"لن تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجًا وأنهارًا"، حديث صحيح رواه الإمام مسلم، عن إحدى علامات الساعة التي لا شك فيها، ولكنه في نفس الوقت يثير التساؤل والدهشة عن كيفية تحول "أرض العرب" التي تتميز بطبيعتها الصحراوية الجافة القاسية إلى مروج وأنهار. "أرض العرب" المقصودة في "النبوءة" هي شبه الجزيرة العربية، التي وضعتها ظروفها الطوبوغرافية بين مطرقة الرطوبة النادرة، وسندان الجفاف الشديد، اللذين يصيبانها بسنوات عجاف، تقف حائلا -خاصة في منطقة "الربع الخالي"- قبل أن تروي الأمطار ظمأها بقطرة مياه واحدة. ظهرت في الإمارات العربية المتحدة -أحد دول "أرض العرب"- فكرة، أو يمكن تسميته "حلًا" للتغلب على الطبيعة الصحراوية الجافة التي تلازمها، وتستطيع هذه الفكرة توفير كمية كبيرة من المياه العذبة للمواطنين، ويمكن استخدامها أيضا لتحويل أراضيها إلى حقول مُزهرة. الحل لم يكن على أرض الإمارات، وإنما في أقصى بقاع كوكب الأرض، وتحديدًا في القارة القطبية الجنوبية "أنتاركتيكا"، التي أعلن المهندس الإماراتي عبدالله الشحي، عن أن سحب جبل جليدي منها إلى شواطئ "الفجيرة" الإماراتية سيعمل على تعديل المناخ، وتُكثف السحب فوقها، مما يسهم في هطول الأمطار على الإمارات لخدمة أغراض الزراعة والشرب. "الشحي" وهو المدير التنفيذي لإحدى الشركات العاملة في أبو ظبي، قال في مقابلة له مع "سي إن إن"، إنه يمكن نقل جبل جليدي عملاق لمسافة 9200 كيلومتر من القطب الجنوبي عبر المحيط الهندي، ثم إلى سواحل إمارة "الفجيرة "عند بحر العرب، لافتا، أن هذه الرحلة قد تتسبب في ذوبان ثلث هذا الجبل، إلا أنه يؤكد، أن الباقي من الجبل الجليدي سيمد البلاد بكنز كبير. الكنز الذي تحدث عنه "الشحي" – وفقا لفكرته- أكثر من 20 مليار لتر من الماء العذب الصالح للشرب، لتلبية احتياجات أكثر من مليون إماراتي، على مدار 5 سنوات على الأقل، فضلا عن توفير ملايين الدولارات التي يتم إنفاقها على شراء المياه المعدنية المستوردة. وذكر المهندس الإماراتي -في مقابلته- أن دخول هذه الكتلة الجليدية إلى وسط عال الرطوبة "أرض العرب"، وتحديدًا حول بحر العرب، سيعمل على تكثّيف بخار الماء، وسيتسبب ذلك في حدوث منخفض جوي -بحسب وصفه- سيجذب الغيوم الهائمة من البحر نحو مركزها، لتمطر غزيرًا على مدار العام. "الشحي" يؤكد، أن الدراسات التقنية والجدوى الاقتصادية للمشروع "جاهزة"، وقد قدمها للسلطات الإمارتية العام الماضي، قائلا، إن أول جبل جليدي سيتم جره، سيكون في الربع الأول من عام 2019 إلى سواحل أستراليا، ومنها إلى الفجيرة. وأوضح أيضا، أن تطبيق فكرته ستعمل على تحويل صحراء الإمارات إلى مروج خضراء، في مدة لن تتجاوز ال 10 سنوات فقط، لتعود شبه الجزيرة العربية إلى سابق عهدها، كما كانت قبل ملايين السنوات، غنية بالغابات الخضراء، وتعج بأسباب وأشكال الحياة الطبيعية. نقل الجبال الجليدية ليس بالأمر المستحيل، كما يتصور البعض، فالمهندس الفرنسي "جورج موجين"، أكد ل "سي إن إن"، أن باستطاعته تحقيق ما يبدو صعبًا، عبر شركة تملك الأدوات اللازمة لنقل الجبال الجليدية عبر القارات، وقد أسسها قبل 45 عامًا. ووصف "موجين" في موقع صحيفة "التايمز" البريطانية، أن لديه جبل جليدي جاهز للنقل، يبلغ طوله أكثر من 3 كيلومترات، وسمكه الغارق تحت الماء يصل إلى 300 متر، ولا ينقص سوى سحبه من مكانه، حتى يستقر على بعد 24 كيلومتر من ساحل الفجيرة، باعتبارها الإمارة الوحيدة عند بحر العرب. جبل جليدي الدكتور محمد داود، عضو أحد الهيئات ذات الصلة بالمشروع في أبوظبي، وأستاذ الموارد المائية بالمركز القومي لبحوث المياه، قال ل"بوابة الأهرام" إن فكرة نقل وجر الجبال الجليدية بهدف توفير المياه العذبة ليست بالجديدة، وقد تمت مناقشتها في المنتديات العلمية خلال الخمسين سنة الماضية. وأضاف، أن المملكة العربية السعودية في عام 1977 درست مقترحًا، تم طرحه من أحد المتخصصين في جامعة "أيوا" لنقل الجبال الجليدية من القطب الجنوبي إلى جدة في المملكة، وأشارت بعض الدراسات، إلى أنه أجريت تجربة لسحب بعض جبال الجليد الصغيرة بين عامي 1890 و1900، إلى سواحل شيلي وبيرو، وقطعت هذه الجبال الجليدية نحو 3900 كيلومتر. وشرح "داوود" في حديثه ل "بوابة الأهرام"، عددًا من التحديات تواجه الفكرة، وتطبيقها، مشددًا على دراسة هذه التحديات بدقة وموضوعية علمية، والتي يأتي على رأسها، كيفية الحفاظ على برودة الجبل الجليدي أثناء النقل لهذه المسافة الطويلة، والتي تستلزم حساب عملية "الذوبان"، وفقدان كمية كبيرة منه أثناء النقل، وكيفية التغلب على ذلك علميًا، دون التأثير على تكلفة النقل. وأوضح، أنه يجب أيضًا وضع طريقة النقل في الاعتبار، متسائلًا: هل سيتم نقل الجبال الجليدية عن طريق جرها بالسفن، أم سيتم سحق الجليد، ونقله في قاطرات، نظرا لإشارة الدراسات المبدئية قدرة أربع سفن "قاطرة" على سحب جبل من الجليد، يزن نحو 100 مليون طن من القطب الجنوبي، إلى أي ميناء في منطقة الخليج العربي، ولكن يستلزم ذلك تغطيته بغطاء من البلاستيك لتقليل ما ينصهر منه أثناء هذه الرحلة الطويلة، التي تصل إلى نحو 9000 كيلو متر، وستستغرق نحو ستة أشهر. التكلفة لاتزال مرتفعة، وسيؤثر ذلك بالتبعية على سعر وحدة المياه المنتجة بهذه الطريقة، وأرجع "داوود" ذلك للطاقة المستخدمة في النقل، لافتا، أن المقترح باستخدام الطاقة المتجددة في مثل هذه العمليات، لاتزال تكلفتها الرأسمالية مرتفعة في الوقت الراهن. وقال أستاذ الموارد المائية، إن سعر المياه المنتجة من هذه الجبال الجليدية تعد أيضًا تحديًا، مقارنة بالبدائل الأخرى الناتجة عن التحلية، أو نقل المياه من خارج المنطقة من الدول الغنية مائياً باستخدام خطوط أنابيب. كما أن عملية حصاد المياه عند وصول الجبال الجليدية إلى الميناء المحددة، ليست بالعملية السهلة، ونقل أو ضخ هذه المياه كلها، تحتاج إلى طاقة وتكاليف نقل من البحر إلي الشاطئ، ثم إلي داخل الدولة حيث أماكن الاستخدام ومراكز الطلب عليها. "على الورق" تشير أحد الدراسات لمؤسسة "سيسيرو" الأمريكية إلى إمكانية نقل جبل جليدي طوله ألف متر، وبعرض 300 متر، وبارتفاع 250 مترا، يضم حوالي 70 مليون متر مكعب من الماء، سيصل سعر المتر المكعب من الماء العذب الناتج من ذوبان هذا الجبل الجليدي في منطقة الخليج إلي 0.6 دولار، وفي حالة النجاح في سحب جبل حجمه عشرة أضعاف هذا الحجم، فإن سعر المتر المكعب من الماء سينخفض إلى 0.15 سنتًا. وعن هذه الدراسة الأمريكية، يقول "داوود"، إن هذه الدراسات لو صحت، فإن هذه الأسعار تعتبر مناسبة مقارنة بأسعار تحلية المياه الحالية، ناهيك عن التوفير في الطاقة. وأوضح "داوود" ل" بوابة الأهرام"، أن نتائج الدراسات التي تمت في المملكة العربية السعودية عام 1977 لنفس الفكرة، أوصت "وقتها" بصرف النظر عن الفكرة، نظراً لما يكتنفها من صعوبات، منها، أن أغلب جبال الجليد تكون هشة، وقد تتفتت في أثناء رحلتها الطويلة. كما أوضحت نتائج الدراسات السعودية، أن نحو 80 إلى 90 % من حجم جبل الجليد يكون غائصاً في الماء، ولا يمكن إدخال مثل هذا الجبل الضخم في مياه البحر الأحمر قليلة العمق، فضلا عن ذوبان الجبال أثناء جرها أو نقلها، وصعوبة نقل المياه العذبة من جبل الجليد إلى الشاطئ "عملية الحصاد"، وقد أدت هذه الصعوبات إلى عدم تنفيذ هذا المشروع إلى يومنا هذا. وأشار "داوود"، إلى أنه مع تقدم طرق النقل، وإمكانية استخدام الطاقة المتجددة، فإنه ليس هناك ما يمنع مناقشة الفكرة في حد ذاتها، وطرحها للعصف الذهني بين المتخصصين والعلماء كل في مجال تخصصه، ووضع تقييم مبدئي لها مبني على أسس علمية دقيقة، وحساب جميع العناصر المؤثرة عليها، وعلى تكلفتها ونجاحها. وحتى إن لم تستطع الإمارات، أو أي من دول الخليج في الوقت الراهن، إعطاء صحاريها القاسية "قبلة الحياة" من جديد بطرق مبتكرة، فمن المؤكد، أن الساعة لن تقوم حتى تتحول هذه صحاري الجزيرة العربية الجافة إلى مروج خضراء، تجري من تحتها أنهار المياه، إيذانًا بتحقق "النبوءة". القطب الجنوبي يروي "أرض العرب".. الإمارات تسحب جبلًا جليديًا لشاطئ "الفجيرة".. والتحديات تواجه "نبوءة المروج"