رائحة الحزن تفوح أمام مشرحة زينهم.. صراخ هنا وعويل هناك.. دعوات بالصبر والسلوان.. عبارات تهدئة لأم الشهيد وأبو الطفل الشهيد.. رجال يضربون رءوسهم بأيديهم لفقد فلذات الأكباد، ومشهد يدمى أقسى قلب، حيث وقع بصرنا على طفلة لم يتجاوز عمرها عاماً واحداً. لم تدرك ما يدور حولها، ولكن الفطرة دفعتها للصراخ والبكاء على والدها حسن سعيد حسن (30 سنة) عامل. كان حسن قد جلس لمشاهدة التليفزيون مع زوجته وهو يحتضن صغيرته، وفتك بصدره مشهد تساقط المتظاهرين قتلى وجرحى، قبل صغيرته وزعم لزوجته أنه ذاهب لشراء علبه سجائر، وراح يحملق فى وجه زوجته وسقطت دمعة من عينيه، وتوجه لجيرانه وأخبرهم أنه ذاهب لميدان التحرير، وأوصاهم بزوجته وطفلته وشقيقته الوحيدة، وطلب منهم الدعاء له إذا توفى وتذكير ابنته عندما تكبر أن أباها مات شهيداً. فشلت كل محاولات جيرانه فى منعه من الذهاب إلى ميدان التحرير، كأنه كان على موعد مع ملك الموت، حيث أصيب برصاصات الغدر، التي أصابته في ظهره ورأسه، فحمله زملاؤه فى الميدان إلى مستشفى معهد ناصر لإسعافه، إلا أنه توفى عقب خروجه من غرفة العمليات بساعات. وتساءلت زوجته ما الذى اقترفته يده كى ينال ذلك الجزاء؟! ارتجفت أوصال كل الأشخاص الذين كانوا يقفون أمام باب المشرحة، وزلزت قلوبهم عندما شاهدوا والد الطفل عبدالرحمن إمام على محمد (15 سنة) وهو يضرب بكفيه على رأسه وأصوات صراخة تكاد تفزع الطير المحلق فى السماء، وهو ينادى على فلذة كبده بأعلى صوته، فقد ذهب الحبيب الغالى إلى مدرسته صباح أمس وتوجه لميدان التحرير وضرب بنصائح والديه عرض الحائط، وتلفع بعباءة الرجال لتستقر رصاصات الغدر فى قلبه، ويدفع حياته فداء لمصر. فى ركن منزوى جلس رجل فى بداية العقد الرابع من العمر يفترش الأرض وعلامات الذهول والبكاء المرير، تبين أن نجله الوحيد عيد صبحى (18 سنة) لا يعلم عنه شيئاً وهاتفه مغلق، وقد طرق الأب أبواب جميع المستشفيات دون جدوى، ولا يعلم حتى الآن شيئاً عن فلذة كبده.