ما أشبه الليلة بالبارحة.. تذكرت هذه المقولة وأنا أرصد عددا من الأحداث التي تشير إلي تكرار ما حدث مع مصر عقب ثورة يوليو1952, عندما شعر الغرب بمخاوف من انتشار أفكار تلك الثورة في كثير من دول العالم, ليس لأن مصر تصدر الثورة ولكن لأن مصر لديها من القوي الناعمة ما يجعلها محط أنظار كثير من دول العالم في إفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية. عقب ثورة يوليو أصاب الغرب مخاوف بأن مصر سوف تحقق الانطلاقة الاقتصادية التي تجعلها واحدة من دول العالم المتقدم خاصة بعد أن نفذت عددا من الإجراءات والخطط الاقتصادية التنموية التي جعلتها تقف إلي جانب دول حققت معدلات مرتفعة في النمو والرفاهية مثل كوريا واليابان. وكان يجب علي الغرب أن يوقف زحف المارد المصري, ورفض الغرب تمويل مشروع السد العالي من خلال البنك الدولي حتي لا تتوفر لمصر الطاقة اللازمة للنهضة الصناعية, وحدث ما حدث من تأميم وعدوان ثلاثي, ثم نهضة مصرية عقب الخطة الخمسية60 1965. وما يحدث اليوم من محاولات خنق الاقتصاد المصري ورفض دول غربية مد يد العون وتخفيض التصنيف الائتماني للسندات الحكومية المصرية أكثر من خمس مرات متتالية بحجة وجود شكوك في قدرة مصر الحصول علي قرض صندوق النقد الدولي, وبسبب الاضطرابات السياسية التي تشهدها البلاد.. كل ذلك يعيد إلي الأذهان ما حدث في فترة ما بعد ثورة يوليو. وأعتقد جازما أن لجوء الرئيس محمد مرسي إلي الانفتاح علي دول مجموعة البريكس ذات الاقتصادات الصاعدة التي تضم كلا من الصين والهند وروسيا والبرازيل ودولة جنوب إفريقيا, إنما هو بداية لإنشاء تجمع اقتصادي قد يصبح مع الوقت تجمعا سياسيا أشبه بدول عدم الانحياز التي أسس لها زعماء مصر جمال عبدالناصر, والهند لال نهرو, ويوغسلافيا السابقة جوزيف تيتو. ورغم أن البعض يري أن توقيت زيارة الرئيس محمد مرسي إلي باكستان والهند غير مناسب لأن الوضع الداخلي في مصر لايزال قلقا, فإن الزيارة أسفرت عن إنجازات ستكون علامة علي طريق التحرر الاقتصادي بعد الزيارة الناجحة للصين منذ شهور قليلة. فالهند صاحبة ال100 مليار دولار عائدات من قطاع تكنولوجيا المعلومات وقعت مذكرة تفاهم مع مصر لتأسيس المراكز التكنولوجية والحكومة الالكترونية وتعزيز التعاون بين القطاع الخاص في مجال تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات وصناعة التعهيد التي يعمل بها11 مليون مواطن هندي, ومذكرة تفاهم أخري لتحديث مركز التدريب المهني بمنطقة شبرا الخيمة لتطوير صناعة الغزل والنسيج والصباغة, واتفاقية في مجال المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التي برعت فيها الهند وحققت من خلالها نهضة كبري ساهمت في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لم يعد أمام الاقتصاد المصري الا أن يختنق انتظارا للمساعدات الغربية, أو أن يتنفس الحرية ويحقق العدالة الاجتماعية وينطلق مع الدول الخمس الصاعدة البريكس لتصبح مصر الدولة السادسة.