رقم صادم كشف عنه المهندس عمرو الصاوى وزير الصناعة والتجارة الأسبوع الماضى حينما أعلن أمام مجلس النواب أنه من بين 19 ألف مصنع عامل هناك 5 آلاف مصنع متعثر، أى أن ما يربو على ربع المصانع فى بلادنا هى إما متوقفة عن العمل أو لا تعمل بكامل طاقتها لأسباب تتعلق فى جوهرها بالإدارة. الرقم جديد، وقد كان معروفا أن هناك بين 900 و1200 مصنع تعانى من صعوبات مالية ومتاعب مع البنوك لأسباب قيل إنها تتعلق بحالة الفوضى التى شهدتها البلاد عقب ثورة يناير. الغريب، وحسب الوزير، فإن أصحاب هذه المصانع المتعثرة يرفضون استغلال طاقاتهم المعطلة فى التصنيع لحساب الغير الذين يبحثون عن أراض أو خطوط إنتاج لتصنيع منتجاتهم، ومعروف أن الطلب على الأراضى الصناعية يزداد باطراد فى وقت تعجز فيه الدولة عن تدبير ومقابلة احتياجات المستثمرين للأراضى المناسبة والمرفقة التى ترتفع تكلفة ترفيقها يوما بعد يوم. القضية على هذا النحو تقدم تفسيرات لكثير من الظواهر لحال الصناعة فى بلادنا، كما أنها تستدعى جهودا تفوق قدرة الحكومة فى إدارة هذه الأزمة، ولعل الأمر يبدأ بتشكيل لجنة تقصى حقائق برلمانية لبحث أسباب هذه الزيادة غير المفهومة فى أعداد المصانع التى تعانى من التعثر، وربما يمتد الأمر لبحث مشكلات نحو 48 شركة عامة تحقق خسائر بلغت 8 مليارات جنيه العام الماضى من بين 121 شركة ما زالت تعمل فى كنف الدولة وتضم نحو 214 ألف عامل. هذا الرقم يقدم تفسيرا لتراجع مساهمة الصناعات التحويلية فى الاقتصاد خلال السنوات الأخيرة، وقد كانت هذه الصناعات تسهم تقليديا بما يزيد على 40% من الناتج المحلى الإجمالى، وهى الآن تراجعت لتوفر 25% من الناتج الإجمالى وفقا لموازنة 17 /18. كذلك تراجعت مساهمة الصناعات التحويلية فى قيادة النمو الاقتصادى بعدما تباطأ حجم النمو فى هذا القطاع المهم إلى 5% فقط العام الماضى لتأتى متأخرة عن معدلات النمو التى حققتها قطاعات أخرى مثل البترول والغاز وقناة السويس والاتصالات والمعلومات والتشييد والبناء ولتتقدم فى نموها عما حققه القطاع الزراعى بنسبة طفيفة. الجانب الإيجابى فيما يتعلق بالصناعات التحويلية أنها مازالت تقدم نحو 60% من صادرات مصر غير البترولية وفقا لأرقام العام الماضى، والأهم أن الطلب يزداد بقوة على إنشاء شركات جديدة بغرض التصنيع وفقا للوزير، ووفقا لما نراه ونتابعه فى السوق حيث يتكالب المصنعون على الأراضى الصناعية فى مختلف الأنحاء ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل كبير. المشكلة أن جهود إقالة المصانع المتعثرة من عثرتها لم تتوقف منذ سنوات وفى مقدمتها مبادرات البنك المركزى لدعم المصانع المتعثرة لأسباب مالية، ومع ذلك فقد تضخم الرقم إلى ما وصل إليه الآن، وهنا يجب البحث عن الأسباب الأخرى التى أدت إلى تفاقم أعداد المتعثرة على هذا النحو. الوزير عزا فى إفادته لمجلس النواب تفاقم الظاهرة للرغبة فى التقليد وعدم الخبرة إلا أنه إزاء هذا الحجم المتضخم من المتعثرين فلابد من البحث عن مجمل الأسباب التى أدت إلى كل هذا التعثر، ولاسيما أن هناك صناعات بعينها شهدت تدهورا مستمرا رغم المعالجات التى سنحت لها «كالغزل والنسيج مثلا». قد يكون مناخ الاستثمار الصناعى كله يحتاج إلى تصويب وهذا يمكن النظر إليه فى ضوء التحسن الذى طرأ على موقف مصر فى مؤشر البنك الدولى بشأن تيسير الأعمال الذى تقدم بنحو 8 مراكز ليحتل المرتبة رقم 120 وليقترب من الموقع الذى كان يشغله فى 2010. الأمر يحتاج إلى دراسة معمقة ومعالجة مختلفة بغية التوصل إلى الأسباب العميقة التى تقف وراء زيادة عدد الشركات المتعثرة على هذا النحو، ولابد من التركيز على ضرورة البحث عن إيجاد معالجات مختلفة عن تلك التى مررنا بها طيلة عقود فى حل مشكلات الصناعة فى بلادنا. ومن الأقوال المأثورة فى هذا الشأن أنه من سوء الفطن أن تجرب نفس التفكير ونفس الحلول مرارا وتتوقع نتائج مختلفة فى كل مرة! نحن بحاجة إلى تفكير مختلف وحلول مبتكرة لإنقاذ وتطوير الصناعات التحويلية فى بلادنا.. أقدم نشاط صناعى عرفه الشرق الأوسط كله.