الحكومة تخفض توقعات النمو لعام 2019 من 1.8% إلى 1% تراجع مؤشر مناخ الأعمال إلى أقل مستوى فى ثلاث سنوات 24.7 مليار يورو عجز الموازنة بين 2019 و2023 مع خفض الحصة الضريبية 5 مليارات يورو سنويا رغم التباطؤ بتحقيق 59.2 مليار يورو فائض الميزانية فى 2018 الاقتصاد الألمانى تحت وطأة الحرب التجارية واتفاق بريكست حصة الصادرات تمثل 50% من الناتج المحلى الإجمالى 100 ألف وظيفة ستخسرها ألمانيا فى حالة "بريكست دون اتفاق" 18.4 مليار يورو من أرباح شركات السيارات الألمانية مهددة الرسوم الجمركية للرئيس الأمريكى ديملر تعلن خفض توزيعات الأرباح لأول مرة فى تسع سنوات
وسط مخاوف من تأثير ما يمر به أكبر اقتصاد فى أوروبا على اقتصاد منطقة اليورو، تدور التكهنات حول الاقتصاد الألمانى، فرغم التراجع الاقتصادى العام الماضى، سجلت ألمانيا ارتفاعا قياسيا للعام الخامس على التوالى فى فائض الميزانية بلغ 58 مليار يورو بنسبة 1.7% من الناتج المحلى الإجمالى للبلاد، ما يثير الجدل والتساؤلات.. هل هى بداية ركود أم أنها مجرد حركة تصحيحية للاقتصاد الألمانى? يرى البعض أن الأسوأ لم يأت بعد لاقتصاد ألمانيا، ونظرة عامة على الاقتصاد العالمى تكشف عن ملامح الخطر، من فوضى بريكست إلى تباطؤ الاقتصاد الصينى، ما يشير إلى بلوغ النمو العالمى مستوى الذروة. وتتعدد دواعى القلق بالنسبة للمستثمرين والأسواق فمن منظور المخاطر الجيوسياسة هناك الحروب التجارية - بين الولاياتالمتحدةوالصين- وصعود الشعبويين فى أوروبا، وكذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى دون إبرام اتفاق. وشهد أكبر اقتصاد فى أوروبا تباطؤا ملحوظا فى النصف الثانى من 2018، فبعدما تراجع الناتج المحلى الإجمالى فى الربع الثالث بنسبة 2ر0% مقارنة بالربع الثانى، استقرت وتيرة النمو فى الربع الأخير، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الاتحادى. وخفضت الحكومة توقعاتها للنمو هذا العام من 1.8% إلى 1% وهو أدنى مستوى منذ عام 2013. وأبرز مشكلات ألمانيا تتركز حاليا فيما تعانيه الصادرات من عوائق بسبب السياسات التجارية العالمية وضعف النشاط الاقتصادى العالمى، كما ظهرت فى النصف الثانى من العام الماضى مشكلات فى قطاع تصنيع السيارات على خلفية إعادة الهيكلة وفقا لمعايير العوادم والاستهلاك الجديدة، بالإضافة إلى انخفاض منسوب المياه بسبب موجة الحر فى الصيف الماضى، والتى أعاقت نقل الكثير من البضائع. ومن ثم تتجه شركات عديدة إلى خفض تكاليفها، والذى قد يترجم إلى إلغاء وظائف، وعلى سبيل المثال، تعتزم شركة "مان" لنظم الفلاتر التى توظف 20 ألف عامل خفض تكاليفها بواقع 60 مليون يورو. وهكذا فإن آلاف الشركات الألمانية تستعد لحدوث تباطؤ فى أكبر أسواقها –الصين- والذى ستكون له تداعيات ملموسة على اقتصاد البلاد. يذكر أن ألمانيا كانت من أكبر المستفيدين من العولمة التى ضمنت لها تحرير التجارة وفتح الحدود، ما ساعد على ارتفاع صادراتها لتصل إلى ما يوازى 50% من الناتج المحلى الإجمالى. وهنا يؤكد وزير المالية الألمانى أولاف شولتز أن الاقتصاد الألمانى منخرط فى الاقتصاد العالمى أكثر من أى اقتصاد آخر فى العالم. ويوضح شولتز أن الرفاهية والوظائف والاستقرار الاجتماعى فى ألمانيا تعتمد على قدرة البلاد على بيع بضائعها فى الخارج، ولكن فى الوقت نفسه، نجاحها على صعيد التصدير يجعلها أكثر عرضة للضرر بسبب أى أزمات خارجية. وأبرز توضيح لذلك أن سياسة الحمائية لترامب "أمريكا أولا" وضعف النمو فى الأسواق الرئيسية مثل الصين - التى سجلت نموا قدره 6.6% فقط فى العام الماضى فى أقل مستوى منذ 1990- كان له تأثير فى ألمانيا أكثر من أى اقتصاد آخر، مثل فرنسا مثلا. من ثم، لأول مرة فى ألمانيا، يدور حاليا جدل حول مدى جدوى الاعتماد على التصدير، فألمانيا بالكاد تجنبت الركود فعليا العام الماضى وعلى مدار العام سجلت نموا مخيبا للآمال بمعدل 1.4% فقط مقارنة بنسبة 2.2% فى 2017. هذا فى حين انخفضت طلبيات المصانع والصادرات فى شهر ديسمبر للشهر الرابع على التوالى بعد تراجع الطلب الخارجى، كما انخفضت مبيعات التجزئة بأسرع وتيرة منذ عام 2006، وبات من الواضح بعد تألق لمدة 9 سنوات أفول نجم المعجزة الألمانية. وبعد ارتفاع متواصل للناتج الصناعى والتوظيف منذ عام 2011، تراجع مؤشر مناخ الأعمال -من 101 فى ديسمبر إلى 99.1 فى يناير- إلى أقل مستوى فى ثلاث سنوات. غير أنه فى مقابل تراجع قطاع التصدير، يبدو معظم باقى الاقتصاد الألمانى على ما يرام، فالتوظيف والإنفاق العائلى والأجور والمعاشات ترتفع بمعدل أعلى من التضخم، وتكاليف الاقتراض لا تزال منخفضة وبعض المنح الاجتماعية لها مفعول التحفيز المالى البسيط. ولا يزال الإنفاق الرأسمالى والاستثمار فى البناء قويا وكذلك الاستهلاك الخاص، ما يعنى أنه على الصعيد الداخلى يبدو الاقتصاد فى وضع النمو، تلك العوامل تعزز نظرة تفاؤلية بأن ما حدث نهاية العام الماضى كان بسبب عوامل طارئة مؤقتة. فى الوقت نفسه، أبدت 65% من الشركات -المتوسطة والصغيرة- رضاها عن حالة مناخ الأعمال بحسب المسح الذى أجرته إيرنست اند يونج، وهو أعلى مستوى منذ بدء هذا المسح السنوى فى عام 2004. كما أكدت 33% من الشركات رغبتها فى الاستثمار فى ماكينات جديدة، و39% لديها خطط لتوظيف عمالة جديدة. ويقول محللون: إن الظروف الاقتصادية فى ألمانيا لا تزال جيدة، لكن المخاطر السياسية عالية أيضا وستكون لها تداعيات اقتصادية سلبية، ففى حال تصعيد الحرب التجارية سيتزايد تباطؤ النمو العالمى. وبحسب معهد الأبحاث الاقتصادية الألمانى "لايبنيز"، خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى بدون اتفاق يهدد ما يزيد على 100 ألف وظيفة فى ألمانيا، فنحو 15 ألف وظيفة فى قطاع السيارات الألمانى فقط تعتمد على التصدير لبريطانيا. وكانت واردات الصين من السيارات انخفضت 2.8% إلى 28.1 مليون سيارة فى أول تراجع منذ التسعينيات. وبحسب تحليل للفاينانشال تايمز فإن الرسوم الجمركية التى يهدد ترامب بفرضها على أوروبا - فى حال عدم التوصل إلى اتفاق تجارى مع الاتحاد الأوروبى- سيخفض إجمالى صادرات السيارات الألمانية 7.7٪ أو بنحو 18.4 مليار يورو بحسب تقديرات معهد إيفوس للتجارة الخارجية. حتى الآن لم تتأثر المالية العامة لألمانيا، فالحكومة لديها فائض فى الميزانية بنحو 59.2 مليار يورو بما يساوى 1.7% من الناتج المحلى الإجمالى، وبزيادة 34 مليار يورو عام 2017. فالتوظيف العالى أدى إلى زيادة الحصيلة الضريبية، هذا بالإضافة إلى أسعار الفائدة المنخفضة التى شكلت محركا إضافيا للنمو، لكن وزير المالية حذر من انتهاء العصر الذهبى للضرائب. وبسبب التباطؤ الاقتصادى الحالى، فإن الحكومة مهددة بفجوة فى ميزانيتها حتى عام 2023 تقدر قيمتها ب25 مليار يورو. وتتوقع وزارة المالية تراجع إيرادات الضرائب بمقدار 5 مليارات يورو سنويا. هذا فى الوقت الذى كانت ستتجه فيه ألمانيا لزيادة إنفاقها، وكانت وعدت بزيادة الإنفاق على الدفاع والاستثمار فى التعليم، كما أعلنت التخلى عن جميع محطات الفحم بحلول 2038 فى عملية ستكبد دافعى الضرائب 80 مليار يورو على مدى العشرين سنة القادمة. فى الوقت نفسه تتزايد الضغوط من أجل منح تخفيضات ضريبية للشركات الألمانية حتى تتمكن من تجاوز تلك الظروف الصعبة، وتطالب بحوافز ضريبية على غرار تخفيضات ترامب الضريبية فى الولاياتالمتحدة.