عندما التقيت بالدكتور صلاح حامد وكان وزيرا للمالية سألته سؤالا مباغتا هو: اذا كنت بحكم منصبك مسئولا عن ادارة الموازنة العامة للدولة فمن يا ترى المسئول عن ادارة ميزانية بيتك. . ؟! لم يتوقع الرجل أن أوجه له مثل هذا السؤال وسط طوفان من الاسئلة الجادة التى كان يجيب عنها بكل جدية، عن احوال وأهوال الاقتصاد المصرى. ! وكان معروفا عن د. صلاح حامد انه من المسئولين الجادين جدا، الذين تخاصم الابتسامة وجوههم فما بالك بالضحكة! ومع ذلك فوجئت بالرجل يغرق فى نوبة من الضحك عندما سمع السؤال، ولم يرفض الاجابة عنه رغم ان ذلك من حقه، بل قال وهو يضحك: المدام يا سيدى هى المسئولة عن ميزانية البيت، اما انا فتكفينى ميزانية الدولة. . ! والشهادة لله. . لقد كان د. صلاح حامد بحق من اهم وزراء المالية أصحاب الرأى والرؤية، وهو قد تولى ايضا منصب محافظ البنك المركزى، وكان من الاقتصاديين المعدودين فى البلاد. والطريف أننى وجهت نفس السؤال لاستاذنا الدكتور مدحت حسانين بعد اسابيع قليلة من توليه منصب وزير المالية فرد على بنفس الاجابة وهى انه مسئول عن موازنة البلد اما زوجته فهى الوحيدة المسئولة عن ميزانية البيت. . ! والمعنى انه كان لدينا وزراء مالية مهمومون بحق بالمشاكل الحقيقية التى يواجهها الاقتصاد، والتى فى مقدمتها العجز المزمن فى الموازنة العامة للدولة، وكانوا ينتهجون حلولا غير تقليدية للحد من هذا العجز بدون ان يلجأوا للحلول التقليدية السهلة، التى لا تخرج عن جباية المزيد من الضرائب من المواطن المطحون. . ! ومثل هذا النوع الاخير من الوزراء لا يصلح لا لادارة الموازنة العامة للدولة بل حتى لادارة ميزانية بيته. . ! وقد يسألنى سائل: وما هى يا عبقرى زمانك وفلتة عصرك وأوانك هذه الحلول غير التقليدية لزيادة موارد الخزانة العامة للدولة. . ؟ وردى البسيط على ذلك هو ان الحلول غير التقليدية كثيرة وتسد عين الشمس وسأكتفى اليوم بحل واحد فقط حاول وزيران من وزراء المالية السابقين تطبيقه ونجحوا بدرجات متفاوتة. . اولهما هو الدكتور مدحت حسانين وثانيهما هو د. يوسف بطرس غالى، نعم يوسف بطرس غالى، فالرجل رغم عيوبه العديدة فإنه كان عقلية اقتصادية محترمة، واجتهد فى بداية توليه مسئولية وزارة المالية لزيادة موارد الدولة بصورة غير تقليدية. . وهذه بالمناسبة شهادة للتاريخ لا أجامل بها أحدا، لأن د. غالى هو اكثر وزير تعرض لانتقاداتى عندما كان فى عز قوته وسطوته. . كله مسجل ومكتوب. . والكلمة ما بتكدبش. . ! كانت الفكرة الاساسية التى انطلق منها كل من الدكتور مدحت حسانين والدكتور يوسف بطرس غالى هى اضافة ممولين جدد، او متهربين بمعنى أدق، للمجتمع الضريبى، ولكل شيخ او وزير طريقته. . ! فالدكتور حسانين كان يحاول حصر المجتمع الضريبى المسجل وغير المسجل فى دفاتر مصلحة الضرائب من خلال اغراءات عديدة اولها واهمها هو خفض سعر الضريبة حتى ولو وصل الى صفر، حسب تعبيره. . فهذا الخفض سيغرى غير المسجلين والمتهربين واقتصاد بير السلم الى الانضمام طواعية للمجتمع الضريبى، وبالتالى ستزيد الحصيلة! وللامانة كانت الضغوط التى تعرض لها د. حسانين وقصر الفترة الزمنية التى تولى فيها مسئولية وزارة المالية سببين رئيسيين فى عدم تطبيق هذا الحل على ارض الواقع، لكنه يبقى فى كل الأحوال حلا غير تقليدى يمكن تطبيقه هذه الايام. . اما د. يوسف بطرس غالى فكان هدفه هو نفس الهدف وهو ضم ممولين جدد لمنظومة الضريبة لكن من خلال سياسة مختلفة هى سياسة عفى الله عما سلف، بمعنى انه، وبالقانون، أعفى المتهربين من الضرائب من أى مساءلة سابقة عما جنوه من ارباح وما عليهم من ضرائب، وقرر ان يبدأ معهم صفحة جديدة من الصفر بشرط ان يتقدموا طواعية لمصلحة الضرائب بكل البيانات الخاصة بنشاطاتهم. وحاول الوزير من جهة اخرى فك الاشتباكات القانونية المزمنة بين الممولين والضرائب التى ظلت سنوات وسنوات دون حل مما اضاع حقوق الدولة، وقام بتقديم تنازلات للممولين مما ادى الى الحد من عدد القضايا بين الضرائب والممولين، واضاف حصيلة لا بأس بها لخزانة الدولة. هذه الحلول غير التقليدية مثلما كانت قابلة للتطبيق أمس وأمس الاول فهى قابلة ايضا للتطبيق وبنفس القدر اليوم وغدا، المهم ان يشغل الوزراء أنفسهم بالبحث عن حلول غير تقليدية لأزماتنا المزمنة، وألا يستسهلوا الحل الدائم المعروف سلفا وهو الجباية وهو فرض المزيد من الضرائب بكل السبل والاشكال على الممولين بحجج ما انزل الله بها من سلطان. . ان مصر اليوم فى أشد الحاجة الى وزراء من عينة سيدنا يوسف النبى لا الوزير، يستطيعون بحق ان يكونوا أمناء على خزائن مصر بانتهاج حلول غير تقليدية تخرجنا من هذا النفق المظلم الذى دخلنا فيه جميعا، والذى لا يبشر بأى أمل او خير فى المستقبل. . وهذا بالمناسبة ليس كلامى، لكنه كلام وزراء المجموعة الاقتصادية فى آخر اجتماع عقدوه، ويا ليتهم ما عقدوه. . !