عدد ضئيل من الشعب المصري هو الذي يتعامل مع البنوك بما لا يتجاوز9% فقط, أي أن91% لا يذهبون إلي البنوك, في الوقت الذي كنا نري فيه طوابير من جميع الطبقات تقف أمام شركات توظيف الأموال خلال فترة نهاية الثمانينيات, إذا فإن المشكلة ليست فقط في ضعف مستوي الدخول, ولكن هناك عوائق نفسية وموضوعية تمنع الناس من دخول البنوك. وهذا الأسبوع تلقيت عشرات الشكاوي من قراء وأصدقاء من سوء المعاملة التي يلقاها العملاء في كثير من أفرع البنوك, والغريب أن الشكاوي كانت في الماضي تأتي في معظمها من بنوك القطاع العام, ولكن الآن أصبحت من بنوك لم تكن يوما محل شكوي. إحدي هذه الشكاوي من صاحب شركة أرسل الصراف لإيداع مبالغ في الحساب بأحد فروع بنك في قويسنا ولكن موظف البنك وجد أن المبلغ كبير ولا يكفي التوكيل الذي يحمله مندوب الشركة لإيداع المبلغ ويجب أن يأتي صاحب الشركة بنفسه, وبالفعل ذهب صاحب الشركة ولكن ليسحب كل أمواله ويغلق الحساب. ولا أعرف أهي مصادفة أم لا أن تأتي معظم الشكاوي من سكان حي المعادي وكلها تتعلق بسوء المعاملة وأن الذهاب إلي البنك يعني ضياع عدة ساعات في عملية لا تحتاج سوي بضع دقائق مثل إيداع مبلغ في حساب التوفير أو دفع أقساط اشتراك في النادي أي إيداع في الحساب الجاري, أو استعادة شهادة, وكانت إحدي الشكاوي من سيدة مجتمع معروفة قالت إنه إلي جانب ضياع أكثر من ساعة ونصف في أحد البنوك الاستثمارية فإن المقاعد لا تكفي حتي لربع العملاء, وأكثر ما آلمني أنني وجدت موظف البنك الشاب ينادي علي أحد العملاء في سن والده باسمه الأول بدون أي ألقاب. مجموعة أخري من الشكاوي كانت تدور حول مصدر المبالغ المودعة, وصيغة الشك التي تظهر من موظف البنك للعملاء بسبب إيداعهم مبالغ لم تعد كبيرة في هذه الأيام التي انخفضت فيها قيمة النقود وأصبحت قيمة السيارة أو الشقة المتوسطة بمئات الآلاف من الجنيهات. لا ينكر أحد أن الجهاز المصرفي هو أحد الأعمدة القوية التي تحفظ الاقتصاد المصري من الانهيار أمام أزمات طاحنة لا يقوي علي تحملها غير بلد لديه مؤسسات قوية, ولكن البنوك القوية تقوم أساسا علي مدي ثقة العملاء وسهولة تعاملاتهم بما يحفظ للبنك حقه في منع تسرب الأموال القذرة من المهربين وتجار السلاح والمخدرات الذين يتعاملون بالملايين ويذهبون إلي المناطق التي تسمي بالجنات الضريبية التي لا تبحث عن مصدر الأموال, أما نحن في مصر فإننا نحتاج إلي تشجيع المواطن صاحب الدخل المتوسط ليدخر ما لديه من فائض ولو ضئيل في البنوك, وأن يرتفع عدد المتعاملين مع الجهاز المصرفي من9% إلي أضعاف هذا العدد لكي نواجه احتياجات التنمية, والطريق إلي ذلك يبدأ من المعاملة الحسنة حتي لا يعود الادخار كما كان منذ عشرات السنين إلي تحت البلاطة. [email protected]