2.5 % معدل نمو مستهدف و10 %معدل بطالة هذا العام الأزمة أطاحت ب 25% من الناتج المحلى
نجحت اليونان فى الخروج من برنامج الإنقاذ الثالث والأخير فى 20 أغسطس، منهية بذلك ثمانية أعوام من إجراءات التقشف الحكومية وارتفاع معدلات البطالة والقروض الدولية التى استهدفت إنقاذ البلاد من أزمة ديون طاحنة مع إبقائها فى منطقة اليورو.
فى إبريل 2010 كانت أثينا على حافة الانهيار المالى فأطلقت استغاثة قوية لشركائها فى منطقة اليورو. واليونان هى آخر بلد، بعد البرتغال وإيرلندا وإسبانيا وقبرص، يخرج من برامج مساعدات دولية جنبته الانهيار وربما انهيار منطقة اليورو معه.
وبعد الانتهاء من برنامج الإنقاذ، لم تعد اليونان تندرج تحت مظلة دولية وأصبحت مكلفة بتمويل نفسها بشكل مستقل وتأمل فى أن تستطيع قريبا الوفاء بالتزاماتها المالية دون مساعدة من الخارج. ويتعين عليها حاليا تجاوز التصنيفات المالية السيئة التى تفاقمت فى الآونة الأخيرة بسبب موجة حرائق، تعد هى الأسوأ، فى شهر يوليو الماضى.
الدواء المر:
عانت اليونان على مدى ثمانى سنوات من سياسة تقشف فرضت بموجب ثلاث خطط إنقاذ دولية بلغت تكلفتها الإجمالية 289 مليار يورو (330 مليار دولار) قدمت فى 2010 و2012 و2015 لإنقاذ أثينا من ديونها المتراكمة. وأدت الإصلاحات الاقتصادية التى طلبها الدائنون إلى خسارة اليونان ربع إجمالى ناتجها المحلى خلال ثمانى سنوات، بسبب الركود الاقتصادى ما أدى إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 27,5% فى 2013.
مسار الاستقرار المالى بعد خطة الإنقاذ
تستهدف الحكومة اليونانية فى استراتيجيتها الاقتصادية الجديدة دعم الانتعاش الاقتصادى مع الحفاظ على فائض أولى فى الموازنة لا يقل عن 3,5% حتى عام 2022، ولا يقل عن 2,2% بين 2023 حتى 2060، مع تحقيق متوسط نمو اقتصادى 3% سنويا.
وتعهد رئيس الوزراء الكسيس تسيبراس الذى يقود حزب سيريزا اليسارى، بخفض الضرائب على الممتلكات والمبيعات، وزيادة دخل مئات آلاف المزارعين واليونانيين المنتمين إلى الطبقة الوسطى. وأدخل تسيبراس تعديلات على حكومته، كما تعهد بترتيب أوضاع سوق العمل وزيادة الحد الأدنى للأجور والمعاشات وخفض الضرائب خلال الأشهر والأعوام المقبلة، مع مواصلة الإصلاحات الاقتصادية فى البلاد. هذا مع الأخذ فى الاعتبار أن جميع الإجراءات الخاصة برفع مستوى المعيشة سيتم بالتشاور مع الدائنين، فى ظل التزام الحكومة باتفاقها معهم.
وتستهدف حكومة تسيبراس معدل نمو 2.5% هذا العام، وخفض معدل البطالة إلى 10% خلال خمسة أعوام. مظاهرات واحتجاجات على الإصلاح رغم المعارضة الشعبية القوية لإجراءات الإصلاح، استمرت حكومة اليونان فى تجرع الدواء المر. وحتى بعد انتهاء برنامج الإنقاذ لا تزال التظاهرات مستمرة ضد سياسات الحكومة الاقتصادية، وتقول أحزاب المعارضة واتحادات نقابية إن خروج اليونان من خطة الإنقاذ الثالثة الشهر الماضى لا يدعو إلى الاحتفال. ويعتقد كثير من اليونانيين أن مرحلة التقشف لم تنته بعد، وأن كل ما انتهى هو التزام الدول الدائنة بمنح البلاد المال، لكن الوصاية المشددة لا تزال قائمة.
فرغم تراجع نسبة البطالة فى اليونان إلى ما دون 20% للمرة الأولى منذ (2011-19.1%) فإن معظم اليونانيين لا يزالون يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة ولا سيما ارتفاع فاتورة الضرائب وتدنى مستوى الأجور بسبب الاقتطاعات التى تم فرضها منذ العام 2010 بموجب شروط عمليات الإنقاذ الدولية الثلاث للبلاد.
مع اقتراب موعد تقديم حكومات أوروبا لميزانياتها إلى المفوضية خلال الشهر المقبل، يتجدد الجدل حول سلامة اقتصادات منطقة اليورو. وفى حين تستحوذ إيطاليا على معظم الأضواء- باعتبارها المشكلة الكبرى بعد اليونان-، تتعرض دول أوروبية أخرى مثقلة بالديون لضغوط من أجل ضبط أوضاع ماليتها العامة. يذكر أن قواعد الاتحاد الأوروبى تلزم الدول الأعضاء فى منطقة اليورو وبينها إيطاليا بألا يزيد عجز الميزانية على 3% من إجمالى الناتج المحلى وألا يزيد معدل الدين العام على 60% منه، فى حين يبلغ معدل الدين العام لإيطاليا أكثر من 130% ما يجعله الأكبر فى منطقة اليورو بعد حجم الديون السيادية اليونانية. ويرجح مراقبون أن تعلن المفوضية الأوروبية عدم التزام إيطاليا بتعهداتها إذا ما وضعت روما ميزانية تقود إلى توسع مالى بدلا من التشدد فيه. كان قلق المستثمرين بشأن انضباط أوضاع المالية العامة لإيطاليا أدى إلى موجة بيع مكثف لسندات الخزانة الإيطالية ما دفع العائد عليها إلى مستويات قياسية عند 3% للسندات العشرية مقابل 2% فقط فى بداية العام. والتقارير التى أشارت إلى موافقة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب على شراء ديون إيطالية عززت أيضا ارتفاع تكلفة الاقتراض فى إيطاليا. منذ سنوات يقل معدل نمو الاقتصاد الإيطالى عن الدول الأوروبية الأخرى، لكن الحكومة تخطط لتعزيز النمو ليصل إلى 1.6%. ويطالب الاتحاد الأوروبى بأن تحافظ إيطاليا على عجز ميزانيتها عند أقل من 3%، وأن تخفض الإنفاق فى العامين الحالى والتالى من أجل خفض حجم ديونها. فبلوغ عجز الموازنة 3% من إجمالى الناتج المحلى ليس هدفا بل هو الحد الأقصى المسموح به، والهدف أن تصل الدول بنسبة العجز إلى ما يقرب من صفر لتخفيض ديونها، ولذلك فإن عليها أن تقلص عجزها هيكليا من عام إلى آخر.
إسبانيا.. والمناورات السياسية
بعد مرور عام على أزمة كتالونيا، تعهدت الحكومة الشعبوية برئاسة بيدرو سانشيز بإنهاء سنوات التقشف، وأبلغت المفوضية الأوروبية بأنها ستتجاوز نسبة العجز المسموح بها التى تبلغ 2.2% من الناتج المحلى الإجمالى، وستصل إلى 2.7%. وتواجه الحكومة الإسبانية تحديات صعبة فى الحصول على دعم سياسى لخططها المالية، ومن المرجح أنها ستضطر إلى زيادة الضرائب على الشركات الكبرى والبنوك. ويعانى الاقتصاد الإسبانى من تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة، وتشير توقعات المحللين إلى تباطؤ النمو إلى 2.6% فى 2018 مقارنة ب 3.1% فى 2017.
يشير التراجع السريع فى شعبية الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى تضاؤل الثقة بتحسن الأوضاع الاقتصادية للبلاد، وقد زادت شكوك الشركات –أكبر مؤيديه- بعد تأخر التخفيضات الضريبية التى وعد بها. وخفض البنك المركزى الفرنسى توقعاته للنمو إلى 1.6% سنويا حتى عام 2020، مقارنة بتوقعات سابقة بنمو 1.8% فى 2018 و1.7% فى 2019. ففى أعقاب الإضرابات العمالية التى اندلعت فى 2018 من المتوقع تباطؤ اقتصادى أكبر فى 2019. فى حين أن دولا أوروبية أخرى لديها مديونية أكبر –نسبة الدين العام إلى الناتج المحلى الإجمالى-، مثل لوكسمبرج وإيرلندا وهولندا وبلجيكا فإن إجمالى ديون فرنسا –العامة والخاصة- هى الأكبر فى منطقة اليورو، بقيمة 9 تريليونات يورو أو 10.8 تريليون دولار.