احتدم الجدل حول الواقع الراهن للثقافة المصرية في الأمسية الشهرية لصالون عبد الناصر هلال الثقافي، التي جاءت تحت عنوان: "واقع الثقافة المصرية.. أسباب الخلل وطرق العلاج"، وأقيمت بمقر الصالون بحدائق الأهرام وتحدث فيها كل من الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق، والشاعر سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة الأسبق، والشاعر أشرف أبو جليل مدير عام الثقافة بهيئة قصور الثقافة، والدكتور سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة الأسبق، والروائي الأديب إبراهيم عبد المجيد، والروائي الدكتور عمار علي حسن، والناقدة الدكتورة فادية مغيث. وقال الدكتور عبد الناصر هلال رئيس مجلس إدارة الصالون: إن المثقف هو ذلك الإنسان المجنون الذي يحمل بين جنبيه شهوة إصلاح مجتمعه. وأكد أهمية مناقشة الواقع الراهن للثقافة المصرية شريطة الموضوعية وعدم الشخصنة. وأشار هلال إلى أن تراجع الثقافة تراجع للمواطن وللوطن، وإنما تتراجع الثقافة بتراجع المثقفين. وقال الناقد الدكتور صلاح السروي إن المجتمع يجني آثار تهميش الثقافة وتنحية المثقفين عن مراكز القرار والتأثير، حتى أصبح الناس فريسة سهلة لكل دعي دجال جهول. ولفت إلى أن هناك جريمة متكاملة الأركان تمثلت في عملية تهميش الثقافة، ووصل إلى نتيجة مفادها أنه لا توجد لدى النظام رؤية ثقافية أو فلسفة أو تصور ثقافي يمكن بمقتضاه تقديم المفاهيم والرؤى والأفكار للمواطنين. وقال الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق إنه لابد من إنشاء مؤسسة للصناعات الثقافية الإبداعية، ولابد من وجود خريطة ثقافية لمصر نستطيع من خلالها ربط الثقافة بالسياحة، لكن الواقع بخلاف ذلك، فلا رؤية، ولا خريطة، ولا صناعة للثقافة! وطالب د. شاكر بمشروع قومي لاجتذاب الموهوبين عن طريق إنشاء جامعة للموهوبين وعدم الاكتفاء بأكاديمية الفنون وحدّد مكونات الثقافة الأساسية بثلاثة أجزاء متداخلة بلا انفصال: جزء مرتبط بالماضي (التراث)، وجزء مرتبط بالحاضر (حياة الناس)، وجزء مرتبط بالمستقبل (الإبداع). وأشار إلى أن الماضي يؤثر على الحاضر، والحاضر يؤثر على المستقبل، فالإنسان المحبط المكتئب اليائس لا يمكن التنبؤ له بمستقبل باهر. وأكد الشاعر سعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة الأسبق أن وزارة الثقافة لا تصنع الثقافة، وإنما يمكن أن تنظم النشاط الثقافي وتدعمه. وقال إن المجتمع هو الذي يصنع ثقافته، بكل هيئاته ومؤسساته ومكوناته، والدليل على ذلك إنتاج الثقافة قبل إنشاء وزارة الثقافة. وأوضح أن وزارة الثقافة بقطاعاتها المختلفة لم تستطع تنشيط الحركة الثقافية لا في القاهرة ولا خارج القاهرة. وأشار إلى أن محافظة أسيوط على سبيل المثال أنشئت بها دار للسينما سنة 1908م وتوالت بعد ذلك الإنشاءات حتى أصبح في كل مركز من مراكزها دار للسينما.. الآن، لا يوجد بمحافظة أسيوط دار سينما يعمل غير نادي سينما يتيم في قصر ثقافة أسيوط! ونوّه إلى أن الوزارة بها كثير من القطاعات لا تعمل على مستوى الجمهورية، وبها مراكز قومية لا تمتد بخدماتها الثقافية خارج القاهرة، مثل المركز القومي للسينما، والمركز القومي للسينما والمسرح والطفل ومن جانبه، قال الشاعر أشرف أبو جليل مدير الثقافة العامة بهيئة قصور الثقافة: إن القطاع الوحيد الذي يستر عري القطاعات الأخرى، هو قطاع الهيئة العامة لقصور الثقافة، ومعلوم أن الهيئة ليست ابنة ثورة يوليو 1952 وإنما وجدت سنة 1909 في حقبة الحزب الوطني القديم حين كان محمد فريد زعيماً له، فأنشأ مدارس الشعب التي هي النواة الأولى لهيئة قصور الثقافة. وأكد أن هيئة قصور الثقافة هي المؤسسة الثقافية الوحيدة التي تعمل خارج القاهرة، والوحيدة التي يمكن أن تسهم في تنمية الوعي الثقافي المجتمعي. واعترضه سعد عبد الرحمن مؤكداً أن الهيئة كانت تعمل حين كانت الدولة تدعمها في الخمسينيات والستينيات، لكن الدولة لم تعد تهتم بالثقافة منذ السبعينيات وحتى الآن ففرغت هذه المؤسسة العريقة من مضمونها، وغلب عليها العشوائية، وحدث فيها انفصال بين المبنى والمعنى. وأضاف عبد الرحمن: الذي حدث أن الدولة ارتضت للثقافة مجرد الشكل والديكور استكمالاً لشكل الدولة الحديثة، وحتى الآن المسألة لا تخرج عن إطار الشكل وليس المضمون، أما من حيث المنهج والفلسفة، فلا جديد! وقالت الدكتورة فادية مغيث: لا توجد دولة محترمة تتخلى عن سؤال: أي قيم تريد أن تكرسها في الأجيال القادمة؟ أي ثقافة علينا أن نتبناها؟ أي توجهات، أي دوافع نفسية وسلوكية ينبغي أن تنشأ بين الناس بعضهم وبعض، وبين الناس والنظام السياسي، وبين الناس وقيم الحق والخير والجمال؟ وأكدت أن السبب هو أن الشعب الجاهل المجهل، والشعب الجائع المريض، والشعب الذي يلطم دائماً لأنه يبكي أبداً، والذي يرضى بسكنى المقابر ولا يقدر على الفرح والغناء، ذلكم هو الشعب السلس القياد. وقال الكاتب الروائي إبراهيم عبد المجيد إنه يتردد حتى الآن في كتابة مذكراته وتجاربه مع وزارة الثقافة ومع كبار المثقفين لأنها ستعري الكثيرين بحسب قوله. وطالب بإلغاء ثلاثة كيانات، هي وزارة الثقافة ووزارة الإعلام واتحاد عمال مصر، مؤكداً وجود فساد للركب في هذه المؤسسات، وبخاصة وزارة الثقافة التي تصرف 80% من ميزانيتها على موظفيها، والباقي مجرد تستيف أوراق، ومستشارين في السر ومستشارين في العلن، وجوائز وفائزين وهميين. كما طالب عبد المجيد بتوجيه مؤسسات المجتمع الأهلي والمدني لتنشيط العمل الثقافي وصنع ثقافة أهلية كما كان الحال قبل ثورة 23 يوليو 1952. ودعا إبراهيم عبد المجيد إلى أن تكون مهمة المجلس الأعلى للثقافة دعم الثقافة الأهلية التي يقوم عليها الموسرون ورجال الأعمال، ودعا كذلك إلى تسليم قصور الثقافة للأدباء كحق انتفاع مع بقاء الموظفين لحين خروجهم معاش وإتاحة الحركة لهم والحرية حتى يتحول كل قصر ثقافة إلى "ساقية صاوي"، كل في مكانه ومنطقته. وقال الدكتور سعيد توفيق الأمين العام الأسبق للمجلس الأعلى للثقافة إن وزارة الثقافة تنتشر بها العصابات، وحتى هذه اللحظة تدار الوزارة من جهات أخرى عبارة عن شخصيات تُعين القيادات بل وتمكن بعض الموظفين من تعطيل ما يراد تعطيله من قرارات تخرج في صالح الثقافة والمثقفين. وأي شخص لديه ذرة من ضمير عمل في هذه الوزارة لابد أنه عاني من ضغوط نفسية كبيرة جداً بسبب هذه الشخصيات أو الجهات التي تقف وراءها. والحل في الأمد القصير هو دعم الإصلاح في قطاعات الوزارة وإغلاق حنفية الفساد بقدر المستطاع، أما الأمد الطويل فلا سبيل لتحقيقه إلا بإرادة سياسية صريحة تصلح التعليم وتبدأ به. وقال الدكتور عمار علي حسن رغم هذه الصورة القاتمة فإننا لا يجب أن نفقد الأمل، مصر تحتاج إلى إدارة جيدة تحترم الكفاءة والتخصص، وتفتح الباب واسعا أمام المدنيين ليكونوا فى قلب المشهد العام وليس على هامشه. وأكد أن ما يمنع مصر من التغير إلى الأفضل هو منظومة القوانين المعوقة، والفساد الإدارى والمالى، وتدخل أجهزة الأمن فى اختيار الوزراء ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات ورؤساء مجالس إدارات الشركات والهيئات والمصالح والمؤسسات الحكومية، والتعامل مع الحركة الثقافية والحريات العامة وكأنها جريمة. وأضاف أن تجاهل السلطة لقضية «التعليم أولاً» والسخرية منها والتذرع بأننا لسنا فى حاجة إلى الإنفاق عليه الآن، فهذا وحده كفيل بإعلان طلاق بائن بين أى وطنى واع وغيور على بلده وبين هذه السلطة التى ينطبق عليها فى قضية التعليم المثل القائل: «فاقد الشىء لا يعطيه»، وبالقطع لا يعيه. نعم، أصحاب العقول المتصحرة لا يؤمنون بالمدنيين، وآخر ما يفكرون فيه الثقافة والتعليم. وتابع لقد كتب فتحي رضوان مقالة صغيرة في مجلة العربي قرأتها وأنا في أولى جامعة تقول: إن المثقف ينحاز للناس لا للسلطان، وهو معارض بطبعه، ليس حباً في المعارضة، ولكن لأنه ينشد المثال، ويطلب الأفضل دائماً، فإذا وصل إلى نقطة معينة يتوقف، ويطلب من السلطة أن ترتقي إليها، فإذا تمكنت السلطة من الوصول إلى هذه النقطة، يجب أن يكون المثقف قد تقدم خطوات أخرى، كي يدعو السلطة لتلحق به، أي أنه يكون دائماً أمام السلطة، وليس بجوارها، ولا خلفها. وأشار عمار علي حسن إلى أن مفهوم المثقف ينبغي أن يتسع لمن يكتب كتابات علمية وليس فقط الفنانين والأدباء والكتاب، وطالب بالاهتمام بالثقافة الشعبية أو الفلكلور الشعبي الذي حافظ على تماسك المجتمع المصري. وثمّن عمار جهود الهيئة القبطية الإنجيلية في نشر الوعي العام والثقافة الأهلية بعيداً عن المؤسسات الرسمية، وطالب بقية المؤسسات الخدمية والمجتمعية الاحتذاء بها. حضر الأمسية لفيف من النقاد والأكاديميين والمبدعين والإعلاميين واستمرت قرابة 5 ساعات. وأدارها الناقد الأستاذ الدكتور صلاح السروي، وقدم الفقرة الفنية الموسيقار فايد عبد العزيز.