تجاهلت «الحمائية» الأمريكية وأكدت تعزيز النمو والحوكمة على وقع التوترات الدولية، ألقت النزاعات التجارية والخلافات السياسية بظلالها على اجتماعات مجموعة العشرين التى عقدت فى العاصمة الأرجنتينية بيونس إيريس يومى 30 نوفمبر والأول من ديسمبر. ووسط أجواء من التفاؤل الحذر، يترقب المستثمرون نتائج اللقاءات الجانبية التى عقدها القادة السياسيون الأكثر نفوذا فى العالم، والتى تتجاوز أهميتها الفعاليات الرسمية للقمة، حيث يمتد تأثيرها على الأسواق ابتداء من أسعار النفط والعملات إلى التجارة الدولية والنمو.
فى أول مرة تستضيف فيها دولة من أمريكا الجنوبية قمة لمجموعة العشرين، كانت التجارة والحوكمة وإصلاح منظمة التجارة العالمية على أجندة الاجتماعات، والتى رأت فيها الصين فرصة لتوثيق علاقاتها التجارية مع دول المنطقة، أما رئيسة وزراء بريطانيا فكانت فرصتها لتأكيد جدوى وجدية بريكست، بعدما حذر ترامب من أن الاتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبى قد يضر بالتجارة بين واشنطن ولندن.
ويأمل المستثمرون الدوليون فى أن تتم ترجمة دبلوماسية رؤساء الدول العظمى، التى شهدها المسرح الأرجنتينى لقمة العشرين على أرض الواقع باستقرار الأسواق.
ويتوقع محللون أن يسفر أى اتفاق ل»وقف الحرب التجارية» بين الولاياتالمتحدةوالصين عن تهدئة الأسواق، ما سيحفز المستثمرين على استثمار السيولة الهائلة التى لديهم، فبحسب أندرو ميلجان رئيس وحدة «جلوبال استراتيجى» فى صندوق أبردين الاستثمارى فإن مستوى السيولة فى محافظ صناديق الاستثمار فوق المتوسط، حيث دفعت حالة عدم اليقين المستثمرين إلى جنى أرباح قطاع التكنولوجيا التى تراكمت خلال العقد الماضى.
وأشارت توقعات بنك جولدمان ساكس إلى ارتفاع احتمال اتفاق على «هدنة» بين ترامب وشى جينبينج بنسبة 40%، مقابل 10% لاتفاق بإنهاء الحرب تماما.
يذكر أنه على مدار العام الجارى تنامت حالة عدم اليقين التى تسببت فى موجة من الاضطرابات فى البورصات العالمية سجلت معها الأسهم الصينية أسوأ أداء بانخفاض قيمتها بنسبة 27% مقارنة بأعلى مستوى لها فى يناير الماضى.
هذا فى الوقت الذى خسرت فيه شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى أكثر من تريليون دولار من قيمتها. ويتوقع محللون أن تكون أسهم التكنولوجيا صاحبة أسوأ أداء خلال العام الجارى مع توقع مزيد من الانخفاض خلال الفترة المتبقية من العام الجارى. وبحسب محللى بلومبرج فإن قطاع التكنولوجيا الأكثر تضررا من تصعيد الحرب التجارية ومن تباطؤ الاقتصادات الصينيةوالأمريكية.
فبالإضافة إلى ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية، تتكاثر الغيوم على النمو الاقتصادى العالمى وسط توترات سياسية فى أنحاء متفرقة من العالم.
لقاء رئيسى أكبر اقتصاديين فى العالم: فى حين تتراوح السيناريوهات المتوقعة لنتائج اجتماع الرئيس الأمريكى دونالد ترامب بنظيره الصينى شى جينبينج على هامش القمة، بين احتمال التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب التجارية أو تصعيدها، يرجح محللون أن تكون هناك «هدنة» لبعض الوقت تتم فيها مراجعة الحسابات.
ودخلت بكينوواشنطن فى حرب تجارية تهدد الاقتصاد العالمى، وفرضت الولاياتالمتحدة منذ يوليو 2018 رسوما جمركية عقابية على سلع صينية بقيمة 250 مليار دولار سنويا. وأدى ذلك إلى رد صينى بفرض رسوم مماثلة على سلع أمريكية بقيمة 110 مليارات دولار.
واتهمت السلطات الأمريكيةبكين بالسعى إلى الهيمنة صناعيا على الصعيد العالمى فى قطاعات أساسية على غرار تطوير الروبوتات والطاقة المتجددة عبر وسائل عدة غير قانونية. وتتضمن هذه الوسائل سرقة الملكية الفكرية عبر إجبار الشركات الأمريكية فى الصين أو الضغط عليها لتسليمها أو من خلال عمليات الاستحواذ على الشركات المدعومة حكوميا، إضافة إلى القرصنة والتجسس الصناعى والإغراق، وهددت واشنطن بتشديد العقوبات مرة جديدة إذا لم يتم التوصل إلى تسوية بحلول يناير 2019.
القمة.. وأسعار النفط رأى محللون أن اجتماع أوبك الحقيقى سيكون على هامش مجموعة العشرين بلقاء بوتين وابن سلمان، والذى سيحدد اتجاه أسعار النفط فى 2019. وقبل شهرين فقط كانت التوقعات تشير إلى العودة إلى مستوى المائة دولار للبرميل الخام، إلا أن الأسعار تراجعت إلى نصف ذلك.
وتترقب الأسواق نتائج اجتماعات كبار منتجى الخام على هامش القمة للوقوف على ما إذا كان سيحدث توافق بين السعوديين والروس بشأن الإنتاج، وما إذا كان هذا التوافق سينتقل إلى اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) المقرر خلال أيام. فى الوقت نفسه سيتوقف الأمر -فى النهاية- على تطور الطلب العالمى على النفط فى ظل قوة الدولار والنزاعات التجارية العالمية.
من ناحية أخرى، أسعار النفط المنخفضة تعنى ضغوطا أقل على التضخم وضغوطا أقل على البنوك المركزية الرئيسية لرفع أسعار الفائدة.
ماذا يعنى اتفاق ترامب وجينبينج لسعر الدولار؟ أثار هبوط اليوان الصينى بأكثر من 6% مقابل الدولار مخاوف قديمة من نشوب حرب عملات. ومن المؤكد أن حل الخلافات التجارية بين أكبر اقتصادين فى العالم سيعمل على تهدئة قلق المستثمرين، وإن كان سيظل اليوان الضعيف والدولار القوى مصدرا للعديد من المشكلات. قيام مجلس الاحتياطى الفيدرالى برفع الفائدة خلال ديسمبر ربما يكون أكثر أهمية بالنسبة لأسواق العملات من قمة العشرين. لكن مؤخرا أعرب جيروم باول رئيس المجلس عن قلقه بخصوص نمو الاقتصاد العالمى. وبحسب محللين مثل والتر بيهاوتش الرئيس التنفيذى لشركة خدمات الاستثمار ديلون جيدج، إذا لم يتمكن ترامب وجينبينج من التوصل إلى اتفاق خلال اجتماع قمة العشرين، فقد يتوقف مجلس الاحتياطى عن رفع أسعار الفائدة العام المقبل.
تمويل اتفاقية المناخ.. خارج الاهتمام حرصت الأرجنتين من خلال رئاستها مجموعة العشرين هذا العام على تجنب إثارة التوتر بين ترامب وقادة العالم مثلما حدث فى العام الماضى عندما صدر بيان «19+1».
ولأول مرة منذ انطلاق اجتماعات مجموعة العشرين لم يصدر عن القمة التزام صريح بمكافحة «الحمائية»، الذى كان دائما جزءا أساسيا من وعود الدول الصناعية الكبرى. لكن لأنه منذ تنصيبه رئيسا للولايات المتحدة فى 2017، تعهد ترامب بمزيد من الحمائية التجارية تحت شعار «لنجعل أمريكا عظيمة مجددا». وحرص الرئيس الأمريكى على عقد اتفاقيات تجارية ثنائية جديدة وأعاد التفاوض على الاتفاقيات متعددة الأطراف. الجدير بالذكر أنه على الرغم من حرص القمة فى كل عام على تأكيد الاستمرار فى مواجهة التغير المناخى، فإن هذا العام ومع افتتاح فعاليات قمة المناخ العالمية فى بولندا اليوم تجاهلت القمة أيضا قضية تمويل اتفاق باريس المناخى تجنبا للصدام مع ترامب بعد انسحابه من الاتفاق.
هذا فى حين أن مجموعة العشرين تكتسب أهميتها بالنسبة للاقتصاد العالمى من خلال التدابير التى تتخذها لتعزيز النمو عبر حرية الأسواق والتجارة الحرة لمنع الانزلاق إلى دوامة هبوط اقتصادى.
وتعقد مجموعة العشرين اجتماعاتها على مستوى زعماء الدول منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 بغرض حل المشاكل الاقتصادية بصورة أفضل ولدعم التنمية فى جميع الدول. وتضمن بيانها كل سنة العمل على محاربة الحمائية وتعزيز التجارة الحرة واستمرار مواجهة التغير المناخى.