«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أسئلة شتاء الغضب بين أزمة الثقافة وثقافة الأزمة
نشر في البوابة يوم 17 - 02 - 2014

يثيرالجدل الراهن والاحتقانات الظاهرة حول أداء وزارة الثقافة وأجهزتها أسئلة هامة حول دور هذه الوزارة وسياساتها ويتردد من جديد السؤال الكبير حول حقيقة التغير الذي طرأ على المشهد الثقافي ومجمل السياسات الثقافية الرسمية بعد الثورة الشعبية المصرية بموجتيها 25 يناير 2011 و30 يونيو 2013.
وكانت مجموعة من المهتمين بالثقافة وأغلبهم من الشباب قد اطلقوا مؤخرا دعوة عبر مواقع التواصل الاجتماعي على شبكة الانترنت من أجل ما وصفوه "بالشفافية والموضوعية والعدل والمساءلة" في المؤسسات الثقافية الرسمية وذهبوا لحد المطالبة باقالة وزير الثقافة الحالي الدكتور محمد صابر عرب.
وحسب بيان منشور وحافل بالاتهامات لوزارة الثقافة والقائمين عليها فقد دعوا "لتداول الادارة في المواقع الثقافية المختلفة والاهتمام بالدماء الجديدة"، فيما طالت الاتهامات وحالة الاحتقان بين بعض المثقفين المجلس الأعلى للثقافة والهيئة المصرية العامة للكتاب وهيئة قصور الثقافة.
وقالت هذه المجموعة في بيانها إن أحوال المبدع المصري تردت إلى درجة غير مسبوقة من البؤس والفاقة "فضلا عن تفاقم معاناته تحت وطأة محاولات الهيمنة والاقصاء وانعدام الرعاية على المستويات كلها طوال اربعين عاما ماضية".
وواقع الحال أن بعض الصحف ووسائل الاعلام المصرية تحدثت في الآونة الأخيرة عما وصف بعدم فعالية وزارة الثقافة والعجز عن التواصل مع الجماهير العريضة أو طرح برامج ثقافية تحظى باهتمام شعبي حقيقي فضلا عن الاستمرار في ظاهرة تمركز أغلب الأنشطة الثقافية بالعاصمة وإهمال الريف.
ومع أنه وصف مطالب هذه المجموعة الشابة من المثقفين بأنها "عادلة" على وجه العموم فقد رأى الشاعر والناقد الدكتور علاء عبد الهادي أن هذه المطالب "لن تتحقق باقالة وزير أو استقالته"، معتبرا أن "المشكلة تكمن في النظام الثقافي القائم برمته وثقافة جهازه البيروقراطي وليس في قياداته فحسب".
وبدوره انتقد الروائي والباحث الدكتور عمار علي حسن بشدة الأوضاع الراهنة في المؤسسات الثقافية الرسمية في وقت "يعلم فيه القاصي والداني أننا يجب أن نخوض معركة فكرية وثقافية هائلة ضد التطرف وانهيار القيم وتردي الأخلاق والأذواق".
وفيما أقر "بحاجة مصر الماسة إلى مشروع قومي ثقافي جديد يوضع بعناية قبل البدء في تنفيذ أية رؤية اقتصادية فاعلة وجادة"، دعا الدكتور علاء عبد الهادي في طرح نشر بجريدة الأهرام إلى "البدء أولا بعملية اعادة هيكلة شاملة للمؤسسات الثقافية القائمة وفق أهداف جديدة". وبرر دعوته بأن طرائق عمل هذه المؤسسات الثقافية صممت سلفا " لاستيعاب المثقفين وليس لافادة المحتاجين الحقيقيين الى المعرفة وهذا مايفسر سبب غياب أي أثر اجتماعي لنشاطاتها في الواقع المعيش".
وقال عبد الهادي: "في ظل وقوع المثقف المصري بين تصلب شرايين الادارة الثقافية وفسادها من جهة ونقص كفاءة عدد كبير من القائمين على مؤسساتنا الثقافية ولجانها وهيئاتها من جهة اخرى سنظل شهودا على ردات فعل قوية ومطردة".
وأضاف أن ردود الفعل "لن تتوقف عن اعلان معارضتها للسياسات الثقافية القائمة سواء عبر اصدار البيانات أو تشكيل الجماعات الثقافية المعارضة أو تكوين الجبهات المستقلة"، معتبرا أن المحيط الثقافي المصري قد جاوز الأزمة الثقافية إلى ثقافة الأزمة.
وفي المقابل، تطالب قيادات وزارة الثقافة بتوفير الدعم الكافى للوزارة بما يسمح بإنجاز خطط ومشروعات التطوير وتحقيق رسالتها فى خدمة الثقافة والمواطنين فى ربوع مصر. ونفي سعد عبد الرحمن رئيس هيئة قصور الثقافة أن تكون هيئته "منعزلة عن الناس وتعمل لنفسها فقط".
وفي سياق اسئلة مثل :"هل تنجح قيادات ثقافية قديمة ومستهلكة في تنفيذ أهداف ثقافية ثورية ومدى قدرتها على الاسهام الثقافي الفاعل في تجسيد الرؤية الجديدة لمصر بعد ثورتها الشعبية تتصاعد من جديد دعوات مثقفين مصريين لاعادة هيكلة وزارة الثقافة بما يخدم طرح مشروع ثقافى نهضوى يتفاعل مع ضرورات الحداثة دون تفريط فى الأصالة.
في تصريحات صحفية وصف الفنان عز الدين نجيب الواقع الثقافي بأنه "لا يسر"، مؤكدا على ماوصفه " بتفشي الأمية الثقافية". ودعا لاستحداث آليات للقياس تكشف مدى تأثير الأنشطة والفعاليات وتنفيذ الأهداف، كما انتقد ماوصفه بغياب التنسيق بين قطاعات وهيئات وزارة الثقافة الأمر الذي يؤدي لتكرار الأنشطة بلا طائل.
وأكد سعد عبد الرحمن على وجود ادارة متخصصة في قياس الرأي الثقافي هي "الادارة المركزية للدراسات والبحوث" بهيئة قصور الثقافة غير أنه أقر بأن عددا كبيرا من العاملين في هذه الهيئة "ليسوا في مكان العمل المناسب لهم".
وبينما أكد عز الدين نجيب على ضرورة الاستعانة "بدم جديد من الأدباء والمثقفين بأفكار جديدة لتولي الادارات المركزية" لهيئة قصور الثقافة يقول عمار علي حسن في جريدة الوطن "لقد آن الآوان لثورة ثقافية منتظرة في معركة مفروضة حتما ضد التخلف والتطرف".
ولاتخلو الدعوات التى يطلقها البعض من حين لآخر لالغاء وزارة الثقافة ككل من تعلق بمسألة الأسماء والمسميات واللافتات بعيدا عن الجوهر والمضمون لأن هذه الدعوات تتفق فى نهاية المطاف على قيام جهة أخرى مثل المجلس الأعلى للثقافة بالدور الرسمى لوزارة الثقافة.
وبعيدا عن أى نزعة بلاغية أو انشائية فوزارة الثقافة وهيئاتها من المفترض أنها تتحمل المسؤولية الكبرى فى ترسيخ ثقافة ثورة يناير-يونيو فى كل أوجه ومجالات الحياة المصرية ومواجهة التناقضات فى العملية الثورية وصراع الضرورات وتوجيهها لصالح الشعب الأمر الذى يتطلب سياسات تنطلق من قيم هذه الثورة وكوادر قادرة على تنفيذ هذه السياسات الثورية الثقافية.
وكان الكاتب الراحل قاسم مسعد عليوة الذي فقدته الحياة الثقافية المصرية مؤخرا يؤكد دوما على أهمية "فلسفة العمل بوزارة الثقافة وأن تكون موجهة للشعب فى عمومه"، وإن كان يحبذ إلغاء هذه الوزارة وتوزيع اختصاصاتها على الهيئات الثقافية على أن تكون تبعية هذه الهيئات للمجلس الأعلى للثقافة على سبيل المثال كما قال.
وفيما تشكل قضية الموارد البشرية داخل وزارة الثقافة بهيئاتها اشكالية كبيرة فيما يتعلق بمدى ملائمة هذه الموارد للعمل الثقافى قال سعد عبد الرحمن إن بند الأجور وحده يلتهم نسبة تصل الى 80 بالمائة من ميزانية هيئة قصور الثقافة، معتبرا أن الحل يكمن في زيادة ميزانية الهيئة ككل لأنها "ضعيفة أصلا" على حد وصفه.
وكان الناقد والفنان التشكيلى عز الدين نجيب قد دعا "لاعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة بقانون جديد يناسب العمل فى مرحلة مابعد الثورة ويمنحه استقلالية أكبر والاهتمام بالمؤسسات الثقافية التى تتفاعل مع الجماهير مثل قصور الثقافة لتتخلى عن بعدها عن المجتمع وتقوم بدورها الحقيقى التفاعلى مع الجمهور".
وتضمنت مبادرات بعض المجموعات فى الحياة الثقافية المصرية بعد الثورة الشعبية مطلب تحويل المجلس الأعلى للثقافة الى كيان مستقل بعيدا عن وزارة الثقافة، فيما أعد الفنان التشكيلى عادل السيوى اقتراحا يتمثل فى إشراف المثقفين على هذا المجلس عبر انتخابات حرة وبحيث يتحول إلى "كيان حيوى يمكنه وضع الخطوط الرئيسية للعمل الثقافى فى مصر".
على أن الأمر فى جوهره يتجاوز بكثير مجرد تغيير فى الأسماء والمسميات أو وضع لافتة محل اخرى بقدر ما يتطلب ارادة سياسية واعية بأهمية دور وزارة الثقافة فى المرحلة الراهنة على وجه الخصوص حيث تفرض اسئلة عديدة ذاتها مثل السؤال عن دور هذه الوزارة فى صياغة المضمون الثقافى الثورى الواجب لصنع التغيير الثورى الذى يلبى مطالب الشعب المصرى فى ثورته المجيدة.
ومنذ ثورة الخامس والعشرين من يناير- تعاقب على وزارة الثقافة المصرية ستة وزراء هم :الدكتور جابر عصفور ومحمد عبد المنعم الصاوى والدكتور عماد أبو غازى والدكتور شاكر عبد الحميد وعلاء عبد العزيز والدكتور محمد صابر عرب.
وتكشف النظرة المقارنة عن أن منصب وزير الثقافة يحظى بأهمية غير عادية فى مراحل التحولات الحرجة والحاسمة لبعض الدول حيث الضرورة تدعو لمثقف كبير ومناضل ثورى ومدافع عن كرامة الانسان وحقوقه كما حدث فى خضم الآزمة السياسية الفرنسية عام 1958 عندما استدعى الجنرال شارل ديجول الكاتب والمبدع الثورى اندريه مالرو لشغل منصب وزير الثقافة ليستمر صاحب "قدر الانسان" فى هذا المنصب على مدى عقد كامل.
ولم يأت اختيار اندريه مالرو لشغل منصب وزير الثقافة لمجرد انه مبدع كبير من مبدعى القرن العشرين أثرى مكتبة الفكر الانسانى بأعمال باقية فى الرواية وفلسفة الفن والتاريخ وإنما أيضا لأنه تألق فى مجال الفعل السياسى الثورى داخل بلاده وخارجها وبالقدر ذاته فهو قريب للغاية من شارل ديجول وأفكاره وكان هذا المثقف الفرنسى الكبير الذى قضى عام 1976 شاهدا بحق على عصر شارك فى صنعه.
وفى دولة كفرنسا بكل أجواءها الثقافية الحرة لا يثير وجود وزارة للثقافة جدلا تماما كما أن عدم وجود مثل هذه الوزارة فى بريطانيا لايمثل اشكالية فالمهم وجود من يقوم بالدور بصرف النظر عن المسميات واللافتات.
ويبدو أن هذه الفكرة على بساطتها غير واضحة بما يكفى فى مصر حيث يتبارى البعض فى اطلاق تصريحات داعية لإلغاء وزارة الثقافة وكأن وجودها هو المشكلة الكبرى، فيما يذهب بعض أصحاب هذه الدعوات إلى أنها تعبر عن وصاية حكومية على الثقافة.
ويتناسى من يطلق مثل تلك الدعوات حالات ألغيت فيها وزارة الثقافة بالفعل فى بعض الحكومات بمصر لكنها كانت تعود فى حكومات جديدة أو تعديلات وزارية بما قد يشير ضمنا إلى أنها تمثل حاجة ضرورية رغم اى ملاحظات أو انتقادات والأكثر أهمية أن القضية تتعلق بالجوهر والسياسات بعيدا عن الأسماء والمسميات.
وكانت وزارة الثقافة ظهرت لأول مرة فى مصر فى التاسع من سبتمبر عام 1952 واسندت حقيبتها لفتحى رضوان الذى شغل منصب وزير الثقافة والارشاد القومى فيما كان الدكتور حسين فوزى وكيلا له.
ونهضت أول وزارة للثقافة بمهام متعددة وحققت انجازات مثل تأسيس نادى القصة عام 1953 ومصلحة الفنون عام 1955 التى تولى رئاستها الأديب الكبير يحيى حقى وتولت رعاية المسرح والسينما والفنون التشكيلية كما صدر قانون فى عام 1956 بانشاء المجلس الأعلى للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية.
وهناك نوع من الاتفاق العام على أن الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة الأشهر فى ستينيات القرن العشرين حقق نهضة ثقافية وكان صاحب الانجازات المقدرة فى البنية الأساسية للثقافة المصرية أو ما يوصف "بالصناعات الثقافية الثقيلة" من قصور للثقافة ومسارح ومتاحف وسلاسل دورية للكتب الهامة والمعاجم ودوائر المعارف فضلا عن اقامة السيرك القومى وعروض الصوت والضوء ناهيك عن انقاذ آثار النوبة عند بناء السد العالى واقامة العديد من فرق الفنون الشعبية .
وفى سياق تأكيده على ضرورة زيادة تمويل الأنشطة الثقافية، نوه محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب المصريين بأن الميزانية المخصصة للثقافة تضاءلت كثيرا قياسا عما كانت عليه فى فترة الستينيات من القرن الماضى والتى شهدت المرحلة التأسيسية للبنية التحتية الثقافية فى مصر.
وتبدو الحاجة واضحة لزيادة ميزانيات النشر للكتب والأعمال الثقافية الجادة والهامة جنبا الى جنب مع تحرير الابداع الثقافى من أى وصاية بيروقراطية والاحتكام لمعايير الثقافة وجماليات الفن دون اسفاف او ترهيب مع دعم التعدد والتنوع والحق فى الاختلاف وصولا لاستعادة الدور الثقافي المصري كأحد أهم عوامل القوة الناعمة فى المنطقة والعالم.
لكن الجدل الراهن حول وزارة الثقافة وهيئاتها لايخلو من شكلانية واعادة لانتاج قضايا لامعنى لها فى الواقع أوالمأمول، وعلى سبيل المثال فإن البعض يحول المسميات لأزمة فى حد ذاتها وكأن استعادة مسمى "الثقافة الجماهيرية" بدلا من "قصور الثقافة" سيحل كل مشاكل هذا الكيان الذى لابد من زيادة موازنته للنهوض بدوره الكبير والمأمول وخاصة فيما يتعلق بأنشطته فى النشر والاستمرار فى اصدار كتب قيمة وجادة بأسعار رخيصة وضمان وصولها للجماهير فى كل ربوع مصر.
وفى خضم هذا الجدل حول مسائل شكلية قد يضيع الجوهر أو يحجب المطلوب بإلحاح فى هذه المرحلة من وزارة الثقافة والمعنى الثورى الذى يعنى أن تجسد هذه الوزارة بهيئاتها وأجهزتها المتعددة المضمون الثقافى لثورة 25 يناير- 30 يونيو فى الحرية والعدالة والكرامة وتوجيه المعرفة لخدمة الانسان المصرى والارتقاء به ثقافيا وتمكينه من رفع مستوى معيشته عبر تحسين قدراته الثقافية فى السيطرة على الواقع والتمتع بروح المبادرة فى مجالات الانتاج والتنمية.
وبصرف النظر عن الأسماء والمسميات، فإن الأجهزة الرسمية للثقافة المصرية لابد وأن تعبر عن النظرة المصرية الجديدة للحياة بعد ثورة يناير-يونيو وهذه النظرة الجديدة لايمكن أن تكون بلا جذور او منفصلة عن قيم الجماعة الوطنية وانما هى جديدة بمعنى التطور الايجابى بعد ثورة شعب وجديدة بمعنى أنها "ثورية بالضرورة والواقع".
وثمة حاجة بالفعل لتحديد أهداف مصر الثقافية حسب "توصيف استراتيجي كلي" على حد قول الدكتور علاء عبد الهادي الذي يدعو "لاعادة هيكلة شاملة لجماع المؤسسات الثقافية" بناء على هذه الأهداف ومن أجل تحقيق الأثر الاجتماعي المأمول للثقافة.
وبكلمات أخرى فهناك حاجة "لرؤية واستراتيجية حول القضايا المحورية في العمل الثقافي" كما قال الفنان عز الدين نجيب الذي اشار لظاهرة "غياب الكوادر التي تحمل رؤية للنهضة الثقافية" كما انتقد "اختيار قيادات العمل الثقافي بالأقدمية في وزارة الثقافة وليس بالموهبة". فالقضية هي تحويل أو ترجمة البنية المادية لوزارة الثقافة بهيئاتها وكل مايتبعها من كيانات بكل نفقاتها الى رصيد فاعل في الوعي المعرفي والثقافي والتنموي بحيث يصل العائد الثقافي الى مستحقيه وحتى تتبوأ مصر مكانتها الثقافية المستحقة على مستوى المنطقة والعالم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.