لكل حرفة فترات صعود وهبوط، حسب الأحوال الاجتماعية والظروف الاقتصادية. وأحيانا تلعب التطورات السياسية دورا فى هذه المعادلة، فترفع هذا وتُخفض ذاك. ونحن على أبواب انتخابات مجلس الشعب راج سوق الخطاطين بطريقة لافتة للنظر، خاصة بعد تحجيم وسائل الدعاية التليفزيونية، لكن التقدم فى وسائل التكنولوجيا الحديثة أصبح يهدد مستقبل هؤلاء فى مدينة الزقازيق وغيرها . أحمد إبراهيم محمد، خطاط ورسام فى مقتبل عمره لم يتجاوز 24 عاما، فخور بعمله فى هذه المهنة، التى يقول إنه ورثها أبًّا عن جد.مضيفا إن فترة الانتخابات لا تقتصر فيها المنافسة علي المرشحين فقط ، لكن أيضا هناك فئات أخري ليس لها علاقه مباشرة بالعملية الانتخابية، مثل أصحاب المطابع وبائعي الأقمشة، الذين يلعبون دورا مهما، حيث تعتبر الانتخابات فترة انتعاش وتحقيق ربح مالي لأصحاب هذه المهن. ونحن فى مدينة الزقازيق بالشرقية بدأنا العمل مبكرا فى هذه الانتخابات، لأن هناك عددا كبيرا من المرشحين والمرشحات حرصوا على خوض المعركة الانتخابية بأكبر قدر من الدعاية السياسية. لكن أحمد الذى بدا متفائلا هذه الأيام، لم تفته الاشارة إلى مخاطر التكنولوجيا عليه. فيقول إن الكمبيوتر قضي علي المهنة لدرجة كبيرة. فعدد كبير من المرشحين يلجأون إلي الوسائل الحديثه. ولفت انتباهه أن مرشحي 2010 رجالا ونساء يركزون علي صورهم وأسمائهم أكثر من اي شيء آخر، فكل مرشحة تتفنن في الإعلان عن نفسها وتهتم بصورتها كأنها نجمة سينمائية أو ممثلة من هوليود، ويظهر ذلك في تسريحة الشعر والمساحيق بشكل لا يليق بمجتمعنا الشرقي المعروف بعاداته وتقاليده وقيمه المحافظة، ولم يقتصر ذلك علي النساء بل والرجال أيضا يعرضون صورهم وكأنهم في مسابقه اختيار أوسم رجل، وليس أكفأ رجل . أما عن الأسعار يقول أحمد إبراهيم: إن اللوحة القماش تكلفتها 25 جنيها تقريبا، والخشب المتر تكلفته27 جنيها، وأغلب المرشحين والمؤيدين يفضلون اللوحة الكبيرة مقاس6 م× 2 م ويؤكد أحمد أن الطلب علي اللافتات القماش أكثر لأنها أرخص ولا يتطلب تعليقها على حائط بل يمكن تعليقها في أي مكان في الشارع . يميل أحمد إبراهيم إلي استخدام اللون الأزرق والأحمر والأخضر في الكتابة علي اللافتات، وكذلك يستخدم اللون الأصفر لتظليل الكلام، مما يجعل اللافتة أكثر جمالا ووضوحا. ويستخدم فى رسوماته الخطوط المختلفة في الكتابة، مثل النسخ والرقعة والفارسي ويستغرق من ربع إلي نصف ساعة في عمل اللافتة القماش وفترة أكبر في عمل اللوحة الخشبية. من أكثر الشعارات رواجا "إيدك في إيدينا من أجل مستقبل أفضل".." .."لسان الحق والخير والسلام منكم وبكم ولكم " .. " حب الوطن يكفينا" .. "خيركم خيركم لأهله" .. " رجل الحق " .. "رجل الإنجازات " .. " الراجل بتاع الغلابة" . أحمد، رصد من خلال عمله فى هذه الانتخابات وجود مجموعة كبيرة من مرشحى الزقازيق طلبوا منه بشدة كتابة بعض العبارات الدعائية، مثل " واحد مننا يقدر يعبر عننا ويعيش همنا ويحلم حلمنا ويوفي بوعده لنا ".. و" بكل الحب بكل الموده والاقتناع نجدد الثقة في رجل الإنجازات "..و"نؤيد بكل الحب الرجل بتاع الغلابة "..و" نعم للصوت الجريء " . وهناك من يلقبون أنفسهم بألقاب مثل الشريفة والعفيفة. لكن الجديد في انتخابات 2010 وضع أرقام الهواتف المحمولة علي الدعاية الانتخابية تحت شعار" كلمني شكرا ". يتعجب مصطفي عباس محمد، خطاط ورسام لم يتجاوز عمره 19 سنة، من أن هناك بعض المرشحين يضعون لأنفسهم أكثر من شعار. ويرى أنه من الأفضل لكل مرشح أن يميز نفسه بشعار واحد. ويشير إلي أن المرشحين يلجأون إلي شعراء العامية لشراء الشعارات الرنانة التي تثير مشاعر الجمهور وتحثهم علي إعطائهم أصواتهم. ويؤكد أن البعض يتجه لطباعة لافتات بلاستيكية، مستخدما الكمبيوتر لتجعل الدعاية الانتخابية له أكثر جاذبية وحرفية وأكثر لفتا للنظر، إلا أنه رغم هذا التوسع التكنولوجي الملموس ما زال الكثير يتمسك باليفط القماش والخشبية لكون أغلب الدوائر مناطق شعبية. ومن الممكن أن تتعرض الدعاية إلي التمزيق والسرقة. كما أن لافتات القماش موفرة جدا ويستخدم قماش البفتة، وسعر المتر من 4:3 جنيهات. وهي غالبا ما تكون بيضاء. لكن البعض يفضل الأصفر والبرتقالي والأخضر الفاتح حتي تجذب أعين المارة، ويرفض مصطفي كتابة شعارات من آيات قرآنية رفضا نهائيا خوفا من أن تمزق أو تُلقي علي الأرض بعد الانتخابات. أما عن الأسعار فيقول مصطفي عباسك إن اللافتة القماش ال5 أمتار، تكلفتها 45جنيها والخشبية في حدود 50 جنيها. تقول شيماء محمد (خطاطة) بنبرة يغلب عليها الإحباط، إنها لم تعد تحقق مكاسب تذكر من هذه المهنة، لا في موسم الانتخابات ولا غير هذا الموسم فتقول إنها تفاجأ في موسم الانتخابات بظهور أشخاص ليست لهم علاقة بالمهنة ويقومون بعمليات النصب علي المرشحين ويقللون في أسعار لافتات القماش والخشب، فإذا كانت اللافتة القماش تكلفتها 20 جنيها حسب حجمها يطلبون 10 جنيهات فقط ، ولكن في مقابل ذلك إذا كان الاتفاق علي 100 لافتة يقوم بعمل 50 لافتة، بعد إيهام المرشح بأنهم قاموا بتعليق هذ اليفط، وإذا اكتشف المرشح عدم وجودها يظن أنها سرقت أو أن أحد المنافسين قام بنزعها والمرشح لا يدري أنه تم النصب عليه من قبل هؤلاء الأشخاص المجهولين. وتضيف شيماء، أن هذه المهنة أصبحت مهنة من لا مهنة له، وبعض الأشخاص يعملون بها بدون سجل تجاري أو بطاقة ضريبية، وبالتزوير أحيانا باستغلال ختم خطاط قد توفي وله سجل تجاري أو بطاقة ضريبية . أما السيد عبد النبي صاحب مطبعه فيري أن الدعاية الانتخابيه مهمة جدا وبعض الناس يهتمون بقراءة الشعارات ويبنون علي أساسها وموقفهم من المرشح إلا أن مرشحي 2010 لم يركزوا سوى على صورهم فقط، ويطلبون استخدام أكبر عدد ممكن من الألوان. ومن أجل لفت انتباه الجمهور نجد أن هناك تضاربا في الألوان ليس بين المرشحين ولكن في دعاية المرشح الواحد. لذلك يتجه جميع المرشحين إلى الوسائل الحديثة التي تحقق لهم الإبداع والجاذبية في صورهم، وهناك من يطلب وضع صورة السيد الرئيس حسني مبارك، بجوار صورته في دعايته الانتخابية . ويشير السيد عبد النبي أيضا بأن هناك بعض المرشحين يطلبون وضع رمز الحزب الوطني أو رمز مجلس الشعب (رمز القبة) أو رفع الاثنين معا . ويوضح عبد النبي أن الكمبيوتر يلعب دورا كبيرا في انتخابات 2010 كما أنه يؤكد أن الدعاية الحديثه تعد أوفر من اللافتات القماش أو الخشب والتكلفة تكون في التجهيزات فقط التى تضمن التصميم على الفوتوشوب والزنكة والفيلم، تكلفة ذلك 300 جنيه تقريبا، أما الطباعة والورق فسعر ال 1000 ب 50 جنيهت، ويشير السيد عبد النبي بأن هناك البعض سواء خطاطين أو مصممي الدعاية الانتخابية يفضلون العمل مع مرشحي الحزب الوطنى على اعتبار أن ذلك أكثر أماناً، ولكن وجهة نظري أن الشغل شغل ولا يجوز أن تدخل السياسة. ولو رفضت هذا الشغل هناك مليون واحد غيري سيقبلون هذا الشغل وأكون خسرت الرزق . ويوضح سامح محمد، 30 سنة، صاحب مكتب تصميمات للدعاية الإلكترونية أن دوره تصميم شكل "البنار" على الفوتوشوب واختيار الألوان ودرجاتها بحيث يعطي الدعاية الانتخابية جاذبية وفخامة وتلفت أنظار الناخبين. ويؤكد أنه على المرشح ترك الصورة الشخصية الخاصة به والاسم، وأنا أتولى الشعار والألوان والخلفية. وعندما يتسلم المرشح "البنار" ينبهر بتصميم شكله النهائي .