ما تفعله الأيام لا يعرفه المارة

قدمي اليمنى ضخمةٌ جدًا
كان أبي يكلّفُ أحدَ الإسكافيينَ لصناعةِ حذاءٍ لها، حتى أصبحتُ فيما بعدُ، أقفُ عليها كما لو كنتُ أجلسُ على كرسي
يهربُ الأطفالُ مني حينَ ألعبُ معهم، يكفي أنْ أضعَ قدمي في مرمى الكرةِ لتسدَّ الهدفَ كاملًا
حجمي ضئيلٌ وقدمي كبيرةٌ بحجمِ فيل
في الحربِ يختبيءُ الجنودُ خلفها دونَ أنْ يشعروا أن الرصاصَ يؤلمُها، كنتُ أصرخُ كثيرًا وأنا معلقٌ كإبرةٍ في ملقط
شاهدتُ الكثيرَ من القنابلِ تتفصدُ بجلدي دونَ أنْ تثقبهُ
الحقيقةُ أقولُ: إنهُ حينما تعبتُ من التفاصيلِ الكثيرةِ لنموِّ البثورِ والدمّلاتِ وتقرحاتِها، كانوا يحملونَ قدمي ويضعونَها مع الصباتِ الكونكريتيةِ أمامَ مبنى المسؤولينَ، وأظلُّ معلقاً تلوّحني الرياحُ والشمس.
***
لا أستطيعُ قولَ كلِّ شيء
لكنَّ أبي أرادَ أنْ ينهي تعبي فرسمَ على قدمي نخيلاً وصيادينَ من الأهوارِ كي يشعرَ المسؤولونَ بالمللِ، لكنَّ الجنودَ رسموا نساءً عارياتٍ وقذفوا عليهنَّ الكثيرَ من المني وأصباغِ التجميلِ وملاءاتِ التجفيفِ وصورِ الممثلات..
***
حينَ مرَّ أحدُ رجالِ الدينِ، مسحَ قدمي بيديهِ دونَ أنْ يعرفَ أنها قدمٌ بشريةٌ، لا لشيءٍ سوى أنه أرادَ مسحَ ما يغضب اللهَ من صورٍ وكلماتٍ نابيةٍ، فأصبحتْ قدمي مكاناً لمزارِ الأمهاتِ وربطِ الخيوطِ الخضرِ بأصابعي وكاحلي وصارَ اسمُ المكانِ (الجَدَمَ الخَضْرة) لدرجةِ أن بعضَ الناسِ ربطوا بيوتَهم عبرَ الشارعِ بخيوطٍ خضرٍ تمتدُّ من أصابعي حتى أبواب تلك البيوت.
***
كيفَ تفعلُ الأيامُ كلَّ هذا التعب
سيكونُ من المفيدِ أن أستغرقَ في نومٍ عميقٍ مع الجرذانِ المزدحمةِ بين شقوقِ جلدي
تدغدُغني بيوضُها مثلُّ نملٍ يتطايرُ، لكنني أحسستُ لأولِ مرةٍ أنني أستطيعُ أن ألِدَ أيَّ شيءٍ حتى لو كانَ جرذاناً وأفاعيَ وقططا
تعبٌ لذيذٌ ذلك الذي يجعلُكَ تتحولُ الى مغارةٍ للحياة
هكذا أقنعتُ نفسي وأنا أشعرُ بمنْ يحملني الى مكبِّ النفاياتِ الأخير.
..
مازن المعموري
(شاعر وكاتب من العراق)