أظهر الاقتصاد اليوناني مؤشرات تعافي بعد أكثر من 7 سنوات من التراجع، بمعدل نمو 1.7% خلال عام 2017، غير أن مشروع موازنة العام الحالي ينمو بمعدل 2.7% من إجمالي الناتج المحلي. جاء ذلك بعد انتهاج حكومة أثينا سياسات التقشف القاسية، التزامًا بشروط الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، المعروفة بال"الترويكا"، وذلك من أجل الحصول على حزمة إنقاذ مالية لإخراج اليونان من عثرتها الاقتصادية بعد بلوغ مستويات العجز في الميزانية والدين الحكومي لمستويات قياسية. بدأت الحكومة اليونانية تُبدي اعتراضها بشكل واضح على تبني مزيد من تلك السياسات المفروصة من الاتحاد الأوروبي، التي تزيد من مستويات الإحباط الاجتماعي في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى معيشة الأفراد، وسعت إلى تنفيذ برنامج إصلاحات اقتصادية يستبعد اتخاذ تدابير "تقشف جذرية"، لتفادي تصعيد التوترات داخل البلاد. وكانت اليونان قد وافقت في عام 2015، على خطة إنقاذ أوروبية قيمتها 86 مليار يورو (94 مليار دولار) على مدى ثلاثة سنوات، تفاديًا للخروج من منطقة اليورو، لكن جاءت الخطة بشروط صارمة. وجاء ذلك بعد الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد اليوناني في أبريل 2010، حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضًا لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد. وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها، لاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام. وقدمت الحكومة اليونانية طلبًا رسميًا في 23 يونيو 2010 إلى دول منطقة اليورو وصندوق النقد الدولي، بتفعيل خطة الإنقاذ المالي التي اتفق عليها مع المفوضية الأوروبية، وتتضمن الخطة قروضًا من دول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد بقيمة 45 مليار يورو تحتاجها الحكومة اليونانية للنفقات المالية، إضافة إلى حاجة اليونان لتسديد 16 مليار يورو، وبسبب ارتفاع معدلات الفائدة إلى 8.3% فإن اليونان غير قادرة على إعادة تمويل هذه السندات. وهددت تلك الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو، وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية، إلا أن أوروبا قررت تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها إصلاحات اقتصادية واجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة. ووافقت جميع دول الاتحاد الأوروبي إضافة إلى صندوق النقد الدولي على منح اليونان سلسة من القروض المالية بمجموع 110 مليار يورو، على مدى 3 سنوات، منها 80 مليار يورور مقدمة دول الاتحاد الأوروبي فيما قدم صندوق النقد الدولي 30 مليار يورو، وتبلغ الفائدة على هذه القروض نحو 5.2% وفترة سداد 3 سنوات، وقد خفضت الفائدة في قمة بروكسل لقادة الاتحاد الأوروبي في مارس 2011، حيث تقرر تخفيض الفائدة بنحو 1% لتصبح 4.2% فيما زادت فترة السداد لتبلغ 7 سنوات ونصف، وقد اشترط على اليونان للحصول على القروض القيام باجراءات تقشف يهدف إلى خفض الإنفاق. وبموجب شروط الاتفاق، كان يجب على اليونان اتخاذ تدابير الإصلاح التي من شأنها أن تنتج فائضًا أوليًا قدره 5.3% من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2018، ولكن كان هناك خلاف على قوة التدابير التي تحتاج إليها أثينا للوصول إلى تحقيق فائض بنحو 5.3%، مع إصرار أوروبا على أن اليونان ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات التي سوف تصل إلى الهدف. لكن صرح صندوق النقد الدولي، بأن كثيرًا من تلك التدابير المتفق عليها تعد غامضة، ولا تمكن من الوصول إلى الهدف. وقال رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، في هذا الشأن، إن الخلافات بين صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بشأن طريقة معالجة أزمة ديون اليونان تضر بالبلاد، وأكد تسيبراس أن ما يؤخر استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين هو استمرار النزاع والخلاف بين صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأوروبية. ولم يقرر صندوق النقد حتى الآن ما إذا كان سيشارك في حزمة الإنقاذ الدولية الثالثة لليونان التي وقعت في عام 2015، بعد حزمتي الإنقاذ الأولى عام 2010 والثانية عام 2013، التي قدمت فيها 130 مليار يورو للحكومة اليونانية، ويقول إنه ليس مقتنعًا بقدرة البلد على خدمة ديونه. ويمنع ذلك الخلاف مشاركة اليونان في الوقت المناسب في برنامج التيسير النقدي للبنك المركزي الأوروبي، حيث إن اليونان تنفذ مثل هذا الإصلاح القاسي لا تستطيع أن تنتظر أكثر من ذلك بكثير، حيث تجاوزت ديون اليونان 170% من الناتج المحلي الإجمالي. واتفق معظم المسؤلون في منطقة اليورو، على أن الشأن متروك للحكومة اليونانية التي يرجع إليها القرار في اعتماد خطة الائتمان الاحترازي من عدمه. ولكن من جهته حذر البنك المركزي الأوروبي، من أن اليونان تخاطب المسؤولين بأسواق رأس المال وليس المؤسسات الأوروبية جميعها، والهدف الذي يرمي إليه البنك المركزي الأوروبي هو البحث عن آليات إجرائية لتخفيف عبء الديون ليكون الإجراء جزءًا من الترتيبات بما بعد مرحلة انتهاء فعالية برنامج الإنقاذ. واتخذت الحكومة اليونانية حزمة إجراءات تقشفية استمرت لمدة 7 سنوات منذ 9 فبراير 2010، في ظل حكومة الرئيس اليوناني، كارولوس بابولياس، وذلك من أجل كبح جماح عجز الميزانية. واستهدفت تلك الإجراءات الحكومية خفض إجمالي النفقات العامة على الأجور والرواتب من 1% إلى 5.5%، عبر تجميد رواتب الموظفين الحكوميين وتقليص مكافآت العمل الإضافي وبدلات السفر. ووافق البرلمان اليوناني، على مشروع قانوني يهدف إلى توفير 4.8 مليار يورو على إثر مخاوف من إفلاس الحكومة اليونانية وتخلفها عن السداد، وتضمن القانون رفع الضرائب على القيمة المضافة وعلى السيارات المستوردة وعلى المحروقات، وخفض رواتب القطاع العام وتقليص المكافآت والبدلات الممنوحة للموظفين الحكوميين. وبعد سنوات التقشف التي عاشتها اليونان، أعلن رئيس المفوضية الأوروبية جون كلود يونكر، في العام الماضي، أن اليونان ستعرف مزيدًا من الإزدهار بشأن تسارع الإجراءات بشأن برامج الإنقاذ التي تعتمدها لتحقيق التنمية المستدامة، بسبب الظروف المالية العسيرة تلك التي مرت بها خلال السنوات الأخيرة. ولعب الاتحاد الأوروبي دورًا بارزًا من أجل تحفيز الاقتصاد اليوناني المتعثر بسبب الديون التي أثقلت الحكومة اليونانية، كما عبر المسؤولون في منطقة اليورو عن تفاؤلهم بالمستقبل الاقتصادي لليونان، والذي من شانه أن يحفز بنظرهم انتعاشًا اقتصاديًا لمنطقة اليورو. وحافظ اقتصاد البلاد على وتيرة نمو ثابتة، محققًا نسبة نمو ربع سنوية تبلغ 5.0% خلال الربع السنوي من أبريل حتى يونيو عام 2016، كما حقق الاقتصاد اليوناني، خلال الربع الثاني من العام نفسه، نسبة نمو تبلغ 8.0%. وأرجع مكتب الإحصاء الوطني اليوناني، أسباب النمو إلى موسم السياحة القياسي، حيث حققت السياحة 5.14 مليار يورو (2.17 مليار دولار) خلال النصف الأول من العام الماضي، بزيادة تبلغ قرابة مليار يورو عن نفس الفترة من عام 2016. وتواصل الحكومة اليونانية، برئاسة ألكسيس تسيبراس، العمل بخطى ثابتة بهدف تحقيق التنمية العادلة، حتى تعود سوق العمل للجميع، والمواجهة الحاسمة للخروج من الأزمة وبذل الجهود المتواصلة لعودة النمو والرجوع إلى الأسواق المالية الدولية.