كتبت مروة هيثم: رائحة الحزن تفوح أمام مشرحة زينهم.. صراخ وعويل ودعوات بالصبر والسلوان, وعبارات تهدئة لأم الشهيد وأبو الطفل الشهيد.. ونسوة يتشحن بالسواد, ورجال يلطمون بأيديهم فوق الرءوس لفقد فلذات الأكباد, تلك بعض المشاهد من أمام المشرحة التي استقبلت العديد من جثث الشهداء. وقع بصرنا علي طفلة بريئة لم يتجاوز عمرها عاما واحدا انتابتها نوبة من الصراخ, فهي لم تدرك ما يدور حولها, ولكن الفطرة دفعتها للصراخ والبكاء علي والدها حسن سعيد حسن(03 سنة)( عامل) الذي جلس لمشاهدة التليفزيون مع زوجته وهو يحتضن صغيرته, وشاهد المتظاهرين وهم يتساقطون قتلي وجرحي, قبل صغيرته وزعم لزوجته أنه ذاهب لشراء علبة سجائر وراح يبحلق في وجه زوجته وسقطت دمعة من عينه وخرج وتوجه إلي جيرانه في الطابق الأول وأخبرهم أنه متوجه إلي الميدان وأوصاهم علي زوجته وطفلته وشقيقته الوحيدة, وطلب منهم الدعاء له إذا توفي, وتذكير ابنته عندما تكبر أن أباها مات شهيدا, وأوصي جيرانه علي والدته وشقيقته, فقد فقد والده منذ صغره, وكان العائل الوحيد لأسرته, وفشلت محاولات جيرانه في منعه من الذهاب إلي الميدان, إلا أنه أصر وكأنه كان علي موعد مع ملك الموت هناك, وبمجرد وصوله إلي الميدان ليلا استقرت إحدي الرصاصات الحية في بطنه وخرجت من ظهره, وأخري في قدمه, وثالثة في رقبته, وسالت منه الدماء وحمله زملاؤه في الميدان إلي مستشفي معهد ناصر لإسعافه, وأجريت له العمليات الجراحية لاستخراج الطلقات من جسده, إلا أنه توفي عقب خروجه من غرفة العمليات بساعات, وتتساءل زوجته وهي تحمل رضيعتها: دم زوجي في رقبة من؟ وما الذي اقترفته يده كي ينال ذلك الجزاء؟ ارتجفت أوصال كل الأشخاص حتي الذين كانوا يقفون أمام باب مشرحة زينهم, وزلزلت قلوبهم عندما شاهدوا والد الطفل عبدالرحمن إمام علي محمد(51 سنة) وهو يضرب بكفيه علي رأسه وأصوات صراخه تكاد تفزع الطير المحلق في السماء وهو ينادي علي فلذة كبده بأعلي صوته, فقد ذهب الحبيب الغالي إلي مدرسته صباح أمس كعادته, إلا أنه غير خط سيره وتوجه إلي ميدان التحرير, فهو معروف بين أفراد أسرته بالوطنية, ويتابع أخبار المظاهرات أولا بأول, وأبدي رغبته لوالديه في أن يشترك في المظاهرات, إلا أنهما رفضا, فهو لايزال أخضر العود, وجسده نحيف, ولا يقوي علي الوقوف والكر والفر, لكنه ضرب بنصائح والديه عرض الحائط وتلفع بعباءة الرجال وتوجه في غفلة من والديه إلي الميدان, إلا أن رصاصات الغدر استقرت في قلبه ليرحل عن الدنيا ويدفع حياته فداء لمصر. تجمع العشرات من أقارب وأصدقاء الشهيد الصغير والدموع تنساب علي الوجنات البريئة وينعون صديقهم عبدالرحمن الذي تميز بينهم بخفة الدم, وحسن الخلق.