وبهذا الملمح (بهذا المحيا الهجين) الذي امتد لأكثر من 500 عام، يجب وضع كارلوس أجواساكو في فضائه. وبالنظر إلى قصيدة أصوات، التي كتبها أجواساكو وهو في العشرين من عمره ونشرها في ديوان التحاور مع الملاك (2003)، نستطيع إدراك ملامح تجربة شعرية معبرة ستصبح سمة من سمات شعره الأساسية لاحقًا، في المقام الأول تتبدي قدرة فريدة لاستدعاء وإيقاظ أخيلة، وهو العنصر الذي سنذكره تفصيلًا فيما بعد. وأيضا نشير إلى تلك التلقائية التي تستحضر شعر رايموند. وأيضًا تشكيل بيت الشعر كأداة فاعلة ذات طاقة وتبحث عن معنى، يصاحبه تحديد ذهني محدد، وينبثق في الوقت نفسه من أصواته الشخصية: هذا السيل الساحر الذي تتبدى فيه أفكار وحساسية الشاعر الخالق بالتبادل، والتي تنتج المعني والصوت، الواحد من الآخر أو في الآخر، مثل تأثير أصوات بعينها في كلمتي الموت والإيمان. وسافر انطونيو إلى الجنوب، وعرق الصباح. هذه المفاهيم تجعلنا نقترب من العالم الشعري وتفاصيله عند أجواساكو والواضحة في الشعر الذي كتبه ويكتبه حتى الآن، وبالمثل عن تأثير مدينة نيويورك عليه، تلك المدينة المغناطيسية بكل المقاييس، حيث الاستدعاء والتذكرة الساخرة للأشخاص، الطفولة والعادات اليومية الموروثة عن أصول وأماكن أخرى، من مكان آخر بالعالم. ويضم هذا الكتاب قصائد من تلك التي كتبها الشاعر منذ عام 1995 إلى عام 2003، ويتألف من ستة أجزاء، وأحدها يكسر النمطية السائدة بالديوان: فلنقل أنه من أجل القصيدة. ويظلل النص الشعري لدى أجواساكو حضور كبار الشعراء من أمريكا اللاتينية وإسبانيا، فهناك ثيسار باييخو، وأويدوبرو، وسور خوانا انس دي لا كروث، وثربانتس ولوركا وغيرهم، الذين بدوا وكأنهم يمدون يدا للقصيدة ولحمايتها ودعمها. وليس هذا بالغريب في أعمال أجواساكو فمن قبله نهج نفس المنهج كل من رايمبود، وديرك والكوت، وسان خوان وغيرهم. وهذا بدوره يعكس نسيج كلماته المفعمة بالدفقة العاطفية، أو الذهنية، تفكير عميق وتلقائي، يرصده الشاعر بمجرد أن يستقر الإحساس بوعيه. وبهذا نصل إلى واحدة من أهم السمات عند أجواساكو وهي القدرة اللفظية الحادة غير النمطية وغير المتوقعة. كما أنها ذاتية وكونية في الوقت نفسه، ولكنها تتسم بطاقة داخلية ناتجة عن نمط توظيف الكاتب لها. وفي فصل المهرج وظله، تصل هذه الحرفية في الكتابة مداها، من خلال ازدواجية ممكنة تتسم بها هذه القصائد وتذكر بسونيتات اللغة الإسبانية الكلاسيكية. أما قصائد مترو نيويورك، فيتضح بها العنصر السيكولوجي، وتتسم بالصراحة والقوة والبريق، ويبدو مشهد القصيدة من خلال كاميرا ترصده بدقة. وتعكس الواقع الذي يحياه الكاتب بتفاصيله اليومية والحياتية الدقيقة. فيومية اللحظة المعاشة يتم رصدها والتركيز عليها بعمق شديد. وتعكس بشكل أو بآخر الحاضر بمعناه المكتمل في مدينة نيويورك. وينعكس بجلاء في شعر أجواساكو الجمع بين الروح الكلاسيكية وبين الواقع بحضوره اللاذع الحاد، فيعكس الحقائق والأخيلة في تواز واضح، وربما هذا هو السر الحقيقي في روعة فنه وفي خلق الأخيلة. لا أجد كلمات أفضل من تلك التي بعث بها إلى أجواساكو نفسه عقب لقائنا في نيويورك حين قال: "أرغب في عنوان يجبر القارئ على التساؤل عن ماهية الشعر اليوم، عنوان يسهل تذكره، ساخر وجرئ، لذلك اخترت عنوان القصائد المخنثة، وهو عنوان طليعي يتجاوز مفهومي الأدب وعلوم الطبيعة. ويسخر العنوان من إمكانية القول أن هناك كاتب تاريخي، تكون حياته أكثر أهمية من عمله نفسه، ويجعل القصيدة في محور الاهتمام، فيرفع شأنها وسط جدلية الفاعل- الكاتب - التاريخ، فتتصدر التعبير الشعري. وليس أدل على ذلك من سونيتو جارثيلاسو: لقد رأى، بالمثل يبدو الديوان باعتباره نقدًا لفكرة الآداب القومية، يتجه غرضه الشعري إلى اتجاه مخالف، مما هو أكثر مدنية وحتى العصور الوسطى، إنما أحاول إعادة صياغة الباروك، والنهضة والعصور الوسطى معًا". ---- "أجواساكو والمحيّا الهجين" بقلم: خوسيه بالثا ترجمة: د.عبير عبد الحافظ (رئيس قسم اللغة الإسبانية وآدابها بجامعة القاهرة)